واشنطن تحجب الثقة عن فلسطيني مندوبًا خاصًا للأمم المتحدة

الأمين العام يدافع عن ترشيحه رئيس الوزراء السابق سلام فياض مبعوثاً له إلى ليبيا

سلام فياض مع الرئيس باراك أوباما في رام الله عام 2013 (رويترز)
سلام فياض مع الرئيس باراك أوباما في رام الله عام 2013 (رويترز)
TT

واشنطن تحجب الثقة عن فلسطيني مندوبًا خاصًا للأمم المتحدة

سلام فياض مع الرئيس باراك أوباما في رام الله عام 2013 (رويترز)
سلام فياض مع الرئيس باراك أوباما في رام الله عام 2013 (رويترز)

في أول مواجهة بين إدارتي الأمم المتحدة والبيت الأبيض، قررت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، حجب الثقة عن ترشيح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس رئيس وزراء فلسطين السابق، سلام فياض، ممثلا له في ليبيا.
وقالت هالي، إن الولايات المتحدة «لا تعترف حاليا بدولة فلسطينية أو تؤيد الإشارة التي سيرسلها هذا الاختيار داخل الأمم المتحدة».
أما الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، فقال، إن تعيين فياض مبعوثًا خاصًا إلى ليبيا تم فقط بالاعتماد على كفاءته وأهليته لهذا المنصب، مضيفا أن موظفي الأمم المتحدة لا يمثلون أي دولة أو حكومة.
وقال إن الأمين العام يكرر «تعهده بتوظيف الأفراد المؤهلين، واحترام التنوع الإقليمي، كما أنه لاحظ أنه لم يخدم أي إسرائيلي أو أي فلسطيني في منصب مسؤول ورفيع في الأمم المتحدة»، مشددا على أن الأمين العام يشعر بضرورة «تصحيح هذا الوضع، ودائما على أساس الجدارة الشخصية والكفاءة للمرشحين المحتملين لتولي مناصب محددة».
الموقف الأميركي قوبل بالترحيب من قبل السفير الإسرائيلي، وإدانة منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرت الخطوة حالة من «التمييز الصارخ» على أساس الهوية الوطنية.
غوتيريس كان قد أبلغ مجلس الأمن رسميا أن سلام فياض أفضل خليفة لمارتن كوبلر. الرسالة التي تسلمها السفير الأوكراني بصفته رئيسا لمجلس الأمن قالت: «إنني أنوي تعيين سلام فياض مبعوثي الخاص ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، ليحل مكان مارتن كوبلر»، الذي قام بمهمة مبعوثي الخاص منذ 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
البعض يرى، أن تعيين فلسطيني في منصب رفيع، من دولة غير عضو، قد يفسر على أنه محاولة من الأمين العام الجديد أن يرسخ حقيقة أن الدولة الفلسطينية قادمة، ولهذا فكان الرد الأميركي مختلفا: «إن الولايات المتحدة لا تعترف حاليا بدولة فلسطينية ولا تدعم الإشارة التي يرسلها هذا التعيين داخل الأمم المتحدة».
وقالت هيلي: «منذ فترة طويلة جدا، والأمم المتحدة منحازة إلى السلطة الفلسطينية بشكل غير عادل، على حساب حلفائنا في إسرائيل»، معربة عن «خيبة أملها»، ومهددة: «من الآن فصاعدا، ستقوم الولايات المتحدة بالتحرك دعما لحلفائها ولن تطلق كلاما فقط».
ويعرف عن فياض قوته في مجالات الإدارة المالية، حيث كان قد شغل سابقا ممثلا للبنك الدولي في بلاده. لكن اختيار الأمم المتحدة له، كونه دبلوماسيا ناجحا، قد يستطيع أن يفعل شيئا في المعضلة التي تسود في ليبيا. وقال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، حول الممانعة الأميركية، إن «هذه هي بداية عهد جديد في الأمم المتحدة، حيث تقف الولايات المتحدة بحزم ودون ندم إلى جانب إسرائيل».
ورحب دانون، في بيان صحافي أصدره الليلة الماضية بما أعلنته السفيرة هيلي، بهدف التحرك لمنع تعيين سلام فياض مبعوثا خاصا للأمين العام إلى ليبيا مضيفا: «لقد أثبتت الإدارة الجديدة مرة أخرى أنها تقف بحزم إلى جانب دولة إسرائيل في الساحة الدولية وفي الأمم المتحدة على وجه الخصوص. فالإدارة الجديدة تعمل من أجل مصلحة مشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل، و(من أجل) التحالف الخاص بين بلدينا».
وكانت هيلي قد هددت في أول يوم عمل لها أنها في الوقت الذي ستقف مع حلفاء بلادها فإنها ستقوم بتسجيل أسماء الدول التي تقف ضد الحلفاء.
السفير الإسرائيلي الذي عادة ما يصدر أكثر من بيان كل أسبوع، يدين فيها الطرف الفلسطيني، قال إن «هذه هي بداية عهد جديد في الأمم المتحدة، حيث تقف الولايات المتحدة بثبات وراء إسرائيل ضد جميع محاولات الإساءة إلى الدولة اليهودية». إلا أن دانون لم يوضح كيف يسيء تعيين فياض للكيان الإسرائيلي.
ولم تعقب السلطة الفلسطينية على التحرك الأميركي ضد فياض، كما أنها لم ترحب بقرار تعيينه من الأساس. لكن أدانت أطراف فلسطينية مختلفة ما وصفته بأنه «تمييز صارخ» لإعاقة تعيين فياض.
واعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية التحرك الأميركي بأنه «غير مقبول». وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي في بيان نشرته بالإنجليزية، إن «إعاقة تعيين الدكتور سلام فياض حالة من التمييز الصارخ على أساس الهوية الوطنية». ورفض سلام فياض التعقيب على القرار الأميركي. وقال مكتبه في رام الله لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الدكتور فياض لا يريد الإدلاء بأي تصريح».
واعتبرت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني أن عرقلة الولايات المتحدة تعيين فياض موفدا أمميا إلى ليبيا «استمرار لسياسة الولايات المتحدة الأميركية ضد دولة فلسطين، وخرق واضح للقوانين الدولية، وحماية لدولة الاحتلال».
وقالت الجبهة، إن ما قالته واشنطن بأنها «لا تعترف بدولة فلسطين، وإن الأمم المتحدة منظمة تنحاز بشكل غير عادل لصالح السلطة الفلسطينية، تحريض على دولة فلسطين ودعم للاحتلال لمواصلة جرائمه».
وبعد انتخابه رئيسا، انتقد الرئيس ترمب خلفه باراك أوباما، بسبب التصويت بالامتناع بدلا من ممارسة الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، لمنع قرار بشأن المستوطنات الذي اعتبرته بأنه كان خطأ فادحا.
يذكر أن فياض رأس الحكومة الفلسطينية بين عامي 2007 و2013، وكان قبلها وزيرا للمالية بين عامي 2002 و2005، وكان أيضا ممثلا مقيما لصندوق النقد الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة من 1996 و2001.
ويأتي الموقف الأميركي ضد تعيين مسؤول فلسطيني مبعوثا للأمم المتحدة قبل أيام من لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، وبعد ساعات من تصريحات للرئيس الأميركي قال فيها إن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لا يخدم السلام.
«الشرق الأوسط» طرحت سؤالا على رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، المندوب الأوكراني فلاديمير يلتشينكو، حول اتهام الإدارة الأميركية الجديدة للأمم المتحدة بأنها غير فعالة وضعيفة. السفير يلتشينكو أجاب أن المنظمة الدولية بعيدة عن المثالية، مؤكدا ضرورة تغيير «أشياء كثيرة»، خصوصا تغييرات جذرية داخل الأمانة العامة. وأضاف أن هناك كثيرا من التوقعات من الأمين العام الجديد. وتابع: «إن بعض الإفادات من قبل المسؤولين في الأمم المتحدة التي يقدمونها إلى مجلس (ذات جودة منخفضة جدا)»، وفي بعض الأحيان فإنها لا تقدم المعلومات اللازمة لاتخاذ قرار يتعلق ببعثات «حفظ السلام الأممية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟