فرنسا ترغب في نقل حي المال اللندني إلى باريس... ولكن

هل يقطع «البريكست» شريان تمويل أوروبا؟

البرلمان الأوروبي قرع الجرس في تقرير للجنة الاقتصاد والمال وحذر من أن «أي اتفاق سيئ قد يضر بمصالح بريطانيا ومصالح الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد»
البرلمان الأوروبي قرع الجرس في تقرير للجنة الاقتصاد والمال وحذر من أن «أي اتفاق سيئ قد يضر بمصالح بريطانيا ومصالح الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد»
TT

فرنسا ترغب في نقل حي المال اللندني إلى باريس... ولكن

البرلمان الأوروبي قرع الجرس في تقرير للجنة الاقتصاد والمال وحذر من أن «أي اتفاق سيئ قد يضر بمصالح بريطانيا ومصالح الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد»
البرلمان الأوروبي قرع الجرس في تقرير للجنة الاقتصاد والمال وحذر من أن «أي اتفاق سيئ قد يضر بمصالح بريطانيا ومصالح الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد»

تشهد العاصمة البريطانية لندن حاليًا زيارات وفود فرنسية وألمانية ودول أوروبية أخرى للقاء «كبار» حي المال، وعرض ما لدى باريس وفرانكفورت وعواصم أخرى من ميزات لخلافة لندن كمركز مالي أوروبي بديل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لاستطلاع حديث لرأي الشركات الأوروبية يؤكد أن البديل غير موجود بعد، وخدمات التمويل التي تقدمها لندن لا يمكن لأي مدينة أوروبية تقديمها حتى الآن.
ويدعم ذلك الرأي تقرير صادر عن جمعية أسواق المال الأوروبية (لوبي مقره لندن) يؤكد أن 78 في المائة من عمليات الوساطة المالية في أوروبا تمر عبر العاصمة البريطانية، كما أن 74 في المائة من المشتقات المالية القائمة على سعر الفائدة، و50 في المائة من إدارة الأصول، و66 في المائة من طروحات السندات وجمع التمويل عبر طرح الأسهم، كل ذلك يجري عبر بنوك تتخذ بريطانيا مقرًا لها منذ عقود، وبأسعار تنافسية يوفرها اقتصاد الحجم الكبير لتلك العمليات المالية في سوق لا مثيل لها إلا في نيويورك.
لذا تسعى لندن للحفاظ على ما بات يسمى «جواز السفر المالي» الذي يسمح ببيع منتجات وخدمات مالية (مصممة لندنيًا) في جميع أنحاء دول الاتحاد، وترغب السلطات البريطانية في الحصول على موافقة الأوروبيين لتثبيت هذا النظام المتكافئ للجميع والحفاظ على الوضع القائم حاليًا بعد حصول «البريكست».
واختيار بريطانيا الخروج من الاتحاد وسوقه المشتركة يفقدها جواز السفر المالي هذا، إذا طُبقت قواعد الانفصال كما يجب، لذا فطلب بريطانيا الحفاظ على الوضع القائم يعتبره أوروبيون بمثابة «هدية» لا مبرر لها، لأن البريطانيين قرروا بملء إرادتهم الانفصال الكامل.
كان محافظ البنك المركزي البريطاني مارك كارني قال منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي موجهًا كلامه إلى الأوروبيين: «تحتاجون إلينا كما نحتاج إليكم، أما (البريكست) فيطرح مخاطر على الاستقرار المالي في الاتحاد وفي بريطانيا على حد سواء لا سيما في المدى القصير».
وأيده في ذلك جزئيًا المفاوض الأوروبي المكلف من بروكسل بقيادة مفاوضات الخروج ميشال بارنييه، الذي كتب على حسابه في موقع «تويتر»: «المفاوضات حول سوق التمويل تطرح مخاطر، علينا أن نكون حذرين للحفاظ على الاستقرار المالي».
ويذهب في الاتجاه نفسه وزير المالية الألماني فولفغانغ شيوبله بقوله: «إن المركز المالي اللندني يخدم كل اقتصادات دول الاتحاد، جودة الخدمات التي يقدمها هذا المركز لا نجد مثيلاً لها في أي عاصمة أوروبية الآن، لكن الوضع قد يختلف بعد الانفصال»، ويدعو الوزير إلى «قواعد اتفاق معقولة على هذا الصعيد».
أما بنوك وشركات الأموال في لندن فترى أن الأمر «شائك جدًا»، وتؤكد صعوبة ترك حي المال، وتضرب مثالاً على منتجات المشتقات المالية المعقدة والمتداخلة والمطلوب متابعتها ومراقبتها بشكل لحظي، ونقل هذا القطاع كاملاً مرة واحدة بمهندسيه الماليين وأنظمته ورؤوس أمواله فيه ضرب من المخاطرة غير المحسوبة، وإذا كان لا بد من النقل، فالعملية ستستغرق من 4 إلى 5 سنوات، مما يعرض استقرار السوق لهزة في هذه الفترة.
حتى البرلمان الأوروبي قرع الجرس في تقرير للجنة الاقتصاد والمال، وحذر من أن «أي اتفاق سيئ قد يضر بمصالح المملكة المتحدة كما بمصالح الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد».
في المقابل، يسعى «لوبي» فرنسي للتقليل من أهمية الحجج آنفة الذكر، مشيرًا إلى عواصم أوروبية أخرى مرشحة بقوة للقيام بدور لندن كليًا أو جزئيًا، وفي مقدمتها باريس.
لذلك زار وفد فرنسي حي المال بداية الأسبوع الماضي واجتمع بممثلي 50 مصرفًا وشركة استثمار وإدارة أصول كبيرة محاولاً ترويج باريس بديلاً، وتمت دعوة شركات استشارية وقانونية ومحاسبية إلى الاجتماع، وقال أحد الحاضرين: «كل الأسماء الكبيرة كانت حاضرة!».
وأكد رئيس جمعية باريس المالية «يوروبلاس» جيرار ماسترالت للمجتمعين بدبلوماسية: «تبقى لندن مركزًا ماليًا، لا نشجعكم على تركها كليًا، لكن إذا أردتم تحويل جزء من أعمالكم إلى خارج لندن بعد (البريكست)، فإن باريس أفضل مكان تتمركزون فيه»، والحجة أن العاصمة الفرنسية هي الأكثر جذبًا للسياح والأعمال مقارنة بالعواصم الأوروبية الأخرى.
وأعلنت الحكومة الفرنسية أمس (الجمعة) أن نحو 83 مليون سائح أجنبي زاروا فرنسا في 2016، مشيرة إلى أن هذا الرقم يشكل تراجعًا بالمقارنة مع 2015، لكنه يبقيها الوجهة السياحية الأولى في العالم.
وتحاول باريس تسويق نفسها بميزات تفضيلية لا تملكها أمستردام أو دبلن أو لشبونة أو مدريد أو لوكسمبورغ أو حتى منافستها الشرسة فرانكفورت، فهذه العواصم تنافس هي الأخرى لأخذ جزء من كعكة لندن المالية، خصوصًا في المنتجات والخدمات التي يصعب أو يستحيل على لندن تقديمها بعد «البريكست» الذي سيحد من حرية حركة الرساميل والأفراد بفعل الانفصال.
ما سبق ليس أفكارًا وحسب، بل يتحول إلى واقع بالتدريج، إذ أعربت عدة مصارف عملاقة عن نيات تحويل أعمال لها إلى خارج لندن.
مصرف «إتش إس بي سي» على سبيل المثال أعلن تحويل نحو ألف من موظفيه إلى باريس، أما مصارف «جي بي مورغان» و«غولدمان ساكس» و«يو بي إس»، فتحضر لخطوات مماثلة من دون معرفة الوجهة بعد، وهذا يعني أن الشركات الأوروبية التي سيتعذر عليها مستقبلاً اللجوء إلى حي المال اللندني لإجراء عملياتها التمويلية ستجد أن حي المال نفسه سيأتي إليها في دول الاتحاد.
يقول مسؤول فرنسي: «هذا الحي ليس منجم ذهب لا يمكن نقله، فالبنوك العالمية تمارس دورها من لندن، لأنها تستطيع ذلك الآن، لكن لا شيء يمنعها من ممارسة هذا الدور في مكان آخر بعد (البريكست)».
يقول الفرنسيون أيضًا إن لندن ليست متفوقة في كل الخدمات، وللمثال فإن 9 في المائة فقط من قروض الشركات الأوروبية تجد مانحيها بين البنوك العالمية المتمركزة في لندن.
ويرد مسؤول مالي بريطاني أن باريس ليست أفضل من لندن بتاتًا، فهناك عدة معوقات أبرزها اللغة والضرائب المرتفعة في فرنسا، ناهيك بالبيروقراطية وصعوبة التراخيص، أما عن كلفة العمالة وصعوبة توظيفها وصرفها، فحدث ولا حرج.
يُذكر أن الوفد الفرنسي الذي زار حي المال هذا الأسبوع ضم ممثلين عن كل الأحزاب اليمينية واليسارية ومسؤولين من القطاعين العام والخاص، فيما يبدو أنه إجماع وطني سيادي عام لا خلاف عليه رغم الصراع القائم حاليًا بين كل هؤلاء عشية الانتخابات الرئاسية.
ورغم هذا التحضير فهناك سؤال لم يتوقعه الفرنسيون طرحه مصرفي بريطاني مخضرم كان حاضرًا ومفاده: «ماذا لو فازت بالرئاسة الفرنسية رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان الداعية إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي؟!».



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).