تحت غطاء الديمقراطية... صالون جنيف للساعات الفاخرة يفتح أبوابه لأول مرة للعامة

ساعات تتعدى المليون دولار والمسؤولون يتساءلون: عن أي أزمة تتكلمون؟

لقطة لدى دخول الضيوف صالون جنيف - تحفة موجهة للمقتنين  من «فان كليف أند أربلز» لم تفصح  الدار عن سعرها... لكن التوقع أنها تفوق المليون - «آي.دبليو.سي» تشهد تغييرات كثيرة أقلها استبدال رئيسها السابق جورج كيرن... لكنها لم تفت قديمها تمامًا وعادت إلى طرازها «دافنشي» لتجسد مفهوم الرسام الإيطالي للجمال في ساعات أنيقة ومعقدة جدًا في الوقت ذاته - احتفلت دار «بياجيه» بـ60 عامًا من الساعات النحيفة بمجموعة محدودة من طرازها «ألتيبلانو» تميزت بألوان متوهجة مثل الأزرق والأخضر
لقطة لدى دخول الضيوف صالون جنيف - تحفة موجهة للمقتنين من «فان كليف أند أربلز» لم تفصح الدار عن سعرها... لكن التوقع أنها تفوق المليون - «آي.دبليو.سي» تشهد تغييرات كثيرة أقلها استبدال رئيسها السابق جورج كيرن... لكنها لم تفت قديمها تمامًا وعادت إلى طرازها «دافنشي» لتجسد مفهوم الرسام الإيطالي للجمال في ساعات أنيقة ومعقدة جدًا في الوقت ذاته - احتفلت دار «بياجيه» بـ60 عامًا من الساعات النحيفة بمجموعة محدودة من طرازها «ألتيبلانو» تميزت بألوان متوهجة مثل الأزرق والأخضر
TT

تحت غطاء الديمقراطية... صالون جنيف للساعات الفاخرة يفتح أبوابه لأول مرة للعامة

لقطة لدى دخول الضيوف صالون جنيف - تحفة موجهة للمقتنين  من «فان كليف أند أربلز» لم تفصح  الدار عن سعرها... لكن التوقع أنها تفوق المليون - «آي.دبليو.سي» تشهد تغييرات كثيرة أقلها استبدال رئيسها السابق جورج كيرن... لكنها لم تفت قديمها تمامًا وعادت إلى طرازها «دافنشي» لتجسد مفهوم الرسام الإيطالي للجمال في ساعات أنيقة ومعقدة جدًا في الوقت ذاته - احتفلت دار «بياجيه» بـ60 عامًا من الساعات النحيفة بمجموعة محدودة من طرازها «ألتيبلانو» تميزت بألوان متوهجة مثل الأزرق والأخضر
لقطة لدى دخول الضيوف صالون جنيف - تحفة موجهة للمقتنين من «فان كليف أند أربلز» لم تفصح الدار عن سعرها... لكن التوقع أنها تفوق المليون - «آي.دبليو.سي» تشهد تغييرات كثيرة أقلها استبدال رئيسها السابق جورج كيرن... لكنها لم تفت قديمها تمامًا وعادت إلى طرازها «دافنشي» لتجسد مفهوم الرسام الإيطالي للجمال في ساعات أنيقة ومعقدة جدًا في الوقت ذاته - احتفلت دار «بياجيه» بـ60 عامًا من الساعات النحيفة بمجموعة محدودة من طرازها «ألتيبلانو» تميزت بألوان متوهجة مثل الأزرق والأخضر

المنافسة بين معرض بازل وصالون جنيف للساعات الفاخرة تطرح نفسها دائما رغم الفرق الشاسع بينهما. فالأول يعتمد على العدد؛ نظرا لمساحته الكبيرة التي تسمح له باستقبال صناع الساعات من كل حدب وصوب، بينما الآخر يعتمد على الكيف باحتضانه عددا كان إلى عهد قريب يقتصر على من ينضوون تحت جناحي مجموعة «ريتشموند» قبل أن يتوسع ليشمل أسماء جديدة تدخله لأول مرة، أو تعود إليه بعد أن هجرته لبضع سنوات اكتشفت فيها أن العُشب ليس أكثر اخضرارا في الجانب الآخر من السياج. من هؤلاء نذكر «جيرار بيريغو» و«يوليس ناردان». غني عن القول أن أحد أهم أسباب هذا التكاثر أن الصالون يسلط الضوء على ابتكاراتهم واختراعاتهم أكثر عوضا عن أن تضيع بين كم هائل من الإصدارات، تتباين بين الفاخر والمعقد، وبين الشعبي الذي يخضع لمعايير الموضة والذي تطرحه غالبا بيوت الأزياء المشاركة في معرض «بازل».
فصالون جنيف للساعات الفاخرة تضاعف هذا العام ليشهد مشاركة 30 اسما مقابل 16 منذ عامين فقط. الجناح الذي يطلق عليه اسم «كور كاريه» مثلا استحدث منذ عام فقط لكي يستقبل صناع ساعات مستقلين، يمكن وصفهم بالمخترعين، توسع ليشمل 13 مشاركا هذا العام. ليس هذا فحسب، بل فتح الصالون، ولأول مرة منذ 27 عاما، أبوابه للعامة في يومه الأخير بعد أن ظل مغلقا في وجوههم رافعا شعار الخصوصية. لكن على ما يبدو، فإن النخبوية لم تعد تُجدي؛ ما أدى إلى الاستغناء عن وجوه قديمة كانت تتبنى استراتيجيات، أصبحت بمفهوم اليوم، تقليدية. في المقابل «ترقت» أسماء لها وجهات نظر مغايرة تعرف كيف تقرأ نبض الشارع وتتكلم لغة جيل شاب يحاولون كسب وده بكل التقنيات والأساليب. والمقصود بهذه الاستراتيجيات ليس «إنستغرام» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى فحسب، بل أيضا إلغاء مجموعة «ريشمون» وظيفة رئيس تنفيذي بوصفها جزءا من عملية ترتيب أوراقها لمواجهة تراجع المبيعات والأرباح في السنوات الأخيرة. فقد تقاعد البعض كما انسحب البعض الآخر، من أمثال ريتشارد لوبو البالغ من العمر 64 عاما، والمدير المالي غاري ساج (56 عاما) وغيرهما. في المقابل أنيطت بجورج كيرن، الرئيس التنفيذي لدار «آي. دبلو.سي شافهاوزن» سابقا مهمة رئيس قسم صناعة الساعات والديجيتال، فيما تمت ترقية جيروم لامبرت، من رئيس تنفيذي في دار مونبلان إلى رئيس لقسم العمليات في المجموعة.
هذه التغييرات شملت أيضا طريقة تعامل الشركات العارضة مع زبائنها ووكلائها، فهي الآن أكثر إقبالا على افتتاح محال مستقلة تريدها أن تُعبر عن شخصيتها وتاريخها؛ عوضا عن الانضواء تحت سقف محل كبير، كما جرت العادة سابقا. التبرير الذي قدمته أنها مضطرة إلى ذلك حتى تستطيع مواكبة تسارع إيقاع سوق الترف، التي تغيرت عما كانت عليه منذ عشر سنوات. فزبون اليوم يريد خدمة خاصة مفصلة على مقاسه، وحسب أسلوب حياته. وبما أن الزبون دائما على حق، فإن طلباته أوامر لا بد من الانصياع لها، لكن قبل ذلك يجب التعرف إليه وربط علاقة مباشرة معه. صحيح أن معارض مثل صالون جنيف للساعات الفاخرة، تُتيح مقابلة الوكلاء والزبائن وجها لوجه، إلا أنها وقتية، على العكس من توفير محال مستقلة بعناوين قارة تُعرف هذا الزبون بجديدها وتعقيدات إصداراتها، وما تتضمنه كل ساعة في جوهرها من وظائف على مدى السنة. هذا عدا عن التعريف بتاريخ الدار؛ الأمر الذي يرسخ مفهوم العراقة في ذهنه، ولا سيما أن بعضهم لا يعرف أن تاريخ بعضها يمتد إلى أكثر من قرنين من الزمن. بيد أنهم غير متسرعين هذه العملية بالذات، بل يريدون طبخها على نار هادئة وبالدقة نفسها التي يصنعون بها حركات ساعاتهم. فهم يدركون أن المحال المستقلة، مهما كانت فخامة ديكوراتها، لا تُعوض عن تفرد منتجاتها. ويبدو أن التفرد كان هذا العام عنوانا قويا بالنسبة لأغلبية البيوت المشاركة، إن لم نقل كلها. فهو أنجع مضاد للتغلب على معاناة تفرضها عليهم الأوضاع الاقتصادية والتغيرات السياسية منذ عام 2014.
والطريف أنه رغم أن فيدرالية صناعة الساعات السويسرية كانت صريحة وأعلنت انخفاضا بنسبة 10.3 في المائة ما بين 2014 و2016، فإن الكثير من الشركات نفت، على لسان رؤسائها، الأمر وكأنها تنأى بنفسها عن هذه التهمة، مؤكدين أن مبيعاتهم لم تتراجع، وأن الإقبال في سوق الشرق الأوسط تحديدا معافى.
من هؤلاء نذكر فرنسوا - هنري بينامياس، الرئيس التنفيذي لدار «أوديمار بيغيه» الذي أشار إلى أن 2016 كان عاما مميزا بالنسبة للدار حققت فيه ارتفاعا ملموسا في أرباحها، كذلك جون مارك بونترو الرئيس التنفيذي لدار «روجيه ديبويه» ودار «إتش موزر أند سي» وغيرهم، وهو ما يوقعك في حيرة.
فالنتائج الأخيرة للمنتجات المترفة عموما، والساعات تحديدا، تشير إلى تراجع أرباحها، بينما هذه التصريحات تؤكد العكس؛ ما يشعرك كما لو أن هذا العالم يعاني الازدواجية الأقرب إلى الانفصام في الشخصية، ثم تطلع على الإصدارات والابتكارات التي يطرحونها فينتابك نوع من الاطمئنان على الزبون. فسواء صدقت الإحصاءات أم لا، فإن كل هذه الشركات ترجمت هذا الانفصام من خلال ابتكارات أقرب إلى الاختراعات أو التحف الفنية، تشد الأنفاس وكلما تعالت دقات عقاربها تسارعت نبضات القلب. فقد وظفوا كل ما يتمتعون به من حرفية وتقنيات عالية، وكل ما من شأنه أن يزيد من عنصر الإثارة. فعالم الساعات لا يمكن أن يعتمد فقط على الحسابات والدقة، ولا بد له من بهارات تضفي عليه الجاذبية والحركة، حسب ما أكده جون مارك بونترو الرئيس التنفيذي لدار «روجيه ديبويه»، مشيرا إلى أن التسويق أصبح بدوره يحتاج إلى ابتكار «وخلق نوع من الإثارة لجذب الأنظار أولا، ثم التعريف بتاريخ الدار وقدراتها ثانيا، خصوصا بالنسبة لمن لم يسمعوا باسم الشركة من قبل». بالنسبة لبونترو، فإن جودة أي منتج وكل الجهود والحرفية، لا تعني شيئا إذا لم يعرف بها الزبون ولم تمس وترا حساسا بداخله. «من الضروري أن نبتكر أساليب جديدة، أو بالأحرى تجارب ممتعة يعيشها الزبون، مثل تلك التي تخلقها دار «شانيل» مثلا في عروض أزيائها» حسب تعليقه. وحتى تشعل الاهتمام بمنتجاتها، ربطت الدار ثلاث شراكات هذا العام مع شركات سيارات فارهة، أولها مع «بيريللي»، علما بأن التعاون لن يقتصر على حصول الزبون على ساعة متطورة جدا من ناحية خاماتها وتعقيداتها فحسب، بل أيضا على فرص لحضور سباقات وفعاليات مهمة لها علاقة بعالم السيارات. من أهم ما أصدرته طرازان متطوّران من «أكسكاليبور بيريلّي» فيما تقول الشركة إنه بتقنيات ومواد غير مسبوقة.
«روجيه ديبويه» ليست الوحيدة التي استوحت أو تعاونت مع شركات سيارات، فـ«مونبلان» أيضا استوحت مجموعتها «تايم وولكر» من هذا العالم، فيما تعاونت «بوم أند ميرسييه» مع سيارات شيلبي كوبرا، عدا عن ريتشارد ميل التي قدمت تحفة لا تقدر بثمن. فبفضل التعاون بين جامعة مانشستر ومكلارين للتقنيات التطبيقية وشركة نورث ثين بلاي تكنولوجي، نجحت ريتشارد ميل في إنتاج ھيكل ساعة (القفص الحاضن الذي تم تعزيز خصائصه الفيزيائية للكربون بشكلٍ كبير من خلال، TPT™ وهي تركيبة محسّنة من كربون تقديم الغرافين، ومادة متناهية الصغر (نانوية) أخف وزنًا من الفولاذ بست مرات وأقوى منه بمائتي مرة.
- من الشركات التي عادت إلى صالون جنيف بعد أن هجرته إلى بازل «جيرار بيريغو»، التي غابت ثلاث سنوات. أما «يوليس ناردان» فكانت دائما تعرض في بازل قبل أن تختار النزوح إلى جنيف هذه المرة؛ أملا في استقطاب زبائن جدد، أو من نوعية مختلفة.
في أول مشاركة لها، ركزت «يوليس ناردان» على الساعات الرياضية المائية، خصوصا تلك التي ترتبط بدعمها لفريق سباق أرتيمس المشارك في سباق كأس أميركا للقوارب الشراعية، مستعرضا في الوقت ذاته قدرات الدار من خلال ساعة «إينوفيجن2» التي تتضمن 10 ابتكارات تقنية. وبهذا تلتحق بـ«بانيراي» التي تتخصص في هذا المجال منذ بدايتها، فضلا عن ارتباطها بكأس أميركا، أقدم رياضة عالمية في العهد المعاصر. فقد أعادت ترجمة إصدارها الأيقوني «لومينور» بإدخال خامات وتفاصيل تجلت في الألوان، تحتفل بهذه المناسبة، أو بالأحرى السباق.
- الكثير من الشركات رفعت شعار «من فات قديمه تاه»، بحيث أعادوا صياغته وإضافة تعقيدات أو ترصيعات جديدة عليه، أكبر دليل كان «كارتييه» التي تتحفنا دائما بكم هائل من الإبداعات المثيرة. ورغم أن الأمر لم يختلف هذا العام، حيث قدمت إصدارات قديمة جديدة، مثل «درايف دو كارتييه» التي اكتسبت رشاقة أكبر ووجها مسطحا للرجل، و«بانثير دو كارتييه» للمرأة، فيما يمكن اعتباره محاكاة للطبيعة وظفت فيها الدار كل إمكانياتها الفنية وما تتوفر عليه من أحجار ثمينة لكي ترضي المرأة على وجه الخصوص. «بياجيه» أيضا أبدعت للمرأة عدة ساعات مجوهرة تغني عن أي قطعة مجوهرات أخرى.
- لم تقتصر «دمقرطة» الصالون على فتح أبوابه للعامة، وشملت أسعار بعض الإصدارات. «مونبلان» مثلا بدأت تخاطب الطبقات المتوسطة منذ العام الماضي، لكن تبقى «بوم أند ميرسييه» الأكثر مخاطبة لذوق القدرات المتوسطة في المعرض. فقد أصدرت سبع ساعات جديدة من طراز «كلاسيما»، تبدأ أسعارها من 990 دولارا. لكن الشركة تعرف جيدا أن عملية الجذب لا تعتمد على الأسعار فقط، وبأنه لا بد من الاهتمام بالجوهر أيضا لأن عشاق الترف يريدون حاليا تصاميم مبتكرة بأسعار معقولة، لكن دائما بتعقيدات ووظائف مهمة.
- إلى جانب «كارتييه» و«بياجيه» و«فاشرون كونستانتين» الذين دللوا المرأة وقدموا لها تصاميم يمكن أن تورثها لأجيال مقبلة؛ نظرا لجمالها وقيمتها، دخلت «فان كليف أند أربلز» المنافسة بكل فنيتها، وقدمت تحفة لا تقدر بثمن، أطلقت عليها «ذي في أوندين» The Fée Ondine، استغرق صنعها ثماني سنوات، وكانت نتاج تعاون بين 20 ورشة مختلفة في فرنسا وسويسرا. تأخذ التحفة شكلا مستديرا تتوسطه زنبقة ثلاثية الأبعاد تسترخي فوقها حورية، ما إن يتم تحريك مفتاح لتشغيلها حتى تتفتح الزنبقة وتستيقظ الحورية من سباتها مرفرفة جناحيها على وقع نغمات موسيقية. غني عن القول أن ما يتفتح هنا أساسا مجموعة من الأحجار الكريمة المتنوعة مثل الماس والسافير والياقوت والزمرد وغيرها.



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.