زيارة ميركل لبولندا... «زفاف عقلاني» في مواجهة الخطر الروسي

تحاول إعادة التوازن إلى الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا

زيارة ميركل لبولندا... «زفاف عقلاني» في مواجهة الخطر الروسي
TT

زيارة ميركل لبولندا... «زفاف عقلاني» في مواجهة الخطر الروسي

زيارة ميركل لبولندا... «زفاف عقلاني» في مواجهة الخطر الروسي

بدأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيارتها الثالثة خلال أسبوع لبولندا، ووصفت صحيفة «فيبروست» البولندية الانفراج الجديد في العلاقات الألمانية - البولندية بأنه «زفاف عقلاني»، خصوصًا مع ازدياد النفوذ الروسي في المنطقة.
بدأ «الزفاف العقلاني» في ألمانيا في مقابلة أجرتها صحيفة «فرانكفورتر الجيماينة تسايتونغ»، الواسعة الانتشار، مع رجل بولندا القوي ياروسلاف كاتشينسكي زعيم حزب القانون والعدالة، الذي يحكم في وارسو. وواقع الحال أن ميركل ستلتقي برئيسة الوزراء البولندية بياته شيدو، وبرئيس الجمهورية أندريه دودا، لكن الجميع يعرف أن اللقاء الحاسم في بولندا سيكون مع كاتشينسكي.
يسمي خصوم حزب «القانون والعدالة» بياته شيدو بأنها «فتاة كاتشينسكي»، ويقول بعض المعارضين إنها ليست أكثر من «كاتشينسكي بتنورة». ولا يختلف لقب دودا في بولندا، من وجهة نظر الخصوم، عن ألقاب شيدو، غير أنهم اقتبسوا له مسرحية برتولد بريخت الشهيرة «السيد كاتشينسكي وتابعه دودا».
مرت العلاقات البولندية - الألمانية في أسوأ مراحلها بعد الحرب العالمية الثانية بسبب مد أنابيب الغاز تحت البحر بين روسيا وألمانيا (اتفاقية نورث ستريم). وجرى ذلك عندما بلغت العلاقات الروسية -الألمانية ذروتها في آخر أيام حكم المستشار الاشتراكي السابق غيرهارد شرودر. في تلك الفترة قارنت الصحافة البولندية اتفاقية «نورث ستريم» باتفاقية هتلر - ستالين، التي راحت بولندا ضحيتها، قبل بدء الحرب العالمية الثانية.
فاجأ كاتشينسكي الألمان في مقابلته حينما قال إن «ميركل هي الأفضل لنا»، وهاجم منافسها الاشتراكي مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي السابق، واصفًا إياه بأنه متملق للرئيس الروسي بوتين، وقال إنه يتبع سياسة معادية لبولندا. ومعروف أن شولتز، وكان حينها رئيس البرلمان الأوروبي، وصف سياسة تحجيم الصحافية ودولة القانون في بولندا بأنها «بوتينزم» (نسبة إلى الرئيس الروسي بوتين).
وأضاف كاتشينسكي أن ميركل الأفضل لأوروبا أيضًا، وامتدح موقفها بالضد من سياسة بوتين الأوكرانية، ولأنها سترسل الجنود الألمان لحماية خاصرة أوروبا الشرقية. وكان في السابق اتفق مع دونالد ترمب الذي اعتبر انفراد ميركل بقيادة أوروبا «شيئًا غير صحي». ولا ينتظر أن تركز ميركل في جولتها البولندية على محاولة كسب بولندا من جديد باتجاه استقبال المزيد من اللاجئين، لأنها فشلت في مساعيها هذه قبل أقل من سنة. لكنها، بعد مرور أكثر من سنة، على سياسة «الترحيب باللاجئين»، عملت في الواقع على تحجيم هذه السياسة من خلال عدد من القوانين والإجراءات المعاكسة. وهذا بعث بعض الاطمئنان في أطراف السياسة البولندية الرسمية لحزب القانون والعدالة، وقرّب مواقف الطرفين.
وإذا كانت ألمانيا سترضى باستقبال حد أعلى من اللاجئين (200 ألف سنويًا أو أكثر قليلاً)، فإن كاتشينسكي يعرف أن ألمانيا قادرة بمفردها على استيعاب هذا العدد دون الحاجة إلى خدمات بولندا. وتحدث كاتشينسكي في المقابلة المذكورة في اتجاه ميركل السياسي تجاه اللاجئين، وقال إنه يرفض استقبال اللاجئين، لكنه إلى جانب مساعدتهم في بلدانهم.
وطبيعي سيكون «الزفاف العقلاني»، بعد سنوات من الجفاء، تعبيرًا عن سياسة ميركل الألمانية التي تحاول إعادة التوازن إلى لاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا. ويمكن لبولندا أن تلعب دورًا حاسمًا في أوروبا الشرقية بالنظر لانتعاشها الاقتصادي الحالي. ثم أن كاتشينسكي، وهنا اختلافه عن المجري فيكتور أوربان، لم يدع يومًا إلى الخروج من أوروبا. وتحاول ميركل استغلال هذه النقطة لمفاتحة كاتشينسكي باقتراح يدغدغ مشاعره القومية، لكنه يثير مشاعره الشخصية أكثر من غيره. فالمستشارة الألمانية تؤيد منح البولندي دونالد تاسك فرصة قيادة مجلس الاتحاد الأوروبي، لكن كاتشينسكي يرى في تاسك أحد المسؤولين عن كارثة الطائرة في سمولينك التي أودت بحياة شقيقه التوأم. وربما ستكون هذه النقطة أصعب ما ستطرحه ميركل على الزعيم البولندي الشعبوي في لقائهما.
ولا يبدو أن هناك أسهل على ألمانيا وبولندا من الاتفاق عليها أكثر من إدانة سياسة بوتين، لأن كاتشينسكي ينظر بقلق إلى سياسة فلاديمير بوتين على الحدود الشرقية لأوروبا. والمعتقد أن ميركل ستحاول تليين الموقف البولندي في بعض النقاط، مقابل اعتماد موقف في الاتحاد الأوروبي يؤيد فرض المزيد من العقوبات على روسيا بسبب سياستها الدولية في القرم وسوريا.
وواقع الحال أن هناك الكثير مما يجمع كاتشينسكي مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، خصوصًا موقفه من اللاجئين والمهاجرين، إلا أن الأول لا يبدو مطمئنًا إلى تصريحات الملياردير المحافظ الذي شكك بجدوى استمرار حلف «الناتو»، ولا إلى تصريحاته التي يبدي فيها إعجابه بالرئيس الروسي.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.