أبو عياض التونسي... أخطر داعشي في شمال أفريقيا يتحول إلى لغز

التنظيم روَّج لمقتله عدة مرات... نشأ على مبادئ الإخوان وقاتل لسنوات في أفغانستان

أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)
أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)
TT

أبو عياض التونسي... أخطر داعشي في شمال أفريقيا يتحول إلى لغز

أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)
أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)

تحوَّل أحد أخطر دواعش شمال أفريقيا، ويدعى أبو عياض التونسي (51 عامًا)، إلى لغز. وروجت مصادر التنظيم المتطرف، أكثر من مرة، خلال العامين الأخيرين، أنباء عن اعتقاله ومقتله، إلا أن آخر المعلومات التي استقتها «الشرق الأوسط» من مصادر استخباراتية وأخرى على صلة بالجماعات المتشددة، في العاصمة الليبية، تتحدث عن فرار أبو عياض، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من مدينة سرت، الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، إلى الجزائر.
واعتقلت قوات «البنيان المرصوص» التي كانت تحارب تنظيم داعش في مدينة سرت، العشرات من العناصر المنتمية للتنظيم من بينهم خمسة، على الأقل، من القادة، كشفوا في التحقيقات عن أن الكثير من أسماء الكوادر الداعشية، من الليبيين والعرب والأجانب، ممن أعلن التنظيم عن مقتلهم في معارك سرت، ما زالوا على قيد الحياة، وأن معظمهم فرَّ إلى مناطق تقع حول طرابلس أو إلى دول الجوار مثل تونس ومصر والجزائر وبلدان أفريقية أخرى.
كما قامت قوات حكومية، ضعيفة الإمكانيات، وميليشيات منافسة في العاصمة الليبية، بسلسلة مطاردات لدواعش لجأوا إلى طرابلس بعد هزيمة التنظيم في سرت، وتمكنت من احتجاز عدد من هؤلاء، وتبين من التحقيقات أن المعلومات التي أدلوا بها من شأنها أن تقلب الكثير من المعادلات الخاصة بالتنظيم في ليبيا، رأسًا على عقب، من بينها أن أبو عياض، الذي قيل في السابق إنه معتقل لدى الولايات المتحدة الأميركية، ثم قيل عدة مرات إنه قتل، ما زال على قيد الحياة، وإنه كان يدير الحرب في سرت مع التنظيم المتطرف، وفرَّ مع سقوط المدينة في أيدي قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة المجلس الرئاسي الليبي، إلى الجزائر عبر الحدود البرية.
ويقول مصدر في مخابرات طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «في أواخر الشهر الماضي، أدلى داعشي مصري، جرى اعتقاله في العاصمة، بمعلومات تفصيلية عن نشاط أبو عياض في سرت وقيادته للعمليات في ضاحية الجيزة بالمدينة الليبية، وقال إن أبو عياض نفسه كان يتابع الأخبار التي تتردد عن اعتقاله على يد المخابرات الأميركية، ويضحك. وأضاف أن الرجل التونسي الذي نشأ على مبادئ جماعة الإخوان المسلمين في تونس، وقاتل لسنوات في أفغانستان، كان إذا أراد أن يستريح قليلا يقول مداعبًا من معه: ذاهب إلى غوانتانامو.. سأنام قليلا وأعود».
ومن جانبه، أفاد محقق تابع لميليشيا تقوم بأعمال تحت لافتة «وزارة العدل» في طرابلس، إن قياديا داعشيًا من سرت (من دولة عربية ورفض المصدر الإفصاح عن اسم الدولة) تعرف على صورة أبو عياض التونسي عند تقديمها له، وبسؤاله عن مصير هذا الرجل، وعن المزاعم التي تقول إنه قتل في غارة أميركية على الجنوب الليبي، أو في معارك مع قوات الجيش الليبي في بنغازي، أجاب قائلاً إن هذا غير صحيح، وإن أبو عياض ما زال على قيد الحياة، وإنه انتقل إلى الجزائر قبل شهر، بناء على تعليمات من مكتب زعيم التنظيم في العراق والشام، أبو بكر البغدادي.
والاسم الحقيقي لأبو عياض التونسي هو سيف الله بن حسين. وهو من مواليد تونس عام 1965، ومتزوج من امرأة مغربية، ولديه ثلاثة أبناء. وبدأ حياته الدراسية وهو من المعجبين بفكر زعيم الإخوان التاريخي، حسن البنا، مما عرضه لملاحقات من الأمن التونسي، والحكم عليه بالسجن، لكن أبو عياض ومثله مثل كثير من الشبان العرب في تلك الفترة، سافر لقتال القوات الروسية في أفغانستان، واشترك في معسكرات تدريب في باكستان. وظل هناك حتى عام 2001، حيث أخذ يتنقل بين عدة بلدان هربًا من الملاحقات الدولية.
وفي عام 2003 ألقي القبض عليه في تركيا أثناء سفره عبر منطقة الشرق الأوسط، وجرى تسليمه إلى تونس التي حكمت عليه بالسجن لمدة أربعين عامًا، وخرج من محبسه مثل غالبية المحكومين المشابهين له في دول ما يعرف بـ«الربيع العربي» في 2011. وقام بتأسيس تنظيم أنصار الشريعة في تونس. ويعد تنظيم أنصار الشريعة تنظيمًا إرهابيًا وفقًا للأمم المتحدة.
ومنذ عام 2013 ابتعد أبو عياض عن الأنظار، حيث يعتقد أنه لجأ منذ ذلك الوقت للإقامة لدى فروع التنظيم في مدن ليبية منها درنة وبنغازي وسرت، خصوصًا بعد أن جرى اتهام تنظيمه في تونس بالوقوف وراء سلسلة تفجيرات في جبل الشعانبي التونسي، ومقتل المعارض اليساري التونسي شكري بلعيد. وظهرت في تلك السنة أقاويل عن قيام المخابرات الأميركية بعملية اختطاف لأبو عياض من مدينة مصراتة الليبية، إلا أن الأميركيين نفوا ذلك في حينه.
وكان تيار «أنصار الشريعة» مواليًا لتنظيم القاعدة، إلا أن غالبية التيار وفروعه في عدة دول في شمال أفريقيا، بايع أبو بكر البغدادي منذ 2014. وظل كثير من المراقبين يعتقدون بمقتل أبو عياض في ضاحية قنفودة التي كانت تقاوم تقدم الجيش في مدينة بنغازي في عام 2015. ومع تقدم الجيش الليبي، قبل أسبوعين، وتمكنه أخيرًا من طرد المتطرفين من قنفودة، بثت مواقع إلكترونية محسوبة على تنظيم الشريعة الموالي لـ«داعش»، أنباء جديدة عن اعتقال أبو عياض على يد الجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، كما بثت أنباء أخرى عن مقتله.
ووفقًا للمصادر الأمنية يعد أبو عياض من القيادات الخطيرة في شمال أفريقيا، ويقول مصدر في مخابرات طرابلس: «لا يقل في أهميته وتأثيره عن زعيم تنظيم (المرابطين) التابع لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، المدعو مختار بلمختار، وهو جزائري الجنسية ويلقب بالأعور». ويضيف المصدر نفسه أن المعلومات تشير إلى أن مجموعتي الرجلين، أبو عياض وبلمختار، وهما منتشرتان في كل من ليبيا والجزائر وتونس، تتعاونان مع بعضهما بعضًا، رغم أن بلمختار لم يعلن صراحة عن مبايعته لتنظيم داعش حتى الآن، مشيرًا إلى أن أبو عياض أثنى عدة مرات على العمليات الإرهابية التي قامت بها مجموعة بلمختار في جنوب الجزائر وفي شمال مالي، ومن بينها تفجيرات واختطاف رهائن.
وفيما بعد اتضح من تحقيقات مع داعشيين فروا من سرت وجرى توقيفهم في طرابلس، أن أبو عياض فر من سرت مع عدد من القيادات الداعشية التي سبق إعلان التنظيم عن مقتلهم على يد قوات البنيان المرصوص، في المدينة، وتمكنوا من عبور الحدود إلى الجزائر، ومن بين من كانوا مع أبو عياض، وفقًا لمصادر التحقيقات، أبو عبد الله، صومالي الجنسية، والعسلي، يعتقد أنه مصري الجنسية، وآخرين من تونس والجزائر ودول أفريقية أخرى. وآخر مرة شوهد فيه هؤلاء مع بعضهم بعضًا، كانت في اجتماع عقد في منزل، في سبتمبر (أيلول) الماضي، في منطقة سوكنة الصحراوية التي تبعد عن الحدود الليبية مع الجزائر نحو 150 كيلومترا. وجرى استهداف الاجتماع بغارة نفذتها طائرات تابعة لحكومة الوفاق، أقلعت من قاعدة مصراتة العسكرية. وخرجت شائعات جديدة عن مقتل أبو عياض، إلا أنه ظهر فيما بعد أن الغارة لم تصب الهدف، وأن الذي قتل فيها أربعة نساء كن بالمنطقة وإصابة العشرات بجروح.
ويبدو أن تحقيقات كثير من أجهزة الأمن المعنية بقضايا المتشددين في شمال أفريقية تسير ببطء مقارنة بالسرعة التي تتسم بها تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة». وما زالت عملية استجواب تخص غارة غربية جرى تنفيذها على تجمع لقيادات متطرفة في جنوب ليبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مستمرة حتى الآن، حيث لم يظهر بعد ما يؤكد من قُتل في تلك الغارة ومن لم يقتل. واستهدفت تلك الغارة ثلاثة منازل بمنطقة قرضة الشاطئ في مدينة سبها.
وتقول معلومات جديدة حول هذه الواقعة إن الاجتماع كان يضم قيادات متشددة من بينهم أبو عياض، وبلمختار، وعبد المنعم الحسناوي (يكنى بأبي طلحة)، وثلاثة آخرين هم مصريان ومغربي. وعلى عكس ما كان يعتقد في ذلك الوقت من مقتل أبوعياض، يوضح مصدر في مخابرات طرابلس أن أبو عياض وبلمختار وأبو طلحة لم يصابوا بأذى في تلك الغارة، وأن القتلى هم المصريان والمغربي فقط. لكن الشكوك حول عدد القتلى ما زالت قائمة، لأن المجموعة المتطرفة قامت بإخلاء الجثث من موقع الانفجار على الفور.
ويضيف المصدر نفسه أنه رغم أن الاجتماع كان يضم عددًا من أخطر قيادات المتطرفين في شمال أفريقيا، فإن الهدف لم يكن في ذلك اليوم التخطيط لعمل إرهابي، ولكنه، كما اتضح لاحقًا، كان لتمرير صفقة مخدرات ضخمة لحاجة المجموعات المتطرفة إلى الأموال، وذلك بعد التشديدات التي باتت تفرضها السلطات الأمنية في المنطقة على نشاط تهريب النفط والآثار الذي كان يعد من مصادر الدخل الرئيسية للمتطرفين. ويُعتقد، وفقًا لأحدث المعلومات، أن رصد اجتماع المتطرفين في منطقة قرضة الشاطئ جرى بالتعاون بين أجهزة استخبارات جزائرية وفرنسية وأميركية، وأن أهالي المنطقة كان لهم الدور الأكبر في الإبلاغ عن تحركات هذه القيادات منذ دخولها للمنطقة آنذاك.
ومما رسخ من الاعتقاد بمقتله في الغارة الغربية، في نوفمبر الماضي، قيام عناصر من أنصار تنظيم الشريعة في ليبيا، باتهام قائد ميليشيا منافسة يدعى (ص.ف)، بالضلوع في تقديم معلومات لجهات أجنبية أدت إلى مصرع أبو عياض. وعليه بادر القائد الميليشياوي، ببث معلومات مضادة عن أن أبو عياض معتقل منذ عام 2013 لدى الأميركيين، في عملية اختطاف جرت في مطار مصراتة. ودحض هذه المزاعم ظهور شريط فيديو عن أبو عياض في سبتمبر 2014 وهو جالس بجوار جثة زعيم تنظيم أنصار الشريعة في بنغازي، محمد الزهاوي، الذي قتل وقتها في معارك في الجيش.
وفي مطلع الشهر الماضي عاد اسم أبو عياض ليتردد بقوة بعد أن زعمت قيادات في الجيش الذي يقوده حفتر، حصولها على معلومات من دواعش جرى القبض عليهم في بنغازي، من بينهم رجل يلقب بـ«الطوير»، كان من قيادات أنصار الشريعة في درنة. وتعاملت أجهزة أمنية مختصة بملاحقة المتطرفين في المنطقة مع اعترافات «الطوير» على قيادات «داعش» في بنغازي، بمن فيهم أبو عياض، بشكل جدي، إلا أن مصادر على صلة بالجماعات المتشددة في ليبيا قللت من أهمية المعلومات التي قدمها «الطوير»، وقالت إن أبو عياض لم يكن له دور كبير في حرب بنغازي، وإن جُل اهتمامه كان منصبًا على معارك «داعش» في سرت، قبل أن يفر إلى الجزائر.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».