وثائق «سي آي إيه» إيران والجيران بعد ثورة الخميني (3): «سي آي إيه» تجرعت سمًا مع الخميني

إعلانه انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية أربك حساباتها

خريطة ووثيقة انسحاب القوات العراقية من مناطق حدودية إيرانية كما نشرتها «سي آي إيه»
خريطة ووثيقة انسحاب القوات العراقية من مناطق حدودية إيرانية كما نشرتها «سي آي إيه»
TT

وثائق «سي آي إيه» إيران والجيران بعد ثورة الخميني (3): «سي آي إيه» تجرعت سمًا مع الخميني

خريطة ووثيقة انسحاب القوات العراقية من مناطق حدودية إيرانية كما نشرتها «سي آي إيه»
خريطة ووثيقة انسحاب القوات العراقية من مناطق حدودية إيرانية كما نشرتها «سي آي إيه»

يوجد في أرشيف الاستخبارات الأميركية ملف خاص بالتقارير المتعلقة بالحرب العراقية - الإيرانية يطلق عليه مجازا، ملف تجرع السم. ويغطي هذا الملف وقائع حرب السنوات الثماني منذ مقدمات ما قبل اندلاعها في سبتمبر (أيلول) 1980، حتى صيف عام 1988 عندما فوجئ محللو الاستخبارات الأميركية في أحد أيام يوليو (تموز) الماضي بنبأ وقع على المتفرغين للشأن الإيراني باستثناء قلة قليلة منهم، وقع الصاعقة. وهو إعلان قائد الثورة الإيرانية، المرشد الإيراني آية الله الخميني، موافقة غير متوقعة على وقف الحرب مع العراق من دون شروط. ولم يجد الخميني ما يصف به مشاعره وهو يعلن الموافقة، سوى القول بأنه يتخذ قرارا لا يرغب فيه كمن يتجرع السم. وما لم يعلمه الخميني في ذلك الحين، هو أنه لم يكن الوحيد الذي يتجرع سم قراره؛ إذ إن هناك في المقر الرئيسي للوكالة التي نادرا ما تخونها توقعاتها، مجموعة من المحللين الأميركيين، يتجرعون السم ذاته الذي يتجرعه الخميني بسبب قراره المضطر إليه، ولكن لسبب آخر مختلف تماما غير السبب الذي يقاسي منه قائد الثورة.
لقد توقع هؤلاء المحللون في تقارير مكتوبة، أن طهران وقائد ثورتها لن يقبلا بأي حال من الأحول وقف إطلاق النار مع العراق والجلوس إلى طاولة المفاوضات، فكان هذا القرار المفاجئ مخيبا لآمالهم. وقد يتبادر إلى الذهن أن هؤلاء كانوا يريدون استمرار الحرب لما في ذلك من خدمة لاستراتيجية ما. ولكن على الأرجح أن الأمر لا يعنيهم من حيث المصالح الاستراتيجية، بقدر ما يهمهم من حيث الأمان الوظيفي؛ لأن التحليلات التي قدموها كانت تجزم بتوقعات وقع عكسها تماما، وهو ما أشعرهم بالإحراج. في المقابل، كانت هناك مجموعة أخرى من المحللين كان يطلق عليهم مجموعة الأقلية. كانت توقعات هؤلاء مختلفة عن توقعات مجموعة الأغلبية، حيث توصلوا في منتصف عام 1988 إلى أن نظام الحكم في طهران سيقبل بوقف الحرب خلال شهور وربما أسابيع قليلة. وبعد أن كاد اليأس يحل على مجموعة الأقلية من حدوث ما توقعوه، إذ بقرار الخميني ينزل عليهم فجأة بردا وسلاما، بل وشرابا لذيذا خاليا تماما من أي قطرة من السموم.
كانت الوكالة في ذلك الحين تؤثر عليها الآراء الغالبة وتهمل القناعات التي يتبناها عدد أقل من المحللين؛ ولذلك فقد أدرك كبار مسؤوليها بمجرد أن بدأت عبارة «تجرع السم» تنتشر في غرف وصالات العصف الذهني، أن المعنيين بصنع القرار، لم يرسل إليهم سوى التحليلات التي خابت توقعاتها، فما كان من مدير قسم الشرق الأدنى التي تقع إيران ضمن اختصاصه، إلا أن دعا إلى اجتماع شامل جمع فيه المحللون من الأطياف كافة، وطرح للنقاش موضوع الرأي غير السائد، وهل يجب أن يهمل أم يتم إبلاغ صانع القرار به. وبعد أن استمع الجميع مجددا لحيثيات الأقلية عن الأسباب التي جعلتهم يدركون أن الخميني سيقبل بوقف الحرب، قرر المسؤولون وضع دراسة شاملة ومراجعة للتقارير المتعلقة كافة بإيران، التي تم تقديمها لصناع القرار منذ بداية «عام تجرع السم» حتى آخر شهور الصيف فيه، بغرض تقييمها. وخرج التقييم بدراسة وافية عن مكامن الخلل وأخطاء التقدير في تلك الفترة. وفي حلقة الغد، سيتم استعراض تلك الدراسة التي توضح الكثير من جوانب العمل الاستخباراتي.
ومن بين الوثائق التي تم تناولها في العام ذاته، مع معلومات مثيرة عن الملا كريكار، زعيم تنظيم أنصار الإسلام، منذ أول زيارة تابعتها له المخابرات الأميركية إلى إيران عام 1988، وهذا سيكون من القضايا التي يمكن تسليط الضوء على الوثائق المتوافرة عنها.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.