العرب لا يعرفون ماذا يفعلون

غازي العريضي في كتابه «عولمة الفوضى»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

العرب لا يعرفون ماذا يفعلون

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

في كتابه الجديد «عولمة الفوضى» - الدار العربية للعلوم ناشرون - يجمع غازي العريضي، النائب والوزير اللبناني السابق، مقالاته الكثيرة التي كتبها على مدى عام كامل، وتطرق فيها إلى مختلف القضايا السياسية والفكرية، عربيا ودوليا، لكن ما ينتظم الكتاب عبر 404 صفحات، هو السؤال الجوهري: إلى أين، نحن العرب، ماضون؟ وماذا فاعلون في هذا العالم المضطرب، المتغير كل لحظة؟ العام الذي كتبت فيه معظم المقالات هو عام 2016، وهو العام الذي هز العالم، ومنه منطقتنا العربية. إنه، كما يعدد العريضي في مقدمته، عام الفشل السياسي، وتكريس الوجود الروسي في منطقتنا والعالم أيضا، وعام الحرب المفتوحة من الموصل إلى الرقة، وعام الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو، وعام الحضور الإيراني من اليمن وباب المندب إلى العراق وسوريا ولبنان، وعام الاستيطان السرطاني في فلسطين، وبكلمة واحدة، هو عام التفكك العربي الكامل، حتى فقد ذلك النشيد الشهير «بلاد العرب أوطاني» أي معنى له، فأين هي هذه البلاد؟ وأين هي هذه الأوطان؟ كما يتساءل العريضي بحرقة في أكثر من مكان من الكتاب.
ولكن لماذا العنوان «عولمة الفوضى»؟ وكيف تكون الفوضى «معولمة»؟ يقول المؤلف إن «الفوضى هي أخطر من الحروب. الحروب هي مظهر من مظاهر الفوضى. التفلت هو السائد. لا ضوابط لأي موقف أو حركة. ويجب أن نتوقع أي شيء دون مفاجآت». نعيش نحن إذن في عالم يسيطر عليه الفراغ الفكري على مستوى الأنظمة والقادة عموما وينحدر مستوى القيادة فيه. والفراغ يستوعب كل شيء من ترمب إلى غيره. هذا الفراغ، الذي ملأته الفوضى، سمح للرعب أن يخرج من حدوده لينتشر في شوارع باريس وبرلين، وسمح بحدوث الوحشية العصية على الوصف في سوريا، وأخرج أولئك الوحوش الهائجة من مقابر التاريخ، وتسبب بموجات المهاجرين والمهجرين التي لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وأدى إلى صعود المد الشعوبي الذي يكتسح أوروبا في أكثر بلدانها تنويرا في القرن العشرين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتعود جزيرة معزولة كما كانت «فأميركا لا تريد أوروبا قوية. تريد استخدامها ولا تتعاطى معها كحليف... وإسرائيل لا تريد أوروبا قوية... لا تريد دورا لها في منطقتنا. ولا تريدها قوة اقتصادية وفيها توجهات لفرض مقاطعة على منتجات المستوطنات. وكلما ضعفت أوروبا واجتاحتها موجات العنف والتطرف، والنازية الجديدة، والعرقية، والكراهية للمسلمين، ارتاحت إسرائيل لتقول لليهود هنا: تعالوا إلى بلدكم الأم!». إيران لا تريد ذلك أيضًا، فهي ستحاول جذب الأوروبيين ومعهم بريطانيا «بالمفرق». يعني ستتعاطى معهم كما بدأت بعد توقيع الاتفاق النووي معها، مع كل دولة على حدة تأخذ منا ما تقدر عليه، وتفتح لها أبوابا استثمارية في «إيران الجديدة». وربما الأخطر من ذلك كله، انتخاب رجل مثل دونالد ترمب على رأس أكبر دولة في العالم.
في المقال الذي خصصه لترمب، قبيل انتخابه، دعا العريضي إلى الاستعداد لهذا الاحتمال، وتهيئة أنفسنا لماذا قد يحصل. وقد حصل فعلا. فهذا الرجل يدرس الآن مع إدارته نقل سفارة بلاده إلى القدس، تطبيقا لبرنامجه الانتخابي، كما أعلن صراحة أنه مع بناء المستوطنات اليهودية، ومنع المسلمين من دخول أميركا - وقد فعل - . وكل هذا يحصل في دولة تعتبر نفسها «موئل الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان وحقوقه، وتشن حروبا في الخارج لتعميم هذه القيم، وتعتبرها المعيار الأساسي في العلاقات مع الدول الأخرى».
لكن يبقى، كما قلنا، السؤال الأهم: ماذا نحن فاعلون؟ العرب، على لسان المؤلف، لا يعرفون ماذا يريدون ليفعلوا شيئا. وفي الحقيقة، نحن، حسب المؤلف، «أمام (أعراب) وأمام عقليات وذهنيات وقناعات وحسابات وقضايا مختلفة. لا مواقف جامعة لديهم. ولا أوليات مبرمجة. ولكل منهم قضيته الكبيرة وقضاياه الفرعية والجزئية. وهذا بحد ذاته كاف ليبرر ترمب وغيره عدم اهتمامهم بالعرب ومصالحهم في المنطقة».
يشخص العريضي العلة الكبرى وراء هذا «التفكك العرب الكامل»، وهو الفراغ الفكري والسياسي. ولكنه ليس فراغا قدريا. إنه نتاجنا نحن، ويمكن تجنبه إذا شخصنا أسبابه، وواجهنا الوقائع عبر تحليل سليم. وقد تكون البداية، كما يعتقد، من مركز قرار أو مركز أبحاث أو حزب أو هيئة، أو حالة فكرية معينة. ومن هنا، فإن المؤلف، رغم واقعنا الكالح، المعكوس في كثير من فصول الكتاب، يبقينا على أمل، ولو أنه معلق بـ«إذا».



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.