وثائق {سي آي إيه} الحلقة (1) : إيران والجيران بعد ثورة الخميني

تقرير الاستخبارات الأميركية... عثرات تحليلية وقضايا لا تزال عالقة

المرشد الإيراني الأول الخميني خلال خطبة له في معقله بحسينية جماران في مارس 1982 (غيتي) - مظاهرات مؤيدة للخميني في يناير 1979 عقب وصوله إلى طهران من باريس (أ.ف.ب)
المرشد الإيراني الأول الخميني خلال خطبة له في معقله بحسينية جماران في مارس 1982 (غيتي) - مظاهرات مؤيدة للخميني في يناير 1979 عقب وصوله إلى طهران من باريس (أ.ف.ب)
TT

وثائق {سي آي إيه} الحلقة (1) : إيران والجيران بعد ثورة الخميني

المرشد الإيراني الأول الخميني خلال خطبة له في معقله بحسينية جماران في مارس 1982 (غيتي) - مظاهرات مؤيدة للخميني في يناير 1979 عقب وصوله إلى طهران من باريس (أ.ف.ب)
المرشد الإيراني الأول الخميني خلال خطبة له في معقله بحسينية جماران في مارس 1982 (غيتي) - مظاهرات مؤيدة للخميني في يناير 1979 عقب وصوله إلى طهران من باريس (أ.ف.ب)

انقسمت السلطة الحاكمة في إيران بشأن السياسة المتبعة إزاء الأقليات الشيعية بالخارج في أعقاب ثورة 1979. وبحسب التقارير، فقد أمر الخميني بتبني سياسة نشطة لمد يد العون لتلك الأقليات بتأسيس «حزب المضطهدين» ليضطلع بمسؤولية مد المعونات المالية الإيرانية والدعم السياسي للمنشقين الشيعة بالخارج.
في مثل هذه الأيام من شهر فبراير (شباط) من عام 1979، طوى أتباع المرجع الديني الإيراني آية الله الخميني صفحة نظام الشاه محمد رضا بهلوي وأقاموا الجمهورية الإسلامية. وبعد مرور نحو تسعة أشهر على نجاح الثورة الإيرانية، تمخضت ملفات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن تقرير تضمن تقدير المخاطر المحدقة بجيران إيران من تداعيات تلك الثورة التي وصفها التقرير بـ«ثورة الشيعة».

هذا التقرير لم يقدم إلى الرئيس الأميركي جيمي كارتر وقتها لأنه كان معدا لمسؤولين أدنى منه، ولبعض الأخطاء التحليلية التي يضمها التقرير، الذي كان سيقود كارتر إلى اتخاذ قرارات مغلوطة تجاه إيران، إن قرأه في حينها. وكان من الممكن تحميل التقرير ذنب فشل إدارة كارتر في التعامل مع قضية الرهائن الأميركيين في طهران، في مرحلة بدأ النظام الديني في إيران بتشكيل خطر على استقرار العالم بصورة عامة.
ولم يكن الخطر المشار إليه موضوعا لهذا التقرير فحسب، بل ظل الموضوع الرئيسي لمعظم تقارير الوكالة عن إيران طوال العقود اللاحقة. لكن تقارير الوكالة التي تزامنت مع أزمة الرهائن في السنة الأخيرة من فترة كارتر الرئاسية، تركزت فيها أكثر أخطاء التقرير والثغرات المعلوماتية؛ ولهذا السبب لم يمدد الأميركيون لرئيسهم فترة ثانية بل أسقطوه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 1980، رغم نجاحه الكبير في إرضاء غالبية الشعب الأميركي على صعيد القضايا الداخلية وتحقيقه شعبية كاسحة خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه.
وربما الضعف الذي أبداه كارتر مع الحكام الجدد لإيران الذي انتهى بكارثة محاولة إنقاذ فاشلة للرهائن، لعب الدور الحاسم في هزيمته أمام منافسه الجمهوري رونالد ريغان.
والغرض من إيراد هذه الملاحظة هو وضع الوثيقة المطروحة للتناول في سياقها الزمني والسياسي، مع أن الوثيقة تبحث موضوع الثورة الإيرانية من زاوية أخرى، وهي تبعاتها ومخاطرها على الجيران. وهو موضوع شديد الحساسية لم ينته تناوله بانقضاء 39 عاما على زمن الوثيقة، ولن ينتهي بإزاحة ستار السرية عنها، في وقت أصبح فيه التوتر في العلاقات الأميركية الإيرانية أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، وأصبح ينذر بصدام عسكري، يعتقد بعض المحللين أن مجيئه أصبح مسألة وقت ليس إلا، وأن الأسباب والذرائع الموجبة له أصبحت أكثر من كافية لدى معسكري التشدد في كل من طهران وواشنطن على حد سواء.
أما ما يتعلق بأبرز خطأ في التقرير، فهو قائم على عدم إدراك محللي الوكالة المركزية وجود اختلاف عميق بين الشيعة العرب وشيعة إيران. ويبدو أن الوكالة في تلك الأيام لم تكن قد أجرت دراساتها المعمقة على تاريخ التشيع قبل بزوغ نجم آية الله الخميني، فلم يتنبه المحللون الأميركيون إلى الفروق والتضاد بين المرجعية التقليدية في النجف ومرجعية ولاية الفقيه الناشئة في قم.
ولم يتبادر إلى ذهن المحللين على ما يبدو أن نظرية الخميني في الحكم (إقامة نظام ولاية الفقيه) حديثة جدا في تاريخ الشيعة، ولم يسعفها النجاح في إقامة الدولة من استمرار الرفض لها بين غالبية مراجع النجف. كما لم يدرك المحللون السريون الأميركيون مثلما لم يدرك بعض المحللين العرب أن معظم شيعة العالم قبل الثورة الإيرانية درجوا على الفصل بين السياسة والعقيدة، إلى درجة أن المتصدين للمرجعية من بين حاملي لقب آية الله العظمى يحرمون على أنفسهم الانخراط السافر في السياسة أو التدخل في شؤون الحكم الدنيوية، ولا يقرون حتى يومنا هذا نظرية الخميني في الحكم؛ لأنه في رأيهم رفع نفسه من درجة نائب الإمام إلى درجة الإمام وأسند لنفسه من المهام ما لا يجوز عند جميع أتباع الإمام جعفر الصادق وأتباع الفرقة الاثني عشرية في مذهب التشيع.
وعندما انطلقت ثورة الخميني عام 1979 من باريس إلى طهران واستولت على مقدرات الإيرانيين، بدأت بتطبيق مضامين كتيب صغير تحت عنوان «الحكومة الإسلامية» ألفه الخميني في الخمسينات، وفشل فشلا ذريعا في الستينات من القرن الماضي بتسويقه بين أساتذة وطلبة حوزة النجف، كما فشل في إقناع المرجع الأكبر في ذلك الحين آية الله العظمى محسن الحكيم بتبني ثورة دينية في العراق على أساس نظرية ولاية الفقيه الواردة في كتيبه، وهي نظرية رفضها الحكيم وكبار مراجع النجف جملة وتفصيلا، وتعرض بسببها الخميني للعزلة طوال سنوات بقائه في العراق.
ولم يجرؤ على اختراق سياج العزلة المفروض عليه من كبار مراجع النجف سوى محمد باقر الصدر، الذي أدت صلته القوية بالخميني على ما يبدو إلى تصفيته في أبريل (نيسان) عام 1980، بتواطؤ بين بغداد والنجف، أو حسب الرواية الأكثر رواجا بين نظام البعث العراقي ونجل مرجع أعلى في النجف كان يستشعر خطورة المنافس المحتمل لأبيه، فوشى به لدى المخابرات العراقية، واصفا إياه بـ«خميني العراق».
ومناسبة إيراد هذه الوقائع المعروفة لسنة العراق وشيعتهم على حد سواء هي التدليل على خطأ المنحى الذي ذهبت إليه معظم تحليلات الاستخبارات الأميركية في ذلك الوقت عن أن الخطر الإيراني يتمثل في قدرته على تحريك الشيعة العرب، وعلى وجه الخصوص شيعة العراق.
وفوجئت الاستخبارات الأميركية عند اندلاع الحرب الإيرانية العراقية لاحقا بأن نصف المقاتلين ضد إيران في الجبهات هم من الشيعة، ومع ذلك أهمل المحللون الأميركيون البعد القومي والوطني الضارب في الجذور لدى الشيعة العرب، مثلما أهملوا التناقض الجوهري بين التشيع التقليدي ونظرية ولاية الفقيه الخارجة عن المألوف وغير المقبولة لدى قطاع عريض من الشيعة، ليس في العالم العربي فحسب، بل حتى في إيران ذاتها، خصوصا قبل أن تستمد النظرية قوتها من هيمنتها على المقدرات المالية الهائلة للدولة الإيرانية.
وظلت وكالة الاستخبارات الأميركية تعمق المخاوف من البعد الطائفي وتساهم في تضخيمه، ربما عن جهل بخصائص المجتمعات العربية، وربما عن سابق إصرار وتعمد لاستغلال الصراعات على السلطة التي تتخذ أشكالا طائفية أو عرقية، بما يخدم مخططات مرسومة أو مأمولة للمنطقة العربية.
وغالب الظن أن المقاطع الواردة في الوثيقة التي أعدها قسم الشرق الأدنى في وكالة سي آي إيه، اتجهت للتحذير من الشيعة العرب عن جهل جزئي بالمنطقة وخطأ شائع بين أهل المنطقة أنفسهم، وليس في إطار محاولة للتمزيق، لسبب واحد؛ هو أن التقرير لم يكن معدا للنشر، ولم يتم تسريب محتوياته في حينه، وبالتالي يمكن استبعاد أن «إشعال الفتنة»، من الأهداف المرجوة منه في ذلك الحين. ومن اللافت أن قسم الشرق الأدنى في الوكالة طلب في التقرير ذاته من جميع المحللين والمهتمين بالشؤون العربية في ذلك الوقت التعليق على ما ورد من مضامين وإثراءه بالنقاش. ولم يعثر في الكم الهائل من الوثائق المفرج عنها عن أي تعليق أو رأي مخالف لاتجاهه العام من أي محلل في أي شعبة من شعب الوكالة العلنية منها والسرية.
* الرؤية العراقية كما تخيلتها الوثيقة السرية
تسعى بغداد لعلاقة مستقرة مع إيران بصرف النظر عن الاتجاه السياسي والديني للنظام الحاكم في طهران، حيث نجح البعثيون في الوصول إلى تفاهم مع الشاه، وربما أرادوا إبرام اتفاق مماثل مع الجمهورية الإسلامية رغم بغضهم للخميني، غير أن محاولات تنظيم زيارات متبادلة عالية المستوى انتهت بالفشل.
ويمثل الشيعة نحو 55 في المائة من سكان العراق، ولذلك يمكنهم التسبب بسهولة في مشكلات كبيرة لحزب البعث المهيمن على الحكم حال ساروا خلف إيران. ويتركز الشيعة في المناطق الحضرية والريفية بجنوب العراق. والعراق نفسه، ككيان، يعتبر نصف شيعي، وتمر أنابيب النفط الرئيسية بالمناطق الشيعية، والمنشآت الحيوية مثل ميناء البصرة، وممرات النفط بالخليج العربي، وحقول النفط الجنوبية، جميعها تعتمد على العمال الشيعة.
وتبدو صحيحة تلك الاتهامات العربية بأن إيران تعمل على تشجيع الشيعة بمختلف الدول العربية على التمرد. فوفق ما أوردته السلطات البحرينية، رصدت اتصالات يومية بين نحو 25 ناشطًا شيعيًا في البحرين مقربين من الخميني في إيران، ناهيك بالخطابات التي ضبطت في البحرين تحرض ضد الأسرة الحاكمة. وفي الكويت، وإن كان على نطاق أقل، كشفت الحكومة عن اتصالات بين ناشطين شيعة بالكويت ودوائر دينية نافذة في إيران، بالإضافة إلى لقاء الخميني مع وفد ضم كويتيين.
* أبرز استنتاجات المحللين الأميركيين
من أبرز ما خرج به التحليل الاستخباري المؤرخ في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 1979، أن الخطر المقبل على استقرار المنطقة يتمثل بالدرجة الأولى في «تأثيرات التشجيع الإيراني»، وإن كان بشكل غير رسمي (في ذلك الحين) للشيعة العرب، لإثارة القلاقل عن طريق إيهامهم بأن إيران ستلعب لعب دور الحامي والمدافع عنهم وعن الخليج، مما يؤجج الصراع بين العراق وإيران، خاصة في ضوء ضعف الإمكانات العسكرية للسعودية، بحسب ما ادعى قائد الثورة الإيرانية في حينها.
الأمر الوحيد الذي قد يشكل قيدًا أمام النظام الجديد هو الوضع الداخلي الإيراني نفسه، تحديدًا الاقتصاد وانخفاض مستوى المعيشة وقلة جاهزية الجيش الإيراني، والحاجة الماسة لحل المشكلات الملحة، مثل عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات العرقية.
يشير التحليل إلى أن الخميني وبعض كبار رجال الدين النافذين في بلاده، يشجعون بصورة علنية المنشقين الشيعة في دول الجوار. ويركز الخميني على تأسيس جمهورية إسلامية قائمة على ولاية الفقيه، وربما يكون استمرار الفوضى في إيران ووجود المجلس الاستشاري العلماني الذي يضم مسؤولين حكوميين كافيا لمنع تبني أي سياسة تدعو إلى التدخل بصورة رسمية.
التصريحات الصادرة عن آيات الله الراديكاليين، من شأنها الإبقاء على الشكوك العراقية والخليجية في أعلى مستوياتها، وقد تتسبب تلك التصريحات في عدم تحسن العلاقات بين إيران وجيرانها، ومن جانبه قد يتدخل العراق في شؤون الأحواز ذات الأغلبية العربية والغنية بالنفط في مواجهة التشجيع الإيراني لشيعة العراق.
كذلك قد يستخدم العراق التشجيع الإيراني لشيعة الخليج لتسويق نفسه كدرع واقية لدول الخليج العربي الصغيرة في مواجهة الاستعمار (التمدد) الفارسي. وتأمل إيران في توسيع نفوذها على حساب المملكة العربية السعودية.
وتعمل إيران على تحفيز الشيعة العرب للمطالبة بإصلاحات اقتصادية وسياسية بصورة كبيرة، في العراق، والكويت، والبحرين، منذ الإطاحة بشاه إيران.
لكن السلطة الحاكمة في إيران انقسمت بشأن السياسة الواجب عليها اتباعها إزاء الأقليات الشيعية بالخارج. وبحسب التقارير، فقد أمر الخميني بتبني سياسة نشطة لمد يد العون لتلك الأقليات بتأسيس «حزب المضطهدين» ليضطلع بمسؤولية مد المعونات المالية الإيرانية والدعم السياسي للمنشقين الشيعة بالخارج.
كما استنتجت الوثيقة أن من أخطر العلاقات التي تربط طهران بالخارج، هي علاقتها بالشيعة في العراق، فقد أمضى الخميني قرابة 13 عاما في المنفى بالعراق، مقيما بمحافظة كربلاء التي تعد مركزا دينيا للشيعة. ومن خلال هذا المكان، عمل الخميني على مد جسور التواصل مع المراكز الشيعية داخل إيران وخطط للقيام بانقلاب على الشاه.
وتضيف الوثيقة أن الشخصيات العلمانية في الحكومة الإيرانية استشرفت خطر المواجهة مع العراق، وكذلك خطر تشكيل جبهة خليجية موحدة في مواجهة إيران، وهذا ما تجلى خلال مؤتمر عدم الانحياز بهافانا، عندما صرح وزير الخارجية الإيراني إبراهيم يزدي عقب لقائه بالرئيس العراقي صدام حسين، بأن بلاده تسعى للسلام مع العراق.



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».