العلاقات السعودية ـ الإيرانية تدخل المرحلة الانتقالية

العلاقات السعودية ـ الإيرانية  تدخل المرحلة الانتقالية
TT

العلاقات السعودية ـ الإيرانية تدخل المرحلة الانتقالية

العلاقات السعودية ـ الإيرانية  تدخل المرحلة الانتقالية

هل أصبحت المملكة العربية السعودية وإيران على مسار التخفيف من حدة التوتر القائمة في العلاقات الثنائية؟
هذا هو التساؤل الذي حاولت وسائل الإعلام الإيرانية معالجته خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأسفرت الأجوبة المتناقضة على هكذا تساؤل عن حالة واضحة من التأرجح بين الإيجاب والإعراض.
موقع «انتخاب» الإيراني اليومي، الموالي والمؤيد للرئيس حسن روحاني قال في مقالة نشرت الأسبوع الماضي: «من مصلحة إيران حاليا التخفيف من حدة التوتر القائمة مع المملكة العربية السعودية في الوقت الذي تخلق فيه إدارة الرئيس ترمب المزيد من الشكوك وعدم اليقين».
وأشارت صحيفة «أرمان» اليومية إلى سبب آخر يدعو إلى تخفيف حدة التوتر بين الرياض وطهران، من خلال تسليط الضوء على رسالة التعزية التي أرسلتها قيادات خليجية إلى عائلة الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني، الذي وافته المنية الشهر الماضي. وكان رفسنجاني دائم الدعوة إلى تقريب العلاقات بين البلدين.
وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي الإيراني، أشارت صحيفة «كيهان» اليومية، وهي من الصحف التي تصرح بمعارضة الرئيس روحاني، في مقالة افتتاحية نشرت يوم الثلاثاء الماضي إلى أن السعودية قد نصحت الرئيس الأميركي الجديد بألا يلغي الاتفاق المبرم بشأن المشروع النووي الإيراني.
وبلغت التكهنات بشأن احتمالات ذوبان الجليد بين الرياض وطهران ذروتها من خلال الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي إلى طهران الذي نقل خلالها رسالة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر، مما يشير إلى فتح حوار جديد وواسع بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران.
يقول الباحث مهدي رجبي من طهران: «دخلت إيران موسم الحملة الانتخابية الرئاسية مع مخاوف بشأن التوترات الاجتماعية الداخلية المحتملة. ويستعد معارضو الرئيس حسن روحاني إما إلى منعه من خوض السباق الانتخابي في المقام الأول وإما إلى هزيمته في انتخابات الربيع المقبل إن قرر خوضها».
وكان الرئيس روحاني قد أسس رئاسته للبلاد على أركان الاتفاق النووي مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما والتي وصفها الرئيس الإيراني بأنها «أكبر انتصار دبلوماسي في التاريخ الإسلامي»، واتخذها ذريعة للمزيد من جهود التطبيع المستقبلية مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من كل ذلك، تسبب انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة في هزة شديدة للاستراتيجية الإيرانية المشار إليها، حيث تقوضت مزاعم روحاني بالنجاح المطلق في مجال السياسة الإيرانية الخارجية.
يقول المحلل السياسي الإيراني ناصر زماني: «مع آمال التطبيع مع الولايات المتحدة التي تأجلت، إن لم تكن تبددت، والاقتصاد الإيراني الذي يعاني أعمق أزماته في الوقت الراهن، يحتاج الرئيس روحاني إلى نجاح جديد في مضمار السياسة الخارجية. وأية بادرة على تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية سوف تنال قدرها المعتبر من الشعبية لدى الناخبين الإيرانيين، وبالتالي تكون ذات فائدة سياسية كبيرة بالنسبة للرئيس روحاني».
ومع ذلك، فإن الحسابات الانتخابية الداخلية قد لا تكون السبب الوحيد وراء تراجع لهجة العداء الواضحة التي اعتمدها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، في الآونة الأخيرة، حيال المملكة العربية السعودية. حيث يعتقد بعض المحللين السياسيين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد لعب دورًا مهمًا في إقناع طهران بإعادة النظر في المواجهات القائمة مع المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج العربي.
تجاهل الرئيس بوتين الرئيس روحاني وحكومته وعقد علاقات مباشرة ووثيقة مع المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الذي له الكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالقضايا الرئيسية والمهمة في شؤون الجمهورية الإسلامية.
ووفقا للمحللين النفطيين، كان التدخل من جانب الرئيس الروسي حاسما ومهما في التوصل إلى اتفاق غير رسمي بين منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) والدول غير الأعضاء في المنظمة، ويهدف إلى خفض الإنتاج أملا في الوصول إلى استقرار أسعار النفط الخام العالمية. وتنفيذ مثل هذا الاتفاق يستلزم درجة من التعاون الوثيق بين المملكة العربية السعودية وإيران.
ومع ذلك، لم يكن الاتفاق النفطي غير الرسمي هو البادرة الوحيدة على التخفيف من حدة التوترات بين البلدين العملاقين داخل منظمة (أوبك)، فلقد صدرت من جانب إيران، في العام الماضي، لفتة تتسم بالإيجابية من خلال مجموعة من المسلحين المتهمين بالهجوم على، ونهب مبنى، السفارة السعودية في طهران.
وأظهرت المحاكمة أن المهاجمين قد تحركوا وفق موافقة ضمنية غير علنية من جانب أجهزة الأمن الإيرانية، مما يعني أن القادة الحقيقيين للاعتداء لم يتعرضوا للملاحقة القضائية في إيران. وعلى الرغم من ذلك، كانت تلك هي المرة الأولى التي يوصف فيها الاعتداء على السفارات الأجنبية بأنه جريمة ويُدان مرتكبوها في محاكمة علنية في إيران.
وهناك إشارة أخرى تفيد بتخفيف التوتر، جاءت مع اتفاق تسليم السلطة في لبنان، والذي بموجبه تولى العماد الأسبق ميشال عون، المرشح المدعوم من إيران، رئاسة لبنان، في حين تولى السيد سعد الحريري، المدعوم من دول مجلس التعاون الخليجي، رئاسة الوزراء في البلاد.
وجاءت إشارة أخرى خلال الشهر الماضي عندما أسقطت طهران شروطها الـ16 التي وضعتها من قبل بشأن عودة الحجاج الإيرانيين إلى موسم الحج هذا العام.
وللتأكيد على ما يمكن أن يكون عليه موقف إيران الجديد، أخفى السيد علي خامنئي رسالة كبيرة في واحدة من خطاباته الهجائية القاسية حول البحرين؛ حيث قال: «ليست لدينا النية للتدخل في شؤون البحرين». تلك الرسالة التي جاءت مثل الماء البارد الذي أطفأ لهيب خطبة جمعة سابقة عليها هاجم فيها المرشد الإيراني الأعلى مملكة البحرين داعيا خلالها إلى ضرورة العمل والتحرك العاجل هناك.
وتبنى المسؤولون من المملكة العربية السعودية ومن إيران، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لهجة تتسم بالهدوء والاعتدال حيال بعضهما البعض، وكانت في غالبها تدور حول الإشادة بالروابط الدينية والثقافية التي تجمع بين البلدين الكبيرين.
هناك صراع بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، في عدد من المواقع في منطقة الشرق الأوسط، ومن أبرزها العراق، وسوريا، والبحرين، واليمن.
في العراق، يمثل الوجود المستمر لجنود الجيش الأميركي، والذي من المرجح أن يزيد في عهد الرئيس دونالد ترمب، عقبة كبيرة في مواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية الطموح في المنطقة. ربما، وبمزيد من الأهمية، حتى الشيعة العراقيون ليسوا حريصين كل الحرص على رؤية بلادهم تتحول إلى دولة تابعة للنظام الإيراني بقيادة طهران. ووفقا لذلك، فإن الفرص السانحة أمام إيران للحصول على النفوذ الدائم في المحيط العراقي باتت مشكوكا فيها، إن وصفت بأدنى العبارات.
وفي سوريا، لا تزال إيران ضالعة وحتى أسنانها في الصراع هناك، وتمارس الحد الأقصى الممكن من النفوذ على البقية المتبقية من النظام البعثي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الملف السوري لم يغادر، وربما لن يغادر، الطاولة الروسية في الوقت القريب، حيث لا تتمكن إيران إلا من لعب الدور الثانوي على أحسن الأحوال الممكنة.
ومع اكتساب العراق وسوريا للمزيد من الزخم ابتعادا عن مجال النفوذ الإيراني ومنافسته لمجال نفوذ دول الخليج العربي حيال نفس القضايا، لم يتبق سوى البحرين واليمن باعتبارهما أسخن نقاط المنافسة الراهنة.
يقول المحلل الإيراني زماني: «إن اختزال الصراع الكبير الممتد في قضيتي البحرين واليمن فقط من شأنه أن يمهد الطريق أمام الحوار البناء في المستقبل».
ومن المحتمل أن رسالة أمير الكويت السرية إلى طهران قد تطرقت إلى هكذا احتمال.
لا يتجاوز الدور الإيراني الكبير في البحرين حدود الدعاية، والخدمات اللوجستية، والدعم المالي للجماعات المتمردة هناك. والاتصالات بين أجهزة الأمن الإيرانية وجماعات المعارضة البحرينية، غالبا ما تتم خارج إيران، بما في ذلك مدينتا لندن وبيروت. ويسهل على إيران بكل بساطة الحد من تلك الاتصالات باعتبارها وسيلة من تهدئة التوترات مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومن دون التخلي عن مزاعمها بدعم الطائفة الشيعية في البحرين.
لكن التورط الإيراني في اليمن هو الأكثر تعقيدا، ومصدر من أكبر مصادر القلق للمملكة العربية السعودية وحلفائها، حيث تتلقى الميليشيات الحوثية اليمنية الجانب الأكبر من موارد التسليح والتمويل من إيران في حين أن الخبراء العسكريين الإيرانيين لعبوا دورا رئيسيا في تصميم الأساليب التكتيكية بواسطة التحركات التي تتخذها الوحدات المقاتلة هناك.
ومع ذلك، بدأت طهران في رؤية مغامرتها في اليمن باعتبارها مقامرة خاسرة. وربما ذلك هو السبب في أن زيارة الوفد الحوثي إلى طهران، والتي كانت مقررة خلال الشهر الحالي، قد أجلت إلى أجل غير مسمى، وفقا للمصادر الإيرانية. كما يساور طهران القلق أيضا من احتمال أنه، على أدنى تقدير، قد تعقد جماعة الحوثي اتفاقا مستقلا مع الرياض في مقابل تأمين نصيب من المشاركة في السلطة، مما يترك إيران مثل المتطفل في هذا الشأن.
وهناك عامل آخر قد يدفع صناع القرار السياسي الإيرانيين إلى مراجعة سياساتهم إزاء اليمن. فالحكومة البريطانية ضالعة وبشدة في الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع الدائر في اليمن في أسرع وقت ممكن. وفي الوقت نفسه، فإن طهران شديدة الحرص على تعزيز علاقاتها مع لندن لضمان استمرار الاتفاق النووي المبرم، والمحافظة على قناة الاتصال مفتوحة إلى واشنطن عبر الحكومة البريطانية.
والتساؤل الذي يطرحه العديد من المحللين الآن يتعلق بما إذا كانت العلاقات الأفضل بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي هي من الأمور الممكنة.
ومع ذلك، ربما ليس هذا هو السؤال الصحيح؛ فالعلاقات مع إيران لا يمكن أن تتحسن طالما أن المشاكل التي تتعلق بإيران ذاتها لم تلق حلولا أو تسوية.
ولذلك، فإن السؤال الحقيقي المطروح، كما هو الحال على الدوام، هو: هل من الممكن الحيلولة دون تدهور العلاقات مع إيران لمستويات هي أدنى مما عليه الآن؟ الإجابة الممكنة على هكذا تساؤل هي: أجل.



السعودية تطالب بوقف النار في غزة ودعم «الأونروا»

السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)
السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)
TT

السعودية تطالب بوقف النار في غزة ودعم «الأونروا»

السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)
السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)

طالَبت السعودية، الخميس، بإنهاء إطلاق النار في قطاع غزة، والترحيب بوقفه في لبنان، معبرةً عن إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

جاء ذلك في بيان ألقاه مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، السفير عبد العزيز الواصل، أمام الجمعية العامة بدورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة المستأنفة بشأن فلسطين للنظر بقرارين حول دعم وكالة الأونروا، والمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة.

وقال الواصل إن التعسف باستخدام حق النقض والانتقائية بتطبيق القانون الدولي أسهما في استمرار حرب الإبادة الجماعية، والإمعان بالجرائم الإسرائيلية في غزة، واتساع رقعة العدوان، مطالباً بإنهاء إطلاق النار في القطاع، والترحيب بوقفه في لبنان، واستنكار الخروقات الإسرائيلية له.

وأكد البيان الدور الحيوي للوكالة، وإدانة التشريعات الإسرائيلية ضدها، والاستهداف الممنهج لها، داعياً إلى المشاركة الفعالة بالمؤتمر الدولي الرفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية الذي تستضيفه نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل، برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا.

وشدد الواصل على الدعم الراسخ للشعب الفلسطيني وحقوقه، مشيراً إلى أن السلام هو الخيار الاستراتيجي على أساس حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وفق قرارات الشرعية الدولية.

وعبّر عن إدانته اعتداءات إسرائيل على الأراضي السورية التي تؤكد استمرارها بانتهاك القانون الدولي، وعزمها على تخريب فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، مشدداً على عروبة وسورية الجولان المحتل.

وصوّت الوفد لصالح القرارين، فجاءت نتيجة التصويت على دعم الأونروا «159» صوتاً، و9 ضده، فيما امتنعت 11 دولة، أما المتعلق بوقف إطلاق النار في غزة، فقد حصل على 158 صوتاً لصالحه، و9 ضده، في حين امتنعت 13 دولة.