تفوق النقاد المغاربة عربيًا... حكم نقدي أم إشكال مفتعل؟

بعد فوزهم بكثير من الجوائز وحضورهم على الساحة العربية

محمد الصالحي  -  نجيب العوفي
محمد الصالحي - نجيب العوفي
TT

تفوق النقاد المغاربة عربيًا... حكم نقدي أم إشكال مفتعل؟

محمد الصالحي  -  نجيب العوفي
محمد الصالحي - نجيب العوفي

تزايد الحديث، في السنوات الأخيرة، عن المنجز النقدي المغربي، بعد الحضور اللافت لعدد من النقاد المغاربة على الساحة العربية، وحصد عدد منهم لجوائز عربية رفيعة، الشيء الذي جعل البعض يعيد الدفع بسؤال المفاضلة بين المشرق والمغرب، وصولاً إلى الحديث عن نوع من التفوق المغربي على الشقيق المشرقي في مجال الدراسات النقدية، بشكل خاص، وبالتالي عن نوع من التناوب على المركزية والمحيطية.
وفي الوقت الذي لا يرى فيه عدد من الأدباء، مغاربة ومشارقة، إشكالاً في مناقشة القيمة التي صارت للمنجز النقدي المغربي، بل وانتصار بعضهم لقيمة هذا المنجز، عند مقارنته بالمنجز النقدي المشرقي، يرى آخرون أن المقارنة «إشكال مفتعل»، مع تشديدهم على أن للفكر انشغالات «أعمق» و«أفيد»، من مثل هذه «الحيثيات البسيطة».
* إقلاع نقدي مغربي
يرى الناقد المغربي نجيب العوفي أن المغرب الثقافي «شهد حَراكًا نقديًا دؤوبًا وموصولاً منذ سبعينات القرن الفارط إلى الآن، عبر محطاتٍ وأجيال مُتمرْحلة مسكونة بسؤال النقد، متنقّلة بين سواحله، ومُجدّدة لظواهره وطُروحاته»؛ معتبرًا مرحلة السبعينات «محطة الإقلاع النقدي الحداثي في المغرب، ومُنطلق الأوراش النقدية المفتوحة على المناهج والنظريات الغربية الحديثة، وبخاصة منها، البنيوية، والبنيوية التكوينية، والألسنية، والسيميائية، والإحصائية، والتيماتيكية.. هذا إلى نظريات التلقي وعلم النص.. إلخ»؛ مشيرًا إلى أن المغرب كان «سبّاقًا إلى انتهاج وافتراع هذه المناهج الحداثية وفتْح آفاق جديدة للخطاب النقدي والمقاربة النقدية بحكم مُتاخمته الجغرافية والتاريخية لأوروبا، على مرْمى بصر»، وأن «هذا ما غيّر وبدّل نقديًا، من موازين القوى، وثُنائية المركز والمحيط السائدة عبر التاريخ، حيث أضحى المغرب مركزَ إشعاع نقدي، فاعلاً ومؤثّرًا، من حيث أضحى المشرق، محيطًا متأثرًا ومتلقّيًا ومستمعًا للمغرب، قبل أن ينخرط في غِمار الحداثة في نسختها الأنجلوساكسونية، ويُدلي بدِلوه فيها».
ويتحدث العوفي عن «أجيال الجامعيين المغاربة»، على نحو خاص، التي «ظلت مولعة ومسكونة بأسئلة النقد كما سلف، ومتبارية في حلَبته. خلَفًا عن سلف»، مستحضرًا، في هذا السياق، رأيًا للمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي، ذهب فيه إلى أن المغرب تاريخيًا ذو نزعة فقهية أكثر منها إبداعية، وكيف أن النقد هو «تجلّ ومظهر حداثي للفقه»، ويستدرك بالقول: «لعل هذا ما يفسر هذا الحراك النقدي المغربي على قدم وساق، كما يفسر تبَعًا هذه الجوائز العربية التي يفوز بها المغاربة، في مجال الخطاب النقدي. وهم أهل لذلك بكل تأكيد. وجزاء وِفاق لأعمالهم واجتهاداتهم».
يتعرض العوفي إلى سؤال المقارنة بين المنجزين، المشرقي والمغربي، فيقول: «هل يشير هذا الوضع، إلى تراجع أكاديمي ونقدي في المشرق العربي؟ أم إلى تفوق المغاربة؟ لا هذا ولا ذاك. بل هي صيرورة طبيعية في جدلية النقد العربي، وفي ثُنائية المركز والمحيط. أو قل هي لحظة تناوُب على المركزية والمحيطية. وتلك الأيام النقدية، نُداولها بين الناس. وفي ظنّي، أن الشرق العربي الذي أصبح الآن جوادًا جريحًا، بفعل الحروب والخُطوب والمؤامرات الأهلية والدولية منذ خُرافة «الربيع العربي». هذا الشرق الجريح لم يعد مجالاً حيويًا ملائمًا، لازدهار الخطاب النقدي المشرقي، على سجيّته وديْدنه. لم يعد مجالاً حيويًا ملائمًا لانتعاش الأدب والفكر».
ويشير العوفي أيضًا إلى أن معظم الجوائز العربية التي يفوز بها مغاربة هي ذات طابع خليجي، وأن «هذا ما يشجّع بلا شك، على هجرة النقاد العرب بعامة، مغاربة ومشارقة، لأداء «العُمرة النقدية»، وأنه «مهما تتعدّد القراءات والتأويلات في هذا الصدد، يبقى فوز المغاربة بهذه الجوائز العربية الوازنة في مجال الخطاب النقدي، ظاهرة أدبية واعتبارية تستحقّ كل تنويه وتقدير، وخصوصًا أن هذه الجوائز تأتي من عمق المشرق العربي وخليجه، وبتزكية علمية من لجان محكّمة، تضم أسماء محترمة من كل فجّ عربي»، الشيء الذي يؤكد، من وجهة نظره، اعترافًا مشرقيًا بالنبوغ المغربي، مشيرًا إلى أن المغرب كان يُعتبر هامشًا ثقافيًا مغمورًا، وأن المشرق يرد الآن، بعض الدّين للمغرب.
* ثنائية ضيقة
ينطلق الشاعر والناقد المغربي محمد الصالحي من وجهة نظر مغايرة لما بلوره وانتهى إليه العوفي، متحدثًا عن «إشكال مفتعل»، هو، في أصله، «غير ذي قيمة وغير ذي جدوى، الخائضون فيه لن يقنعوننا بأهمية وضرورة ما يخوضوه فيه»، متحدثًا عن وجود «فدلكات ومسكوكات رددناها ولاكتها ألسننا لغير ما سبب، وليس لغايات فكرية»، مشددًا على أن للفكر «موضوعات وانشغالات أعمق وأفيد من هذه الحيثيات البسيطة»، مستحضرًا، في هذا السياق، نقطة أساسية، تؤكد أن «هذا النقاش لم يفضِ قط إلى نتائج». ويستشهد هنا بالحوار الشهير الذي جمع بين محمد عابد الجابري وحسن حنفي، على صفحات «اليوم السابع»، والذي «كان حوارًا جيدًا، قبل أن يسقط في هذا المطب»؛ مشيرًا إلى أن «مفكرين بارزين، من هذا الطراز، كان الأجدر أن يوجها سهام فكرهما إلى موضوعات أهم، لأن حنفي والجابري حين يفكران لا يفكران من منطلق أن أحدهما مشرقي والآخر مغربي، بل يتناولان الإشكالات والقضايا بغض النظر عن ثنائية مشرق ومغرب؛ وبالتالي فالمسألة ليست أفقية بل عمودية». وزاد الصالحي، موضحًا وجهة نظره، بالقول إنه عندما يقرأ كتابًا ويشده إليه لا ينتبه إلى ما إذا كان قد كتب من طرف مشرقي أو من طرف مغربي، بل إن كان ممتعًا، مكتوبًا بلغة عربية راقية ويثير قضايا فكرية أوسع من «ثنائية ضيقة».
يذهب الصالحي أبعد، ليقول إن «هذا الحوار المفتعل قد ظهر بعد خفوت الأسئلة الكبرى، التي ورثناها عن فكرة النهضة العربية، فبعد الهزائم أمام إسرائيل، صارت هناك عقدة ذنب في الفكر العربي، فصارت كل منطقة تتهم الأخرى، إما بشكل صريح أو بإثارة قضايا جانبية وهامشية، من قبيل ثنائية المشرق والمغرب»؛ قبل أن يستدرك، بالحديث عن وجود «إشكال أفظع»، يتمثل في سؤالي «أين يبدأ المشرق وأين ينتهي؟ وأين يبدأ المغرب وأين ينتهي؟».
ولاحظ الصالحي أن «هذا الموضوع قد طفا على السطح منذ سبعينات القرن الماضي، لأسباب تتعلق ببروز حركية غير معتادة في بعض الهوامش، من قبيل المغرب وتونس والخليج، في وقت كان هناك حديث مكرس عن عواصم للثقافة العربية، خصوصًا القاهرة وبيروت، وقبلهما بغداد ودمشق»؛ وكيف أن «هذا المعطى جعل بعض المغاربة، من مفكرين وكتاب، يتحدثون عن ريادة مغربية ما»، مشيرًا إلى أنه يبحث عن هذه الريادة من دون أن يعرف ما هي، وما هي تمظهراتها، مع أن «كل ما في الأمر أن المغرب وتونس برز فيهما، ربما أكثر أو أوضح، مقارنة مع باقي المناطق، بعض سبق ما إلى استيعاب وتطبيق بعض المناهج النقدية الغربية، خصوصًا مع البنيوية وما بعدها». ويختتم الصالحي أجوبته على أسئلتنا بالقول: «هذا المعطى الذي نتحدث عنه ليس كافيًا للحديث عن تفوق مغربي أو مشرقي أو إثارة هذه الثنائية أصلاً، لأن تونس أو المغرب إذا ما برزا فبروزهما ليس على حساب المراكز الفكرية الكبرى كالقاهرة وبيروت»، مشيرًا، في هذا الصدد، إلى أن «أجمل ما يكتب على مستوى تحقيق التراث العربي يأتي من العراق وسوريا ولبنان ومصر، كما أن أجمل ما يكتب في تاريخ الفلسفة والترجمات وتمحيص المدونة النقدية الأدبية الفكرية العربية القديمة يأتي من هنا ومن هناك».
ومع ذلك، يشير الصالحي إلى أسماء مغربية كثيرة برزت في مجال الفكر كمحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وفي مجال النقد كسعيد يقطين وعبد الفتاح كيليطو، ممن «قدموا قراءات فكرية ونقدية عميقة أبعد من الثنائية المفتعلة»، وكيف أن «المشارقة وجدوا فيها طرحًا أعمق لقضاياهم الذاتية العامة أكثر مما وجدوها في كتابات المشرق، والعكس صحيح»، ليختم وجهة نظره بالإشارة إلى مصطلح «العقل المستقيل» الذي أطلقه الجابري، ليعبر (أي الصالحي) عن خشيته من «أن يكون العقل العربي قد استقال من القضايا الفكرية الحقيقية، وصار ينتبه إلى قضايا هامشية وجانبية».



متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
TT

متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

أكدت الأكاديمية السعودية، الدكتورة ميساء خواجا، أن الكتابة التاريخية لها حدودها ومداخلها وآلياتها التي تبنى على التوثيق والمطابقة، أما الكتابة الروائية فهي ذاكرة مفتوحة تقوم على التخييل، والغوص في مناطق قد لا يلتفت المؤرخ إليها أو لا يهتم بها.

وكانت الخواجا، تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية»، ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، أقيمت مساء أمس الخميس. وتحدثت عن طبيعة التعامل مع الشخصيات والمكان والزمان في الرواية التاريخية.

وأكدت الدكتورة الخواجا أن التاريخ – كما يرى أرسطو – يتعلق بالحقائق العامة لا بالجزئي والهامشي. من هنا يختلف حقل التأريخ عن حقل التخيل، من دون أن ينفيه. فالمؤرخ يهتم بصياغة المادة التاريخية بالاستناد إلى وقائع تاريخية محددة وربما قراءتها في إطار الحاضر. أمّا المتخيّل فيقدم مادة سردية ينجزها الروائي من خلال علاقة إبداعية مع أحداث الماضي بصفتها ممتدة في الزمان والمكان. (...) وفي ذلك يصير التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي، «ميتا نص» يعود إليه ويتحاور معه في كتابة قد لا تطابق المرجعية التاريخية، أو لا تكتفي بذكر وقائع التاريخ والحرص على مطابقتها، بل تبحث في طياته عن العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التماثلات الرمزية بينهما، فيتداخل التاريخ الحقيقي مع المتخيل التاريخي.

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة العمل بمعرض الرياض الدولي للكتاب

الرواية والتاريخ

وقالت الدكتورة الخواجا، إن عدداً من الدارسين التفتوا إلى وجود صلة ما بين الرواية والتاريخ على اختلاف بينهما، إذ يثير مصطلح «الرواية والتاريخ» عدداً من الإشكالات التي يقف في مطلعها الإشكال الأجناسي على اعتبار أن التاريخ خطاب نفعي يسرد الحقيقة في حين أن الرواية خطاب جمالي تخييلي في المقام الأول. والرواية التي هي «خطاب جمالي تقدم فيه الوظيف الإنشائية على الوظيفة المرجعية».

ورغم ربط التاريخ بفكرة النفعية وبفكرة الحقيقة وتناول ما هو حاصل عند عدد من الدارسين، فإن هناك عدداً آخر منهم يربط بين التاريخ والمتخيل، ويلتفت إلى ما يمكن تسميته «سردية التاريخ».

التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي أشارت أيضاً إلى أن التاريخ يرتبط في أذهان الكثيرين بالحقيقة في مقابل الخيال الذي تتسم به الرواية، لكن ذلك الربط يتعرض إلى شيء من التشويش عندما يمتلئ التاريخ بأخبار وحكايات قد تبدو متخيلة، لا سيما عندما يتناول الأزمنة السحيقة، وعندما تستند الرواية إلى التاريخ أي إلى ما هو حقيقي.

وتقول: بين التاريخ والرواية صلة ما خفية أو ظاهرة، ويمكن للباحث إقامة عدد من الصلات بينهما، وعلى رأسها أن كليهما خطاب في المقام الأول، ويلي ذلك أنهما خطاب سردي أو يمكن أن يوضع في خانة السرد.

وانطلاقاً مما سبق يمكن للباحث أن يقيم الصلة بين الرواية والتاريخ، وقد عدّ المؤرخ مارك بلوخ أن المؤرخ أقرب ما يكون إلى «روائي ملتزم» بنوع خاص من الحكي، يستمد حكاياته مما يحتمل وقوعه حقيقة، في مقابل روائي يستمدها مما يحتمل وقوعه مجرداً. وبهذا يكتفي المؤرخ بصناعة حكاياته، مستمداً شخوصها وزمانها وفضاءها من مصادر ووثائق تسجيلية، وأما حبكها فمتروك لمقدرة المؤرخ وحذقه على اعتبار أنه لا يصادف حزمة من الوقائع المتراصة في شكل خبر أو حكاية تعكس حدثاً سابقاً. وبذلك تتحقق للتاريخ سماته السردية المرتبطة بمحور الاختيار أولاً وبالحبك والصياغة ثانياً.

المرجعية والتاريخية

المحور الثاني، في ورشة العمل التي أقامتها الدكتورة ميساء الخواجا، حمل عنوان: الشخصية المرجعية والتاريخية، حيث أوضحت أن التاريخ والأدب خطابان سرديان، ويطالب الروائي في الرواية التاريخية بأن ينزل الشخصيات والأحداث في إطار المشاكلة وليس مجرد المطابقة، وبذلك يتيح للقارئ أن يدرك أسباب ما وقع ماضياً وما يترتب عليه من نتائج، لكنه يحتاج أيضاً إلى الأمانة التاريخية وإلى الخضوع لمقتضيات الفن الروائي من قبيل نمط القص والتبئير على شخصية أو أكثر، وإدراج العناصر في منظور واحد مما يحقق للرواية التاريخية شرط الانسجام الداخلي.

وقالت إن المؤرخ يسعى إلى بناء صورة متماسكة ذات معنى وبناء دال للأشياء كما كانت واقعياً، والوقائع كما حدثت فعلاً، أي وضع السرد التاريخي في الزمان والمكان المطابقين، وجعل فكرة الماضي تتفق مع الوثائق، كما هي حالتها المعروفة، أو كما كشف المؤرخون النقاب عنها. الروائي يضعها في إطار الحدث والزمان المتخيلين، غير منضبط بوجود ثابت ومحدد بصورة نهائية، ويعيد تشكيل الأحداث والشخصيات بآلة التخييل وفق منطق اتساق الأحداث ومكوناتها.

ويمكن أن تضمر الأحداث في بعض الروايات التاريخية وتأتي فقط خلفية لتفسر سلوك الشخصيات ومواقفها (مثلاً ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، الباغ لبشرى خلفان)، ويمكن أن تأتي الشخصية التاريخية لتقوم بدور مرجعي يسند الأحداث والشخصيات المتخيلة ويؤطرها ويوحي بمنطلقاتها ونتائجها.

وأوضحت أنه يمكن للرواية التاريخية أن تزاوج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات المتخيلة، ويمكن استحضار شخصيات تاريخية لتساهم في الفعل وفي تحريك المتخيل، أو يخلق الكاتب شخصيات متخيلة من وحي الشخصيات التاريخية لتقوم بعبء حمل المتخيل والتاريخي في الوقت نفسه. كما يمكن أن يسند الروائي أعمالاً غير تاريخية إلى الشخصيات التاريخية، وأعمالاً تاريخية للشخصيات المتخيلة.

ركزّت ورشة عمل على دور التاريخ في الكتابة الروائية

التاريخ والهوية السردية

حمل المحور الثالث عنوان: وظيفة التاريخ وبناء الهوية السردية، وقالت الخواجا إن ما يفعله الروائي في كتابة الرواية التاريخية أن يستحضر روح العصر الذي اختاره لزمن حكايته، وما يهمه ليس ما حدث في ذلك العصر لكن كيف أثر ذلك على ثقافة الناس وحياتهم الاجتماعية التي تمثلها شخصياته، وكيف أثرت الأحداث التاريخية المفصلية على تلك الشخصيات. أي أنه يسعى إلى دفع الظروف التاريخية إلى خلق وضع وجودي جديد للشخصيات يمكّن من فهم التاريخ في حد ذاته وتحليله بوصفه وضعاً إنسانياً ذا مدلول وجودي كي لا يتحول الروائي إلى مؤرخ.

وقالت: يبني الكاتب شخصياته (تاريخية أو متخيلة) ويصنع لها «هوية سردية»، تتطور وتخضع للتحولات، فلا نكاد نجد شخصية روائية مكتملة البناء، بل تنمو وتتطور هويتها وتتكشف تدريجياً، وقد لا تكتمل مع اكتمال الرواية فيلعب الخيال دوراً حاسماً في بلورة صورتها. إن الهوية ضمن الخطاب السردي هي تخييل، وهي ما نتخيله وليست مجرد ما نسترجعه. وما نراه في الرواية عامة والرواية التاريخية هو بناء هوية سردية أي عبارة قصة حياة الشخص الداخلية والمتطورة التي تدمج الماضي المعاد بناؤه والمستقبل المتخيل لتزويد الحياة ببعض الإحساس بالوحدة والهدف.