الصحافة العربية في اليونان بوصلة المهاجرين الأجانب

ازدهرت في الثمانينات.. وتدهورت مع التقارب اليوناني الأوروبي

عدد من الصحف والمجلات التي تصدر في اليونان («الشرق الأوسط»)
عدد من الصحف والمجلات التي تصدر في اليونان («الشرق الأوسط»)
TT

الصحافة العربية في اليونان بوصلة المهاجرين الأجانب

عدد من الصحف والمجلات التي تصدر في اليونان («الشرق الأوسط»)
عدد من الصحف والمجلات التي تصدر في اليونان («الشرق الأوسط»)

بدأت الصحف العربية في اليونان مع بدء الحكم الديمقراطي وسقوط الديكتاتورية عام 1974. ورافقت الطلاب العرب الذين توافدوا للدراسة في اليونان من مختلف الدول العربية، حيث ازدهرت كثيرا في الثمانينات مع تربع الحزب الاشتراكي على مقاليد الحكم وزعيمه الراحل أندريا باباندريو، الذي كان قد نهض بالتقارب اليوناني العربي واستقباله الزعيم ياسر عرفات وقوات الثورة الفلسطينية في أثينا، بعد خروجها القسري من بيروت عام 1982. ولكن بمرور الوقت وتأسيس الاتحاد الأوروبي وزيادة التوجه اليوناني لمنطقة اليورو، أثر ذلك على الصحافة العربية وتقهقرها إبان رئيس الوزراء كوستاس سيميتس، ووصول مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من ألبانيا ودول أفريقيا.
في الطابق الخامس لإحدى البنايات في منطقة كيبسلي وسط أثينا، التقت «الشرق الأوسط» مع منصور شاشاتي الكاتب الصحافي، وأحد المؤسسين للحركة الصحافية في اليونان، والذي ذكر أن الصحافة العربية في اليونان بدأت بجريدة «الحوار» اليومية، والتي أسسها الراحل الليبي هاشم بشير الهوني، ومن ثم «النشرة»، فـ«الضفتان»، وتقرير أثينا الأسبوعي، و«بانوراما». وقال شاشاتي إن جريدة «النشرة» كانت قوية وصامدة إلى أن تم اغتيال رئيس تحريرها ميشيل الدمري في أثينا عام 1985، عندما كانت هذه الصحيفة تساند منظمة التحرير الفلسطينية. ثم قام شاشاتي بتأسيس صحيفة «أخبار السودان» والتي تخصصت في شؤون اليونان ودول البلقان، وكانت توزع بجانب اليونان في كل من مصر والسعودية والإمارات، إلى أن توقفت بعد عدة سنوات.
أما صحيفة «الضفتان» والتي تصدر حتى الآن، فهي تهتم بالجانب الثقافي، والهدف منها ربط العالم العربي مع الجالية العربية المتواجدة في اليونان، مع التركيز على التطورات السياسية والاقتصادية في بلاد الإغريق، إلى أن تطورت إلكترونيا وأصبحت جريدة يومية تقدم الخبر للعرب الموجودين في اليونان وخارجها، عن طريق الشبكة الدولية للمعلومات، وخصوصا فيما يتعلق بقوانين اليونان الجديدة والإقامات وتصاريح العمل، وتتم متابعتها يوميا من العرب كافة على اختلاف مهنهم، سواء كانوا عمالا أو دبلوماسيين. وأصبحت شبه وكالة أنباء لرصد الأخبار العاجلة والسريعة وتغيرات الطقس والإضرابات وسوق العمل والحالة الاقتصادية والتقشف والزيارات الرسمية وغير الرسمية للمسؤولين العرب واليونانيين، سواء في أثينا أو العواصم العربية.
وفي لقاء آخر لـ«الشرق الأوسط» مع عبد السلام الزغيبي، سكرتير تحرير صحيفة «الضفتان»، قال: «بدأت ممارسة الصحافة في اليونان عام 1982 عبر صحيفة (الحوار) اليومية التي كانت تصدر في أثينا، ثم انتقلت بعدها للعمل في عدة صحف أخرى تصدر في اليونان، حتى عام 1999 حيث بدأت العمل في صحيفة (بانوراما)، ومن ثم صدرت صحيفة (الضفتان) الورقية التي تحولت إلى موقع على الإنترنت، كما كنت مراسلا لعدد من الصحف والمجلات العربية، وفي صحيفة (بانوراما) كان لي صفحتان، واحدة لشؤون المهاجرين، والأخرى للشؤون اليونانية».
وذكر الزغيبي أنه كان ينقل الأخبار عن الصحف اليونانية فيما يخص المهاجرين، من قوانين الإقامة واللجوء، والشؤون اليونانية، وقال: «كنت أتابع كل ما يهم المواطن العربي المقيم في اليونان ليكون على اتصال مباشر بتطورات الحياة الاجتماعية والسياسية في اليونان، وأيضا أتابع وأغطي كل النشاطات الثقافية العربية التي تحدث في اليونان، ونشرها في صحيفة (الضفتان) وكذلك إجراء مقابلات مع الشخصيات العربية واليونانية وتغطية النشاط الدبلوماسي والمؤتمرات».
وتعتبر صحيفة «الضفتان» عملا مشتركا تطوعيا لعدد من الصحافيين والشخصيات المهتمة بالعمل الصحافي، والذين يجيدون اللغة اليونانية، ويطلعون على الأخبار، سواء من الصحف اليونانية أو من الجانب العربي من السفارات والدبلوماسيين، ومن الموضوعات المهمة التي تهيمن على هذه الصحف خدمة الجاليات العربية المقيمة في اليونان خلال الفترة الأخيرة، بدءا من عمليات اللجوء والهجرة والأزمة الاقتصادية إلى القوانين الجديدة. ويشرف الكاتب الصحافي منصور شاشاتي على هذه الأخبار قبل نشرها على الموقع الإلكتروني أو النسخ الورقية.
وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع معاوية محمدين أحمد، أحد المؤسسين المشاركين في تحرير هذه الصحف العربية، قال إن الصحافة العربية جاءت لليونان لسببين: الأول مع موضة الصحافة العربية المهاجرة في الثمانينات، وكانت أثينا إحدى هذه المحطات، والثاني أن بعض العرب المقيمين في اليونان رأوا أن السياحة العربية على مجدها مع الانفتاح اليوناني على العالم العربي ومجيء عدد من رجال الأعمال والاستثمار العرب لليونان، وارتفاع حجم الصادرات اليونانية للعرب، والتي ازدهرت بتأسيس الغرفة العربية اليونانية، كما أصبحت المنطقة العربية الشريك الثاني لليونان بعد الاتحاد الأوروبي تزامنا مع طفرة النفط.
في البداية تمركزت معظم المطبوعات العربية في اليونان عبر المركز الفلسطيني للدراسات «بيسان»، وطبع صحيفة «النشرة» التي كان معاوية أحمد مدير تحريرها، وكانت مخصصة للمشتركين فقط في البداية، ثم صحيفة «الحوار» والتي كانت مؤسسة متكاملة للطبع والصحافة، وكانت تأمل، في البداية، في منافسة الصحف العربية التي كانت تصدر من لندن، ولكن الظروف تغيرت بعد دخول اليونان منطقة اليورو وتراجع المواقف اليونانية تجاه العرب، وانهيار الصادرات وتقهقر دور الغرفة العربية اليونانية، وانتقال اليونان إلى حضن أوروبا إبان حكم كوستاس سيميتس، وتزامن وصول أعداد مهولة من اللاجئين الألبان إلى اليونان، مما مهّد لإصدار صحف صغيرة ومتدهورة تسمى صحف الجاليات، حيث عملت كل جالية على إصدار صحف خاصة بها، وظهرت سلسلة صحف عربية، هي «الضفتان»، و«بانوراما»، و«تقرير أثينا الأسبوعي»، والتي تستمر حتى الآن مع ظهور نوع جديد من الصحافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت أساسية نظرا لسرعة تناقل الأخبار ومجانيتها.
أما الكاتب الصحافي أبو القاسم بشير، والذي يرأس تحرير صحيفة «بانوراما» فقال لـ«الشرق الأوسط» إن صحيفته تخاطب القارئ العربي المتواجد على أرض اليونان، متضمنة كل المعلومات والأخبار التي تهمه، سواء الإقامات أو السياسة أو القوانين الجديدة أو الحوادث، وكل الأشياء التي يجب أن يعرفها عن البلد المقيم فيه، والتي لا يمكنه أن يعرفها من الأخبار اليونانية، سواء المرئية أو حتى المكتوبة. وذكر أن صحيفته بدأت تصدر وتطبع في اليونان منذ يوليو (تموز) 1997، ومستمرة حتى الآن، وكانت قد بدأت بالإصدار مرتين شهريا، والآن هي تصدر بشكل شهري دوري مستمر من دون توقف، وتعتمد كثيرا في إصدارها على دعم الإعلانات، فيما باتت أيضا تصدر على مواقع الإنترنت بجانب النسخ الورقية. وقال أبو القاسم إن من ضمن الأشياء التي تحرص الصحيفة على نشرها، اللقاءات مع المسؤولين الحكوميين، سواء من اليونان أو من العالم العربي، بجانب الشخصيات الفنية والمشهورة ورجال الأعمال، إضافة إلى فرص العمل المتاحة وقائمة بالأطباء العرب وتخصصاتهم في اليونان، وأبواب أخرى ترفيهية. ومقال رئيس التحرير يتناول كثيرا من الأمور السياسية وقصصا حقيقيا في اليونان يدخل عليها سيناريو وإخراج مناسب حتى تصلح للنشر ويستفيد منها القارئ، وربما الحذر في بعض الأحيان، عندما تكون مشكلة من المشكلات المعتادة التي يتعرض لها المهاجرون الأجانب في دول المهجر.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».