«التهجير القسري» يصل إلى وادي بردى وانتقال المسلحين إلى إدلب

اتفاق قضى بدخول قوات النظام السوري إلى المنطقة

سوري يمر بجانب طريق حمص الدولية وتبدو الثلوج التي ضربت المنطقة امس(رويترز)
سوري يمر بجانب طريق حمص الدولية وتبدو الثلوج التي ضربت المنطقة امس(رويترز)
TT

«التهجير القسري» يصل إلى وادي بردى وانتقال المسلحين إلى إدلب

سوري يمر بجانب طريق حمص الدولية وتبدو الثلوج التي ضربت المنطقة امس(رويترز)
سوري يمر بجانب طريق حمص الدولية وتبدو الثلوج التي ضربت المنطقة امس(رويترز)

انضمت منطقة وادي بردى، بمحافظة ريف دمشق غربي العاصمة السورية، يوم أمس، لما بات يعرف بـ«المصالحات» بتوقيع فعاليتها اتفاقا مع النظام السوري، كانت أولى خطواته رفع علم النظام فوق نبع مياه الفيجة، ويقضي بخروج مقاتلي المعارضة من منشأة النبع مع تأمين انسحابهم وضمان سلامتهم الكاملة، على أن يتم وضع آلية لمغادرة الرافضين المصالحة مع عائلاتهم إلى الشمال السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وأشارت معلومات إلى أن الاتفاق ينص أيضا على انسحاب ميليشيا «حزب الله» من المنطقة، وفتح الطرق وإدخال المساعدات الإغاثية والطبية والسماح للمدنيين بالدخول والخروج.
«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أكد من جانبه دخول ورش الصيانة إلى منطقة وادي بردى لمعاينة نبع عين الفيجة ومحطات ضخ المياه؛ للمباشرة بإصلاحها، على أن يباشر ضخ المياه خلال الأيام القليلة المقبلة إلى العاصمة دمشق التي تعاني انقطاعها منذ الـ23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأشار «المرصد» أيضًا إلى دخول سيارات الإسعاف لوادي بردى؛ تمهيدا للتوجه نحو نبع الفيجة، من أجل نقل جرحى وتقديم خدمات لوجيستية، في حين بدأ فيه مقاتلو المعارضة يتحضرون للمغادرة نحو مناطق أخرى في وادي بردى والانسحاب من القرية، على أن يجري نقل غير الراغبين بالبقاء ورافضي الاتفاق، بواسطة حافلات إلى مناطق خارج الوادي. وتابع «المرصد»: إن هذه الخطوات جاءت بعد انسحاب مقاتلي الفصائل من منطقة نبع الفيجة بالتزامن مع دخول العشرات من عناصر النظام الذين لا يعرف ما إذا كانوا من الشرطة أم من الجيش، بعد رفع علم النظام فوق نبع مياه الفيجة، كبادرة حسن نية لبدء تطبيق الخطوة الأولى من الاتفاق.
وفي حين أعلنت «الهيئة الإعلامية في وادي بردى» التوصل إلى «اتفاق» يقضي بانسحاب مقاتلي المعارضة من مبنى نبع الفيجة ومحيطه، ودخول عدد من عناصر قوات النظام إليه، ذكر الإعلام الحربي لـ«حزب الله» أن قوات النظام دخلت بلدة عين الفيجة و«انتزعت السيطرة» على منشأة النبع التي تمد معظم أنحاء العاصمة بالمياه ورفعت فيها العلم السوري.
من جهته، قال ضياء الحسيني، الناشط في ريف دمشق، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في وادي بردى هو نفسه الذي سبق أن طبق في مناطق أخرى بريف دمشق، والذي يأتي ضمن سياق خطة التهجير القسري التي ينفذها النظام. وأوضح الحسيني «دخل نحو 20 عنصرا من النظام إلى وادي بردى ورفعوا العلم في عين الفيجة بالتزامن مع دخول عناصر الهلال الأحمر وخروج المقاتلين من المنطقة إلى بلدة دير مقرى، بينما من المتوقع أن تدخل ورش الصيانة خلال ساعات، على أن يتم نقل المعارضين الرافضين للتسوية وعائلاتهم بالحافلات الخضراء إلى إدلب اليوم حدا أقصى». ويبلغ عدد المتوقع خروجهم من وادي بردى نحو 2500 شخص، بحسب الحسيني، مشيرا إلى أن الاتفاق ينص على تسوية أوضاع الرافضين من المنشقين عبر الانضمام إلى قوات النظام وعودة أبناء المنطقة الذين سبق أن نزحوا منها إليها».
هذا، وكانت قوات النظام وحلفاؤها، ومن بينهم «حزب الله»، تقدموا في منطقة وادي بردى بعد أسابيع من المعارك الضارية في محاولات للسيطرة على النبع ومحطة ضخ المياه. وشهدت منطقة وادي بردى، خزان مياه دمشق، منذ 20 ديسمبر 2016 معارك عنيفة بين قوات النظام ومقاتلين من «حزب الله» من جهة والفصائل المعارضة جهة أخرى، من أجل استعادة المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ 2012.
وتم التوصل مرارا إلى اتفاق بين الطرفين، إلا أنه لم يترجم واقعا. واستثنى النظام السوري المنطقة من وقف إطلاق النار المستمر الذي أمكن التوصل إليه في 30 ديسمبر برعاية روسيا وتركيا. ومن المتوقع أن يخرج من وادي بردى، وتحديدا من قريتي بسيمة وعين الفيجة نحو الألف شخص.
في هذه الثناء، تقول: «الهيئة الإعلامية في وادي بردى» أن أكثر من 80 ألف مدني يعيشون أوضاعًا إنسانية سيئة منذ أكثر من شهر من دون أدنى مقومات الحياة بلا ماء، ولا كهرباء ولا اتصالات هاتف ثابت، ولا هاتف نقال أو إنترنت. وتفتقر الصيدليات للأدوية بأنواعها كافة، وبخاصة أدوية الأمراض المزمنة لكبار السن (كضغط الدم والسكري) مع انعدام شبه تام لحليب الأطفال، في ظل النقص الحاد في الطعام والمواد الغذائية، في حين واصلت قوات النظام منع جميع المدنيين من الخروج من قرى المنطقة ومنع إدخال المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى.
كذلك، يشار إلى أنه جرى اغتيال اللواء أحمد الغضبان، رئيس لجنة التفاوض، في وادي بردى يوم 14 من يناير (كانون الثاني) الحالي، بعد نحو 24 ساعة من تكليفه من قبل النظام في تسيير الأمور والإشراف عليها في الوادي: «وذلك قبل أن تنفذ بنود الاتفاق الذي جرت محاولات متكررة من قبل الوسطاء والمفاوضين للمباشرة بها، إلا أن المرات المتتالية لمحاولات التطبيق لم ينفذ منها سوى شرط إثبات حسن النية، وهو وقف إطلاق النار، ولم يجرِ تنفيذ أي من البنود الأخرى»، بحسب «المرصد».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.