خطوات تركية لتحسين العلاقات مع مصر

وفد رجال أعمال تركي يزور القاهرة

خطوات تركية لتحسين العلاقات مع مصر
TT

خطوات تركية لتحسين العلاقات مع مصر

خطوات تركية لتحسين العلاقات مع مصر

فيما يعتبر خطوة لتهدئة الأجواء في العلاقات مع مصر التي تشهد توترا منذ العام 2013 أكدت مصادر في اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركي أن وفدا برئاسة رئيس الاتحاد رفعت هيصارجيكلي أوغلو سيقوم بزيارة إلى مصر خلال الأسبوع الجاري.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الوفد سيضم إلى جانب رئيس الاتحاد التركي 10 من كبار المسؤولين بالشركات التي تعمل في مجالات الصناعات الهندسية والكيمائية والنسيجية والأغذية إلى جانب الطاقة والزراعة والخدمات؛ إضافة إلى كبار المستثمرين الأتراك بمصر بدعوة من رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصري أحمد الوكيل لبحث سبل تنمية الاستثمارات التركية في مصر.
وسيشارك الوفد التركي، بحسب المصادر، في منتدى الأعمال المصري الذي ينظمه الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية بعد غد الاثنين حيث يجري عرض عدد من المشروعات العملاقة في مصر على الجانب التركي، بالإضافة إلى مجالات الاستثمار في القطاعات المختلفة وعقد لقاءات بين وفدي اتحادي التجارة لبحث سبل تنمية الاستثمارات المشتركة. كما يلتقي الوفد التركي وزير التجارة والصناعة المصري المهندس طارق قابيل. ويبلغ حجم الاستثمارات التركية في مصر 5 مليارات دولار، توفر نحو 50 ألف فرصة عمل؛ بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 3 مليارات دولار بحسب وزارة التجارة والصناعة المصرية حيث وقع البلدان اتفاقية للتجارة الحرة عام 2007 ساهمت في زيادة حركة التبادل التجاري. وتشهد العلاقات بين القاهرة وأنقرة توترًا منذ الإطاحة بمحمد مرسي؛ أول رئيس بعد ثورة 25 يناير. وقد بلغ التوتر قمته في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، عندما اتخذت مصر قرارًا باعتبار السفير التركي «شخصًا غير مرغوب فيه»، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى القائم بالأعمال، وردت أنقرة بالمثل.
وبحسب مصادر دبلوماسية قريبة من ملف العلاقات بين البلدين، ساهمت تصريحات الكثير من المسؤولين في تركيا، في مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان، في إبقاء حالة التوتر قائمة حتى أشهر قليلة مضت بينما تقول أنقرة إنها لا تتدخل في الشأن المصري وإنما تنحاز للديمقراطية. وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الوفد التركي الذي يزور مصر هذا الأسبوع كان مقررا أن يتوجه إليها في يوليو (تموز) الماضي لكن وقوع محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا أدى إلى تأجيل الزيارة فضلا عن تصريحات بعض المسؤولين الأتراك التي اتهمت القاهرة بدعم الداعية التركي المقيم في أميركا فتح الله غولن وحركة الخدمة التابعة له والتي تتهمها السلطات التركية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب حيث قال إردوغان في أغسطس (آب) الماضي إن هناك دولا من بينها مصر تدعم حركة غولن، كما ذكر وزيرا الخارجية والعدل مولود جاويش أوغلو وبكير بوزداغ أكثر من مرة أن تركيا تبحث في احتمالات أن يهرب غولن من أميركا إلى دول محتملة من بينها مصر.
وأضافت المصادر أن مصر اعتبرت الموقف التركي الرافض لقيادتها ووصف ثورة الثلاثين من يونيو بأنها انقلاب عسكري، تدخلا في شؤونها من جانب تركيا فضلا عن مطالبة تركيا بعودة الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى الحكم باعتباره الرئيس الشرعي للبلاد وفتح الأبواب لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى المتحالفة معها وإطلاق قنوات تلفزيونية لها من إسطنبول تقوم بالتحريض المستمر على القيادة المصرية وتبث رسائل تدعو لزعزعة الاستقرار في البلاد.
ولفتت المصادر إلى أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم كان قد أعلن منذ توليه رئاسة الحكومة في مايو (أيار) الماضي أن تركيا ستعمل على زيادة عدد أصدقائها وتقليل أعدائها وأنها ستطور العلاقات مع العراق وسوريا ومصر كما طورت علاقاتها مع روسيا وإسرائيل لكن الجهود التي بذلت لترجمة هذه التصريحات على الأرض بالنسبة للعلاقات مع مصر تراوحت منذ ذلك الوقت بين الصعود والهبوط. وعقب توليه منصبه كرئيس للوزراء في تركيا في مايو 2016 قال يلدريم إن حكومته ستسعى لزيادة أصدقاء تركيا وتقليل خصومها وأن تركيا ستتخذ خطوات لتحسين علاقاتها مع الدول التي توترت علاقاتها معها ومنها روسيا وإسرائيل ومصر وسوريا.
وبالنسبة لمصر، قال يلدريم إننا سننحي موضوع مرسي جانبا لأن الحياة لا بد أن تستمر متمسكا في الوقت نفسه بالموقف الذي عبر عنه الرئيس رجب طيب إردوغان دائما باعتباره ما حدث في مصر «انقلابا». وأوضح يلدريم أن العلاقات مع مصر يمكن أن تعود إلى طبيعتها في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية وأن الوزراء في البلدين يمكن أن يتقابلوا ويبحثوا مشروعات التعاون المشترك. كما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لاحقا إن الحكومة التركية باتت مستعدة لاتخاذ خطوات جادة نحو تحسين العلاقات مع مصر وإنه شخصيا مستعد للقاء نظيره المصري، وكذلك وزير الاقتصاد التركي يمكن أن يلتقي نظيره المصري. وفسر دبلوماسيون هذه التصريحات بأن أنقرة لا تريد أن يرتفع مستوى العلاقات إلى رئيسي البلدين أو رئيسي حكومتيهما.
وكبد التوتر في العلاقات بين مصر وتركيا خسائر اقتصادية كبيرة لا سيما بعد أن أوقفت مصر في أبريل (نيسان) 2015 العمل باتفاقية خط الرورو بين ميناءي الإسكندرية ومرسين التركي والذي كان يسهل نقل البضائع التركية إلى دول الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا بأقصر الطرق. وتعالت نداءات رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك المطالبة بتحسين العلاقات مع مصر وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» تبدي الحكومة التركية مرونة تجاه إمكانية تطبيع العلاقات مع مصر حيث ظهرت خلال فترة حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو محاولات لإحياء العلاقات مع مصر، إلا أن هذه المحاولات اصطدمت مرارا بموقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الداعم لجماعة الإخوان المسلمين ولذلك ظلت تراوح مكانها صعودا وهبوطا.
ولفتت المصادر إلى أن وفدا مشابها للوفد الذي سيزور مصر خلال اليومين القادمين كان زار مصر في 2014 للمرة الأولى بعد تصاعد التوتر بين البلدين وسحب سفيريهما وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة القائم بالأعمال بخطوة من مصر أعقبها رد من تركيا، إلا أن أنقرة ظلت مترددة بشأن اتخاذ خطوات جادة على غرار الخطوات التي اتخذتها مع روسيا وإسرائيل ومؤخرا مع العراق.
في الوقت نفسه، قالت مصادر في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لـ«الشرق الأوسط» إن هناك حديثا مستمرا داخل الحزب عن العلاقات مع مصر لكن كانت هناك في الوقت نفسه حالة انقسام بين تيارين في الحزب أحدهما يرفض أي خطوات لتحسين العلاقات وآخر يرى أنه لا يمكن التضحية بالعلاقات مع مصر وأن هناك مصالح متبادلة تحتم ضرورة تحسين العلاقات وهو التيار الأبرز لافتة إلى أن الحكومة تعمل على هذا الأمر منذ فترة طويلة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟