خطة إظلام طرابلس

لجأَ غالبيةُ سُكان ليبيا، أكبر دولة نفطية في أفريقيا، للفحم والحطب من أجل اتقاء البرد وطَهي الطعام، بعد انقطاع التيار الكهربائي من العاصمة لعدة اسابيع.
واقترب سعر أنواع من الفحم، زنة 20 كيلوغراما، من ثمن برميل من النفط. ومنذ منتصف الشهر الحالي تفاقمت الأزمة مع الاشتباه في وجود خطة لإحلال الظلام في طرابلس، وعدة مدن، على يد مجموعةِ ميليشيات تستهدف محطات الكهرباء، ما كبَّد سكان العاصمة ورجال أعمالها خسائر ضخمة. توقفتْ المُبردات وتبخرتْ مَلايين الدولارات.
وتتنافس حكومتا فايز السراج، وخليفة الغويل، في طرابلس على الحكم. كلُّ حكومة مدعومة بميليشيات، لكن يبدو أنَّ القدرة المالية على الإنفاق جعلت الأمور تذهب لصالح الغويل، رغم أن السراج يمتلك ميزة الاعتراف الدولي بحكومته ومجلسه الرئاسي. أما الحكومة الثَّالثة التي تعمل في الشرق، والمُنبثقة عن البرلمان الذي يعقد جلساته في طُبرق، برئاسة عبد الله الثني، فتُراقب، وهي تستعد لاقتناص فرص التقدم ناحية الغرب والجنوب. ودخلت الكهرباء كأحد أسلحة الميليشيات المنتشرة، خصوصا في طرابلس العاصمة.
لمْ يَقتصر انقطاع التَّيار الكهربائي على مُدن الشمال فقط، ولكنَّه شملَ بلداتٍ كثيرة متناثرة في الصحراء الجنوبية، حيثُ المناخ القارِّي وزَمهرير الشِّتاء. وفي بعض الليالي تنخفض درجة الحرارة في طرابلس إلى أقل من خَمْس درجات مئوية، وفي بلدات الجنوب إلى أقل من الصفر. واستمر غياب الكهرباء لأكثر من 250 ساعة في بلدة «غَات»، بشكل متواصل. وفي العاصمة أصبح من المعتاد العيش في الظلام، وَشَمّ رائحة دخان الحطب في البيوت. ويجري تجهيز القهوة والشاي في الدواوين الحكومية على الفحم.
احتجاجًا على ضعف السلطات في الشرق والغرب، لجأ 25 نائبًا في البرلمان إلى تعليق عضويتهم، وبدأوا في العمل مباشرة مع مسؤولين محليين، في مُحاولةٍ لحل أزمة الكهرباء ومشكلة توقف إمدادات الكيروسين والدِّيزل وغاز الطهي. ومع كبر حجم المشكلة، خلال الأسبوع الماضي، تراجعَ الاعتمادُ على المدفئة الكهربائية، وأخذتْ ثقافة استخدام الفحم النباتي والحطب تنتشر بين المواطنين... ثقافة تتعلق بالسِّعر، والجودة، وبالتحذيرات المصاحبة للاستخدام، أو حتى بإدخال القضية في خانة المزاح والتسلية. ويجري استيراد مُعظم الفحم عبر بعض دول الجوار، بينما يتم تقطيع الحطب بالمناشير من أشجار منتشرة في مزارع وعدة مناطق ليبية.
ويتراوح سعر جوال الفحم بين 50 إلى 130 دينارا (السعر الرسمي للدولار يساوي نحو 1.4 دينار)، بعد أن كان سعر الجوال يتراوح، منذ عدة شهور، ما بين 15 دينارا و25 دينارا. ويبدأُ سِعر جوال الحطب، الذي يُخصص غالبًا للطَّهِي، بنحو 30 دينارًا، ويزيد حسب النوع. وأصبح من المعتاد في الأيام الأخيرة أنْ تجدَ إعلاناتٍ عن الحاجة لكميات من الفحم. ومنها إعلان يقول: «مطلوب فحم شجر زيتون، أو فحم شجر برتقال وطني. نأخذ أي كمية من أي نوع، بأفضل سعر». ومن أهم التحذيرات، تلك التي توصِي بعدم استخدام مواقد الفحم والحطب في الغرف المغلقة، لأن ذلك من شأنِهِ أن يؤدي للوفاة، بسبب غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث منه. ولقيت أسرة مكونة من تسعة أفراد مصرعها في بلدة صبراتة. أمَّا عن آخر المُزح بهذا الخصوص، فتقول إن مهر العروس لا بدَّ أنْ يتضمَّن كميةً من الفحم والحطب.
يقول النائب في البرلمان، إسماعيل الغول الشريف لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ التدفئة بالفحم أدتْ لوفاة كثير المواطنين اختناقًا، مشيرًا إلى أن «عودة التيار الكهربائي آخذةٌ في التحسُّن التدريجي، ونأمل في حلٍّ جذري للمشكلة». أما المقتدرونَ ماليًا فلجأوا إلى شراء مولدات كهربائية خاصة. وزادتْ وتيرةُ استيراد شحنات من المولدات وبيعها في العاصمة ومدن أخرى بأسعار مرتفعة. وحَوَتْ شحنة وصلت من الصين في يوم واحد، أكثر من 500 مولد منزلي. وجرى إنزالها في ميناء مصراتة البحري. ثم توالى وصول الشحنات فيما بعد من الصين ومن دول أوروبية. ويبلغ ثمن المولد المنزلي الصغير، للاستخدام البسيط، نحو ألفي دولار، بينما تصلُ قيمة المولدات الكبيرة القادرة على تشغيل منزلٍ مُكَون من طابقين إلى أكثر من مائة ألف دولار. لكن مشكلة تأمين الوقود المشغل لها لم تنتهِ بعد.
وكانت ليبيا قبل انتفاضة 2011 تُصدِّر نحو 1.6 مليون برميل من النفط يوميًا. كما تُصدِّرُ كمياتٍ كبيرةً من الغاز الطبيعي. ولمْ تكن كُلفة مِلء السيارة بالوقود في ليبيا تزيد عن خمسة دولارات. وتراجعت الصادرات والقدرة على التكرير في المصافي، بشكل كبير وزادت الفوضى الأمنية من المأساة في بلد يبلغ عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة فقط. وفي الأيام الحالية أثَّرَ انقطاع الكهرباء على مراكز طبية ومؤسسات عامة وعلى حركة الملاحة الجوية وعلى شبكات الهواتف الجوالة والإنترنت.
وحسب جهات عسكرية واستخباراتية، فإنَّ أهم أسباب انقطاع الكهرباء يعود إلى ضرب الميليشيات للمحطَّات المغذية لشبكة الكهرباء الوطنية، في محاولة لإحراج حكومة السراج، ولأجل التربح من خلال سرقة معدات المحطات، وفي استغلال ظلام الليل لإدخال مقاتلين أجانب عبر السواحل والحدود الصحراوية إلى داخل البلاد. وتُوضِّح مصادر استخباراتية أنَّه تم معرفة اسمي اثنتين من مجموعاتِ مُقاتلينَ جُدُد جرى إدخال عناصرها إلى طرابلس بالتزامن مع قطع التيار عن العاصمة، منتصف هذا الشهر؛ الأولى تسمى «جماعة إلياس»، والثانية «جماعة صفاء الله». وتنتمي غالبية الميليشيات التي أشرفت على جلب مقاتلين أجانب بهذه الطريقة خلال الأيام الأخيرة لتنظيم القاعدة وليس تنظيم داعش، وفقًا للمصادر الأمنية، التي تشير كذلك إلى أن «هذه الميلشيات، وهي تعمل على تقوية نفسها، تسعى أيضًا لطرد المجلس الرئاسي من ليبيا، من خلال تأجيج الرأي العام على السراج».
وأثناء جولة تفقدية لتأثير «هُرُوب الضَّيْ» - كما يُقال باللهجة المحلية - شَملت بلدات الجنوب، يوضح النائب، الشريف، أنَّ السبب وراء انقطاع الكهرباء «أعمال تخريبية من مجموعات خارجة عن القانون، قامت بإقفال صمام الغاز المؤدي إلى (محطة كهرباء) الزاوية، وتم حجب ما يقرب من 2000 ميغاواط عن الخِدمة». ويضيف: «تسبَّبَ هذا في انهيار الشبكة، ودخلتْ ثلاثة أرباع الدولة في حالة إظلام كامل لأكثر من مرة. ونتج عن هذا كوارث مختلفة، منها عدم تدفق المياه في شبكات المدن وانقطاع الاتصالات في أكثر من مدينة». ويقول إن تزامُن انقطاع التيار الكهربي مع انخفاض حاد في درجات الحرارة، دفع السكان للاستعانة بوسائل تدفئة بدائية وغير مناسبة، ما تسبب في كثير من الوفيات بالاختناق بدخان الفحم.
وغرق الشمال الغربي من البلاد في إظلام شبه كامل لعدة أيام. وتعطلت الحياة، خصوصًا في طرابلس التي تعج بالسياسيين المتنافسين، وبالميليشيات المتربصة. وغصَّت قاعات الاجتماعات المعتمة والمنتديات التي تعمل بمولدات كهربائية، بتفسيرات متباينة.
ويقول الإعلامي الليبي المطلع على ملف الكهرباء، طارق القزيري لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن لانقطاع التيار جُملة من الأسباب المتضافرة، أهمها تآكل وتهالك البنية التحتية للشبكة، بالتقادم، دون استثمار حقيقي لتجديدها وتحديثها منذ سنوات طويلة، بالإضافة إلى تصاعد العُنف واستهداف البنية التحتية للشبكة نتيجة للحروب، أو كأعمال احتجاجية محلية، إلى جانب وجود مشكلات لوجيستية أحيانًا في إيصال الوقود لنقاط الشبكة أو لمحطات التوليد».
ومن جانبه يصف الشريف ما يحدث في قطاع الكهرباء بأنه «حرب غير تقليدية». ويقول موضحًا: «هذه العملية هي حرب ليست بالأسلحة التقليدية، ولكنها حرب إبادة وضد الإنسانية. وينبغي تقديم المتسببين فيها للعدالة». واكتشفَ نوابٌ في البرلمان أنَّ المُشكلة لم تقتصر فقط على «هُرُوب الضَّيْ» ولكنَّها امتدت إلى وقف إمدادات الوقود إلى مدن ومناطق أخرى، منها الجُفْرَة وسَبْهَا والشَّاطئ ومَرْزِق وغَات. ويضيف الشريف: «كُل هذه مناطق عانت في الأيام العشرة الأخيرة، حتى تحولت إلى ما يمكن وصفه بـ(المناطق المنكوبة)».
ويرجع ابتكار فكرة تهييج الرأي العام ضد السياسيين، بقطع الكهرباء والمياه عن المدن، إلى تنظيم داعش في ليبيا، منذ العام الماضي. وبَعْد سنة من الفوضَى وتخريب قطاع كبير من شبكة الكهرباء، وتراجُع دور «داعش»، تلقَّفَ تنظيم القاعدة، هذا الابتكار، بحسب ضابط في مُخابرات طرابلس. ويشير إلى أن المرة الأولى التي ظهرت فيها فِكرة قطع الكهرباء، لتأديب الخصوم، أو لتحريك قوة من القوات المنافسة تحت جنح الظلام، كانت في يوم السابع من فبراير (شباط) الماضي، على يد قائد سابق لتنظيم داعش في ليبيا، حيث «استمرت هذه اللعبة على فترات متفرقة منذ ذلك الوقت».
وبالتزامن مع التعطيل المتعمد، انتشرتْ سرقةُ مَحطَّات كهرباء على يد ميليشياتٍ تبحثُ عن المال. وحتى أبريل (نيسان) الماضي، كان جهاز مخابرات طرابلس قد تلقى تقريرًا تضمَّنَ تقديرًا لحجم الدَّمار الذي لحق بشبكة الكهرباء جراء التخريب وسرقة الكوابل، وبلغت قيمة الخسائر، وقتها، نحو خمسة مليارات دولار. وزادَ حجم الخسائر فيما بعد بدرجة مثيرة للقلق.
ومِن أكبر العمليات التي أسهمت في تضرر الشبكة سرقةُ مَحطة كهرباء قُرب بلدة الجفرة، جنوب شرقي طرابلس، وبيعها لسماسرة من كل من تشاد والجزائر. وجرتْ عملية بيع المسروقات بمبلغ مليون دولار، بينما تبلغ قيمتها الحقيقية عشرات الملايين من الدولارات، وفقًا لمصادر تحقيقات تلقَّت بلاغًا بالقضية أخيرًا. وتبيَّن أنَّ من قام بالعملية قائد ميليشيا فارّ بمقاتليه إلى الجفرة، بعد هزيمته في بنغازي.
وتعرَّض أعضاء في المجلس الرئاسي لضغوطٍ من أجل إيجاد حل. وعلى ذلك جرى في اليومين الماضيين استدعاء مسؤولِين في شركه الكهرباء. وحاولت قيادات طرابلس إيجاد سبيلٍ لوقف العَبَث بالمحطات الرئيسية، وتَواصَلَ بعضٌ منهم مع زعماء من كلٍ من جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة، للتوسط لدى قادتها للابتعاد عن استخدام قَطْع الكهرباء وقَطْع إمدادات الوقود، كسلاح. لكن حتى هذه المحاولات يبدو أنها لم تُجدِ نفعًا مقارنة بما حدث من إظلام شبه شامل، وتَوقُّف شاحنات توزيع غاز الطهي والكيروسين، ولعدة أيام، عن العاصمة وعن عدة مدن أخرى. وفي المقابل نَشطَت صفقات استيراد الفحم عبر دول الجوار. وبينما كانت المَقْطُورات المحملة بأقدم نوع من الوقود النباتي، تعبر في الاتجاه إلى ليبيا، ظهرت مقترحات بين مسؤولي طرابلس لحل المشكلة، منها جلب محطة كهرباء بَحْرِية (عائمة) من ألمانيا لأن «موضوع الكهرباء يظهر أنه في طريقه للتصعيد»، كما علَّق عضو في المجلس الرئاسي، مشيرا إلى أن البلاد تحتاج، في هذا البرد، إلى معجزةٍ لإيجاد قوة منضبطة تُؤَمِّن محطات الكهرباء وخطوط الضغط العالي، وتُؤَمِّن وصول الوقود السائل إلى السكان.
وبعيدًا عن مكاتب الدواوين، زادت حدة الغضب في شوارع طرابلس، المحكومة بحديد الميليشيات. وخرج عدة مئات من الليبيين مجددا في ميدان «الشهداء» الذي كان يخطب فيه القذافي في الماضي (الساحة الخضراء)، للاحتجاج على «هُرُوب الضَّيْ». وتقول سيدة، وهي تحمل ابنها على ذراعيها: «لا أستطيع شراء مولد كهرباء خاص. أسعار الفحم والحطب مرتفعة. أعيش في الظَّلام والبرد. الحياة لم تعد تحتمل. وهتفَ شُبان في الجوار ضد أمراء الميليشيات، وضد حكومة السراج الضعيفة أيضًا». ويقول تقريرٌ تسلَّمه مسؤولون في العاصمة يوم 18 الشهر الحالي، إنَّ نسبة فصل الكهرباء عن الدولة وصلت، بداية من يوم 14 من الشهر نفسه، إلى 77 في المائة، وإنَّ مهندسي غرفة التحكم الرئيسية ومهندسي المحطات، اكتشفوا تعرُّض الشبكة العامة لأعمال تخريب متعمدة في أبراج الضغط العالي جنوب البلاد، تزامنت مع خروج محطاتٍ رئيسية في الشمال عن العمل، ومنها الزَّاوية والزِّنتان، والرِّويس وجنوب وغرب طرابلس.
وفي الأيام التالية انقطعتْ الكهرباء بالفعل عن نحو 80 في المائة من طرابلس. ووصلت بلاغات عن انقطاع الكهرباء من مدن وبلدات بَنِي وليد، والشَّاطِي، وتَرْهُونَة، والزاوية، وصِرْمَان، والقِرة بُولي، وصبراتة، وزُوَّارة. وبدأ بعض المسؤولين في البحث عن مَخْرج. وفي ظل هذه المأساة وصل خبراء من ألمانيا. وأجروا مسحًا لحالة الكهرباء ولخطوط الضغط العالي، في عموم ليبيا، ووجدوا أنَّ علاج المشكلة يتطلب مبلغًا قدره ستة مليارات دولار، وينتهي خلال أربعة أشهر على الأقل من الآن. ووفقًا لتقرير الخبراء، وصلت نسبة التخريب في شبكة الكهرباء الليبية إلى 60 في المائة.
وظَهرَ من تصويرٍ جَوي، قام به خبراء أجانب آخرون، أن الكثير من الكوابل النحاسية لشبكة الكهرباء، التي يعود عمرها لأكثر من ثلاثين سنة، تعرضت للسرقة. كما أنه ظهر أنَّ إعادة برمجة منظومة الكهرباء، وحدها، تحتاج إلى نحو ملياري دولار. وبينما كان يجري بحث هذه التقارير انقطعت الكهرباء مجددًا عن نحو 75 في المائة من العاصمة. وأغلق شبان غاضبون من تردي الخدمات مناطق الدِّرِيْبِي، وسِيدي المصري، والغَرَارَات، وغَوْط الشَّعال، ورأس حَسن، وزناتة. وسُمع إطلاق الرصاص في شارع الرَّشيد، وفي ميدان السويحلي. ونتج عن ذلك مقتل شخص وإصابة آخرين.
ومع استمرار انقطاع الكهرباء، خصوصًا في الليل، وقعتْ أيضًا اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة على الطريق الساحلي وفي طريق الضَّوَايا، وفي وِرْشفَانَة، وذلك بين عدة ميليشيات تتنافس على جني فوائد من هذه المأساة بطرق مختلفة. وسقط قتلى من الطرفين دون معرفة العدد.
ووسط حالة الانفلات الأمني، تلجأ بعض الميليشيات أحيانًا لوضع شعار شركة الكهرباء على سياراتها حتى يسهل لها التحرك وسط الخصوم لتحقيق مآربها، بحجة أنها تعملُ على إصلاح أعطال التيار. بينما دخلت ميليشيات أخرى في شراكة مع رجال أعمال لصناعة الفحم وبيعه للسوق المتعطش.
ويقولُ أحد المنخرطِين في هذه الصناعة «الجديدة - القديمة»، إن الميليشيا توفر له كميات كبيرة من الخشب بطريقتها الخاصة. ويتولى هو، عن طريق عمال مصريين وتونسيين، إقامة «مكامير»، بحيث يغطي أكوام الخشب بالتراب، ثم يقوم بإشعال النيران في جانب منه، بغرض تسخِين الباقي بأقل كميِّة من الهواء، لمدة أسبوع على الأقل، لكي يتحول إلى فحم نباتي. ثم يطرح المنتج للبيع في أكياس بمقاسات مختلفة. ويبلغ سعر الكيس الصغير الذي يكفي لتدفئة ليلة لأسرة، نحو 3 دنانير. ويتقاسم الأرباح مع قائد الميليشيا.
ومن جانبه،يوضح النائب إسماعيل الغول الشريف، قائلا إن ما حدث من انقطاع للكهرباء خلال الأيام العشرة الأخيرة كان مأساويا.. «لكن الآن، وبعد تدخل كثير من الوساطة الشعبية والرسمية وغيرها، بدأ تدفق الغاز إلى مصْفَاة الزَّاوية وإلى محطات كهرباء أخرى، وأصبح التَّيار يتعافى تدريجيًا، ووصل إلى الجنوب بتحسن مطرد. و«كذا بدأ تدفق وقود الكيروسين والديزل الذي يساعد في عمليات التدفئة للمواطنين، ونأمل في تراجع الاعتماد على الفحم لأنه مُكلف ومَصدر خَطر».
وفي العاصمة، دعا أشرف الثّلثي، المتحدث باسم المجلس الرئاسي، المواطنين إلى ترشيد استهلاك الكهرباء. وأعلن أن جهود المجلس أفضت إلى استئناف ضخ الغاز المغذِّي لمحطة كهرباء طرابلس، بعد توقفه، وتسببه في انقطاع الكهرباء على عدد كبير من المدن الليبية، مُشيرًا إلى حجم التحديات التي تواجه شركة الكهرباء، المتمثلة في عدم عودة الشركات الأجنبية لاستكمال المشاريع المتوقفة.
ومن جانبه، يوضح طارق القزيري قائلاً إن أحد أسباب مشكلة انقطاع الكهرباء أيضًا «زيادة القوة الشرائية للمواطنين في فترات سابقة... هذا أدى لزيادة استهلاك الكهرباء، سواء باقتناء التكييف أو زيادة المحال التجارية ذات الاستهلاك العالي نسبيا، بالإضافة إلى التدهور الأمني الذي أدى لتصاعد حالات البناء العشوائي والإمدادات غير المرخصة والمخططة، ما جعل الشبكة تعاني من الضعف والفوضى معًا». ويشدد على أن حل المشكلة نهائيًا يتطلب خضوع المحطات لـ«الاستثمار والصيانة والحماية»، مشيرا إلى أن حماية الشبكة... «أمر، للأمانة، صعب في بلد مترامي الأطراف ويعاني تفسخًا أمنيًا. دون هذه الحماية ستتكرر المشكلة».