الآثار السودانية: انهيارات الرمال والأمطار تهدد أهرامات البجراوية

آثاريون يعملون على إنقاذ هرمي إماني ختاشو وتابرك من التصدع

عمليات صيانة للهرمين التاسع والثامن عشر في منطقة البجراوية السودانية
عمليات صيانة للهرمين التاسع والثامن عشر في منطقة البجراوية السودانية
TT

الآثار السودانية: انهيارات الرمال والأمطار تهدد أهرامات البجراوية

عمليات صيانة للهرمين التاسع والثامن عشر في منطقة البجراوية السودانية
عمليات صيانة للهرمين التاسع والثامن عشر في منطقة البجراوية السودانية

يقوم آثاريون سودانيون وأجانب بجهود حثيثة لإعادة ترميم وللحيلولة دون تصدع هرمين من أهرامات الجبانة الشمالية بمنطقة البجراوية مائتين وخمسين كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم. وتعمل البعثة المشتركة بين الهيئة السودانية للآثار والمتاحف والمعهد الألماني للآثار ببرلين على صيانة وترميم هرم الملكة - وتعرف بالكنداكة - إماني ختاشو بالرقم 18، وهرم الملك تابرك بالرقم 9 المتجاورين.
وقال مدير الآثار بالولاية الشمالية مرتضى بشارة لـ«الشرق الأوسط» هاتفيًا أمس، إن الأهرام الأحدث بنيت بالقرب من مداخل القديمة مما أدى لخلل وهبوط أحد أركان الهرم 9 أدى لتدفق الرمال ودخول مياه الأمطار للغرف الجنائزية تحت الهرمين.
وأوضح بشارة أن أعمال الصيانة تجري على مدخل الهرم التاسع لتقوية الهرم الثامن عشر، وأن مياه الأمطار التي تسربت إلى غرف الدفن داخل الهرم عبر السلالم التي تقود إليها أثرت عليه، وتوقع أن تكتمل أعمال الصيانة بنهاية هذا الشهر، وأضاف: «الصيانة تجري في مدخل الهرم 9 لتقوية الهرم 18».
واستهلت البعثة المشتركة من الهيئة العامة للآثار بالسودان والمعهد الألماني للآثار ببرلين، وتعمل تحت مظلة المشروع القطري لآثار السودان، جهودها لإنقاذ الهرمين المتجاورين، بالهرم التاسع (هرم الملك تابرك) والذي بدأ يتأثر بتدفق الرمال من تحت مدخله قبل ستة أشهر، وتقوية مدخله كبداية لجهود الرامية لإعادة الحفريات في المدافن وفتحها وإعادة تصحيح الدارسات السابقة.
وتقوم أهرامات منطقة البجراوية على «حشوة» من الحجر الرملي، مغلفة بالحجارة الخارجية الضخمة والصلبة التي تستند على وزنها وتداخلها دون مواد لاصقة، ويمكن أن تحدث أي تصدعات في التربة تحتها أو دخول للمياه تجاويف في التربة تصدعًا قد يؤدي لانهيار الهرم. لا سيما أن غرف الدفن الملكية الجنائزية تبنى تحت الأهرام بأحجام وأعماق مختلفة.
ونقلت «شروق نت» عن الآثارية إلكساندرا ريدن، وتعمل ضمن فريق المعهد الألماني للآثار ببرلين، إن جهود فريقها تعمل على الحفاظ على هرم تابرك من التصدع، وتأمين قاعدته ببناء دعامات صلبة لتقوية جدران المدخل الأرض للهرم المتدرج وصولاً للغرف الجنائزية الملكية، وقولها: «نبذل جهودنا للحيلولة دون انهيار الهرم، بما يسمح بالدخول الآمن لزواره للمقبرة الملكية».
ووفقا لبشارة فإن عمليات الترميم في الأهرام تتم بتقنيات حديثة بزرع دعامات خرسانية إلى عمق عشرة أمتار تحت الأرض، وهي طريقة تختلف عن الطرق التي كانت تستخدم في السابق عن طريق طلاء الأحجار المتآكلة بطبقة تجعلها صلبة.
وتنقسم الأهرام السودانية إلى الأهرام الشمالية والجنوبية والغربية، ويزين الهرم التاسع هرم الكنداكة إماني ختاشو والمهدد بالتصدع بنقوش مثيرة للإعجاب، ومحفوظة جيدًا، ويبلغ طول مدافنه 35 مترًا، بعمق 10 أمتار وعرض 4 أمتار، ويرجع تاريخه إلى الفترة بين القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الرابع منه، في المنطقة التي تعرف باسم البجراوية.
وتستثمر دولة قطر في الآثار السودانية عن طريق المشروع الأثري القطري السوداني، ويهدف لإعداد مناطق الأهرام وتجهيزها لتصبح مكانًا جاذبًا للسياحة والسياح من مختلف أنحاء العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».