تيريزا ماي تتصدر غلاف «فوغ» الأميركية

تيريزا ماي ليست أيقونة موضة بالمفهوم الكلاسيكي ولن تكون، لكن طوال مسيرتها السياسية علمتنا درسًا مهمًا يتمثل في عدم التنازل عن الأسلوب الشخصي لأي سبب من الأسباب، حتى إن كان الوصول إلى 10 داونينغ ستريت.
هذا تحديدًا ما انتبهت له مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، محققة خبطة صحافية تتمثل في تصدر تيريزا ماي غلاف عددها الذي سيصدر قريبًا، وبهذا لن تبقى المجلة حكرًا على عاشقات الموضة اللاتي ينتظرنها في كل شهر للتعرف على آخر الصيحات والخطوط، فالسياسيون أيضًا يترقبون العدد، ولو من باب الفضول.
مجلة «فوغ» الأميركية ليست جديدة على مثل هذه الخبطات. فقد سبق لها أن وضعت كيم كارداشيان وكيني ويست على غلافها، فيما رأته الغالبية نشازًا على مجلة ارتبطت لقرون بالأناقة الرفيعة وسيدات البيت الأبيض، مثل جاكلين كيندي وميشيل أوباما، إلى جانب عارضات عالميات ونجمات هوليوود. ومع ذلك لا بد من التنويه بأن تيريزا ماي ليست خبطة عادية، فهي أول رئيسة وزراء بريطانية تتصدر غلاف المجلة الأميركية، إضافة إلى أنها لا تمثل الجمال الكلاسيكي بمفهومه التقليدي. في المقابل تمثل كل ما تطمح إليه امرأة ناجحة وواثقة من نفسها.
الجلسة التصويرية تمت منذ أشهر بعيدة قبل فوز دونالد ترامب وعندما كانت الاحتمالات قوية بفوز هيلاري كلينتون، وطبعًا قبل أن تلقي خطابها التاريخي عن «بريكست» وما قد يترتب عنه من ارتفاع الأسعار وتأثيراته على سوق الترف، التي تعتبر الموضة عنصرًا مهمًا فيها حسب المتشائمين، إلا أن هذا لا يمنع أن الخطوة تعبير آخر عن الجانب الجريء من شخصيتها.
لا شك أنها تعرف أنها ليست أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر أيقونات الموضة اللاتي يتصدرن أغلفة المجلات البراقة، لكنها تعشق الموضة، وهو عشق لم ترَ ضرورة لإخفائه والتمويه عنه، باعتباره لا يتعارض مع عملها أو دورها كرئيسة وزراء. ثم إنها تعرف جيدًا أهمية الموضة كقطاع اقتصادي لا يمكن الاستغناء عنه أو الاستهانة به. فقد استضافت منذ بضعة أشهر باقة من صناع هذا القطاع في 10 داونينغ ستريت بمناسبة أسبوع الموضة بلندن.
هذا التداخل بين الموضة والسياسة تؤكده أيضًا عروض الأزياء التي تظهر فيها أحيانًا شعارات على «تي - شيرتات» تُباع بمئات الدولارات وتنفد من الأسواق، وأيضًا مشاركة صناع الموضة في الحملات الانتخابية بكل ثقلهم. أكبر مثال على هذا اتحادهم مع هيلاري كلينتون ضد دونالد ترامب، وفي بريطانيا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي. في كلتا الحالتين باءت محاولاتهم بالفشل، إلا أنهم أكدوا أن اهتمامهم لا يقتصر على صناعة الجمال والأناقة وأن لهم وجهات نظر سياسية تتغلب أحيانًا على الجانب التجاري والربح. مثلاً رفض أغلبهم علانية التعاون مع ميلانيا ترامب على أساس أنها لا تمثلهم بأسلوبها المضمون الذي يشي بالثراء أكثر مما يشي بالذوق الخاص، ولارتباط اسمها بدونالد ترامب وأفكاره العنصرية.
جدير بالذكر أن من صورت تيريزا ماي لـ«فوغ» هي المصورة آني ليبوفيتز المعروفة باهتمامها بالنساء القويات والمؤثرات، ولها أسلوب مميز في التصوير يسلط الضوء على الجانب الإنساني أكثر. فقد سبق لها أن صورت ميشيل أوباما كما التقطت صورًا مثيرة للملكة إليزابيث الثانية مع عائلتها وأحفادها في لقطات أيقونية تظهر فيها مبتسمة أو ضاحكة بعيدًا عن البروتوكول. مع تيريزا ماي لن تحتاج المصورة لبذل مجهود كبير لتنعيمها وتأنيثها، لأنها تُقدر الموضة أساسًا ولم تخفِ ذلك رغم موجات الاستنكار من قبل رجال أغلبهم متحفظون ومحافظون فيما يتعلق بالموضة على الأقل. بل ذهبت إلى أبعد من ذلك واستعملتها كمتنفس تعبر من خلالها عن الجانب الجريء من شخصيتها فيما بقيت سياساتها محسوبة ومتحفظة. لكن أجمل ما فيها أنها برهنت لنا مع الوقت أن المظهر الخارجي ومواكبة صيحات الموضة، لا يتعارضان مع الجدية في العمل ولا يُنقصان من قدر المرأة. وهذا بحد ذاته رسالة رائعة للجيل الصاعد من الفتيات اللاتي قد يشعرن بضرورة تغيير جلدهن أو شخصيتهن لكسب ثقة وقبول الآخر.