الرئيس اللبناني يدفع باتجاه خطة للقضاء على عصابات الخطف في البقاع

حالة خطف في المنطقة وراء المسعى

مظاهرات في بيروت نظمت أمس للمطالبة بقانون جديد للانتخابات (إ.ب.أ)
مظاهرات في بيروت نظمت أمس للمطالبة بقانون جديد للانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الرئيس اللبناني يدفع باتجاه خطة للقضاء على عصابات الخطف في البقاع

مظاهرات في بيروت نظمت أمس للمطالبة بقانون جديد للانتخابات (إ.ب.أ)
مظاهرات في بيروت نظمت أمس للمطالبة بقانون جديد للانتخابات (إ.ب.أ)

أعادت حادثة خطف المواطن سعد ريشا في منطقة البقاع الواقعة شرق لبنان، قبل أيام، البحث الحكومي في إعداد خطة أمنية للمنطقة بهدف القضاء على عصابات الخطف والسرقة، وهي الخطة التي «ستكون مختلفة عن سابقاتها»، وتعمل على توقيف «الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء عمليات الخطف، وتردع الآخرين عن القيام بأي أعمال مشابهة».
وعجّلت الحادثة البحث في الخطة، حيث أكدت مصادر لبنانية بارزة مواكبة للملف، أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، «يدفع باتجاه إعداد خطة جديدة تطال منطقة البقاع الشمالي، مختلفة عن الخطط السابقة التي نفذت في المنطقة أو في مناطق لبنانية أخرى»، مشيرة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الخطة الأمنية للبقاع الشمالي التي ستقضي على عصابات الخطف والسرقة «بدأت الدراسات لإعدادها على أعلى المستويات».
وكان قد أطلق سراح ريشا أول من أمس، بعد يومين على اختطافه، وفور وصوله إلى منزله في قب إلياس في البقاع، شكر ريشا جميع المسؤولين الذين عملوا للإفراج عنه، مشيرًا إلى أنه «منذ لحظة اختطافه ووضعه في السيارة لم ير أي شيء إلى حين عودته إلى منزله».
بدوره، قال بسام طليس موفد رئيس مجلس النواب نبيه بري للمشاركة في جهود الإفراج عن ريشا، إن بري كلفه بالتعاون مع العميد علي عواركة للعمل للإسراع في الإفراج عن ريشا، مؤكدًا أنه «لم يتم دفع أي فدية، ولم نفاصل حول هذا الموضوع، كون لا كرامة الرئيس بري، ولا كرامة الأجهزة الأمنية والعسكرية ولا كرامات أهل البقاع وفعالياتها تسمح بالتكلم عن دفع فدية مالية مقابل الإفراج عن سعد ريشا».
وأبدى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري اهتمامه الشخصي بكل ملابسات عملية الخطف، مؤكدًا «متابعته سير التحقيقات بخصوصها حتى النهاية، تمهيدًا لملاحقة الخاطفين وإحالتهم على الجهات القضائية المختصة».
وأعادت القضية تفعيل الحديث عن خطة أمنية في البقاع، حيث أعلن وزير الإعلام ملحم الرياشي من منزل ريشا في البقاع، أنه «سيكون هناك خطة أمنية شاملة، ستدرس في مجلس الوزراء، للقضاء على عصابات الخطف والسرقة في المنطقة». كما أكد أنه «ليس لهذه العصابات أي غطاء طائفي، وقد تكون الأحوال الاقتصادية المتردية في المنطقة سببًا من أسباب هذه الظواهر، وسنعمل على معالجة الملف بشكل كامل».
وباتت ظاهرة عصابات الخطف والسرقة، تحديًا كبيرًا للحكومة اللبنانية التي أعلنت قبل ثلاثة أعوام خطة أمنية لمنطقة البقاع، ساهمت في تقويض حركة تلك العصابات، وخففت من عمليات الخطف والسرقة، قبل أن تعود إلى الواجهة مرة أخرى، على خلفية التراخي الأمني. وتضاعفت التحديات التي تفرضها تلك الظاهرة، مع توسع هامش تلك العصابات التي باتت تستقطب شبانًا تحت العشرين من العمر «يعتبرون الخروج عن القانون بمثابة تجارة لجهة السعي لقيام عمليات خطف مقابل فدية أو السرقة أو ترويج المخدرات»، بحسب ما قال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن توسع تلك الظاهرة «ناتج عن عدم توقيف الرؤوس الكبيرة المتورطة في تلك العمليات الإجرامية، والتي لا يتجاوز عددها الـ15 شخصًا».
وإذ أشاد المصدر بـ«الضغط السياسي القوي الذي دفع الجميع للتحرك ضد تلك العصابات، وهو ما أدى إلى الإفراج عن المخطوف ريشا»، أكد أنه «لم يُلقَ القبض على المتورطين، رغم أن جميع الأطراف السياسية أكدت أن هؤلاء لا يحظون بأي غطاء سياسي». وقال المصدر: «المطلوب اليوم خطة أمنية شاملة، تُنفّذ على طريقة عمليات استخباراتية دقيقة تفضي إلى القبض على الأسماء المتورطة، واقتيادها إلى المحاكم، بهدف القضاء على الظاهرة وردع الآخرين من الأجيال الجديدة عن السعي للسير بالطريق الإجرامي نفسه».
ومن المتوقع أن تثمر الخطة الأمنية المطروحة للدرس في الحكومة اللبنانية في هذا الوقت، بالقضاء على الظاهرة التي تواجه العهد الرئاسي والحكومي الجديد، استنادًا إلى تجربة سابقة في الخطة التي أعلنها وزير الداخلية نهاد المشنوق في 2014، وساهمت في تقويض عمليات الخطف والسرقة إلى حد كبير. وقال المصدر الأمني نفسه إن الإعلان المسبق عن الخطة السابقة، «دفع المطلوبين للهرب والتواري، وهو ما يفرض خطة جديدة مختلفة في هذه الأيام»، لكنه أشار إلى أن تنفيذ الخطة السابقة «حدت من الظاهرة، وخلقت ارتياحًا في صفوف المواطنين، وزادت الشعور بالأمان، ولم نرَ أي خلل أمني من هذا النوع، قبل أن تعود الظاهرة مرة أخرى مع تراجع الإجراءات الأمنية».
سياسيًا، رفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الصوت بوجه التمادي في خطف السكان في البقاع، قائلاً في بيان: «على الأجهزة الأمنية والقضائية المعنية بذل كل الجهود المطلوبة لتوقيف الخاطفين المجرمين وسوقهم إلى العدالة». ورأى أنه «إذا كان مفهوما أن تتم عملية خطف في لبنان في العهد الجديد، فلن يكون لا مفهومًا ولا مقبولاً إلا أن يتم الاقتصاص من الجناة كما كان يحدث سابقا، لأن عدم ملاحقة الفاعلين حتى النهاية وتوقيفهم سيشجعهم ويشجع غيرهم على التمادي في عمليات الخطف إلى ما لا نهاية». وقال جعجع: «لن يكون مقبولا أن يبقى بعض قطاع الطرق عاصين على الأجهزة الأمنية في الوقت الذي أظهرت فيه هذه الأجهزة فعاليتها القصوى في السنوات المنصرمة بمحاربة فعالة جدًا للإرهاب ندر ما وجد مثلها في دول العالم قاطبة».
وفي السياق نفسه، نوه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بالجهود التي أدت إلى إطلاقه، مثنيًا على هذا الإنجاز الأمني، داعيًا القوى الأمنية إلى «عدم التهاون مع عصابات الخطف والإجرام»، مؤكدًا في الوقت نفسه «ضرورة الإسراع في إنجاز خطة أمنية استثنائية لمنطقة البقاع لحماية المواطنين من المرتكبين وتعزيزًا للاستقرار الأمني في البلاد».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.