دونالد ترمب... قصة نجاح فاجأت الجميع

طبّق نصيحة والده بدراسة الاقتصاد بدل السينما

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)
TT

دونالد ترمب... قصة نجاح فاجأت الجميع

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه يوم الجمعة الماضي (غيتي)

لم يكلف رجل الصفقات الناجحة دونالد جون ترمب أبدًا في مرحلة من مراحل عمره، عناء البحث عن وظيفة حكومية أو تحمل مشاق الوصول إليها. بل إنه لو تقدم لشغل وظيفة إدارية عادية في البيت الأبيض لما وجد في سجله ما يؤهله للحصول على الوظيفة العادية. لكن الرجل لم يكن شخصا عاديا، ولم يبحث عن وظيفة عادية، بل وضع نصب عينيه الموقع الأول في البلاد دون سواه، الذي يتصارع عليه عادة مخضرمو السياسة.
ومن المفارقات أن أول وظيفة عامة يشغلها رجل الأعمال الأميركي دونالد ترمب في حياته هي وظيفة رئيس الولايات المتحدة الأميركية. وعندما أجريت له مراسم التنصيب الرسمي في العشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي، كانت هي المرة الأولى في تاريخه يؤدي فيها اليمين الدستورية، في حين أن مدعويه من كبار رجال الدولة قد أمضوا حياتهم في أداء قسم بعد آخر.
ولهذا، فقد جرى حفل تنصيب ترمب في جو تقاسمه الفرح والحزن، وخيم الوجوم على وجوه عشرة رجال وامرأة واحدة على الأقل، من المنافسين السابقين لترمب، ممن سعوا حثيثا للفوز بأهم وظيفة شاغرة في العالم عام 2016، وكان كل منهم يتمنى أنه مكان ترمب ليؤدي القسم الأخير في حياته، بدلا من أن يستمع للقسم الأول في حياة ترمب.
وبأدائه القسم، يكون ترمب قد نجح في تحقيق ما عجز عنه سياسيون كبار، من بينهم حكام ولايات محورية، وأعضاء بارزون في مجلس الشيوخ، ووزيرة خارجية سابقة. ولا غرابة في ذلك، فقد كان المنخرط في الأعمال الحرة يردد على مسامعه دومًا المقولة الرائجة في المجتمع الأميركي، «إن وظائف الحكومة للفاشلين فقط»، ولم يتعمد ترمب الأب أن يغرس هذه القناعة في تفكير الابن عبثًا، بل كان قد لمس من ابنه ميولاً نحو العمل العام مثلما كان يلمس منه حبه للظهور، وعشقه للشهرة. وكان الأب يخشى على ابنه من أن يسلك طريق الفقر، ويخسر فرصًا ذهبية أمامه كفيلة بصنع الثراء، والاستفادة من أصول عقارية مترامية الأطراف يملكها والده.
* أول صفقة رابحة
دونالد ترمب هو الابن الرابع من بين إخوته، ولد في 14 يونيو (حزيران) 1946 في حي كوينز بنيويورك، والتحق بإحدى مدارسه النموذجية وهي مدرسة «كيو فورست» التي عرف فيها بأنه تلميذ شقي. وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره، أرسله والداه إلى أكاديمية شبه عسكرية على أمل تحسين سلوكه. وبالفعل، حقق ترمب في الأكاديمية تفوقًا دراسيًا ورياضيًا، حيث أصبح نجمًا في لعبة الإسكواش وهو في السادسة عشرة من عمره. وكان الشاب النيويوركي المراهق يتمنى لنفسه أن يصبح ممثلاً أو إعلاميًا أو بطلاً رياضيًا مشهورا، وكان والده يخشى عليه من عشقه المخيف للشهرة وحب الظهور. وجاء استحقاق تقرير المصير عند إكمال دونالد ترمب سنين التعليم العام (الثانوية العامة)، حيث يبدأ مفترق الطرق.
وكما كان يخشى الأب، فقد علم من ابنه الشاب بأنه يعتزم دراسة السينما أو الفنون الجميلة أو الإعلام التلفزيوني، فوقع النبأ على الأب وقع الصاعقة، وقرر أن يعقد معه صفقة، كانت هي أول صفقة رابحة في حياة دونالد ترمب.
وطبقًا لما رواه ترمب في أكثر من مناسبة، فقد اقترب منه الأب محيطًا إياه بذراعيه ثم همس في أذنه قائلا: «أنصحك يا ولدي أن تدرس علم الاقتصاد والتجارة، لكي تؤسس نفسك بالمال وبعدها يمكنك شراء أي شيء ترغب به». وأضاف الأب مازحًا: «وإذا أصبح لديك مال كافٍ فتستطيع أن تشتري محطة تلفزيونية لنفسك، وتحقق الشهرة عن طريق محطتك الخاصة بدلاً من العمل لدى أي جهة أخرى حتى لو كانت هذه الجهة هي الحكومة الفيدرالية ذاتها». ومضى الأب يشرح لابنه أهمية المال وضخامة القوة والنفوذ الذي يصنعها المال لأصحابه. ولكن الأب كان يعتبر العمل السياسي، حتى لو كان في البيت الأبيض، مضيعة للوقت وخسارة لا مبرر لها. ولكي يحمي ابنه من المهن المتعبة، عرض عليه صفقة مغرية بمنحه رأسمال قيمته مليون دولار أميركي مؤجل التسليم إلى أن يحصل الابن على شهادة في الاقتصاد، ليبدأ بعد ذلك في استثمار رأس المال المقدم من الأب، والعمل على مضاعفته مستندًا إلى تأهيل أكاديمي مجدٍ. ولم يتردد الابن في قبول الصفقة وبدأ من تلك اللحظة في رحلة طويلة من الصفقات الناجحة باستثناء القليل جدًا منها.
وحسب ما يرويه ترمب في كتابه «فن الصفقات»، فإنه بعد أن أنهى المرحلة الثانوية في الأكاديمية العسكرية بنيويورك عام 1964، فكر بدراسة السينما التي كانت تستهويه، لكنه قرر في النهاية دراسة الاقتصاد تطبيقا لنصيحة والده لأنه عن طريق المال سيصبح قادرا على شراء السينما وغير السينما. ولهذا التحق أولا بجامعة فوردهام لمدة عامين قبل أن ينتقل إلى كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس في الاقتصاد تخصص تمويل.
وعلى نقيض ما يعتقد البعض بأن دونالد ترمب رجل عصامي بنى ثروته بنفسه، فهو لم يولد فقيرًا بل إن مؤسسته العقارية تعود في الأساس لوالده الثري الذي كان أحد كبار ملاك العقارات في مدينة نيويورك، وورث نجله عن أعماله. فوالده هو رجل الأعمال النيويوركي الشهير فريدريك كريست ترمب المولود في نيويورك في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 1905، وتوفي في منتصف العام الأخير من القرن الماضي 1999. أما والدة ترمب، فهي ماري ماكلويد المولودة باسكتلندا في 10 مايو (أيار) 1912، وتوفيت بعد عام واحد تقريبا من وفاة والده.
وإذا كانت جذور الأم اسكتلندية، فإن جذور الأب تعود إلى ألمانيا التي جاء منها أجداد دونالد ترمب المهاجرين إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر الميلادي، ولهذه الجذور البيضاء تأثير شديد على شعوره بالانتماء لعرق متميز، وعدم اكتراثه بأي جذور أخرى للآخرين.
تزوج والده من والدته عام 1936، وأنجبا خمسة أطفال؛ ثلاثة أولاد توفي أكبرهم وبنتان المعروفة منهما الشقيقة الكبرى ماري آن ترمب باري، وتبلغ من العمر حاليا 78، وكانت قاضية شهيرة في محكمة استئناف فدرالية.
بعد تخرج ترمب في عام 1968 انضم إلى شركة والده العقارية المعروفة باسم مؤسسة ترمب العقارية التي كان أكثر نجاحا لها هو بناء وتأجير المجمعات السكنية.
وركز دونالد في البداية على الطبقة المتوسطة أسوة بوالده بتأجير الشقق السكنية في بروكلين وكوينز، وعمل على تنشيط وتحديث مجمع سكني يدعى سويفن فيلج في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو فحول 1200 وحدة سكنية، من نسبة شغور 66 في المائة إلى نسبة امتلاء 100 في المائة في غضون سنة واحدة. وما لبث أن باع المبنى ذاته بـ12 مليون دولار، محققا ربحا من الصفقة يبلغ 6 ملايين دولار.
وفي عام 1971 انتقل ترمب إلى مانهاتن، حيث الفرص الاقتصادية والمشاريع الكبيرة وحول فندق كومودور المفلس إلى فندق غراند حياة الناجح، فعلمته التجربة أن النجاح يبدأ بالإفلاس، فاستمر في استغلال معاناة مدينة نيويورك من مصاعب تهدد بعض مقاطعاتها بالإفلاس فحصل على تنازلات وتخفيضات هائلة في ضرائب العقارات ساعدته على التوسع في مشاريعه، إلى أن امتلك في مانهاتن مئات الآلاف من الأمتار المربعة التي لم تعد تقدر بثمن حاليا.
ولاحقًا، بدأ ترمب بتأسيس منتجعات ترمب الترفيهية التي تدير الكثير من الكازينوهات، والفنادق وملاعب الغولف والمنشآت الأخرى في جميع أنحاء العالم. لكن توسعه في بعض المشاريع التجارية أدى إلى تصاعد الديون عليه في أوائل التسعينات، فضلا عن تزايد الأخبار عن علاقاته خارج نطاق الزوجية، الأمر الذي تسبب في طلاقه من زوجته الأولى، إيفانا ترمب. وعلى الرغم من أنه عزز أعماله التجارية بقروض إضافية وتأجيل مدفوعات الفائدة، إلا أن زيادة الديون عليه بحلول عام 1991 أجبرت ترمب إلى إشهار الإفلاس التجاري وأصبح على حافة الإفلاس الشخصي. وفي 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1992، اضطر فندق ترمب بلازا لتقديم طلب من الفصل 11 لقانون الإفلاس الأميركي بعد أن عجز عن دفع أقساط الديون. وبموجب حكم قضائي، وافق ترمب على التخلي عن حصة 49 في المائة من الفندق الضخم للمقرضين مقابل الاحتفاظ بمنصبه كرئيس تنفيذي للشركة المالكة للفندق.
وبحلول منتصف التسعينات، كان ترمب قد تمكن من تسديد جزء كبير من الديون الشخصية وخفض الديون التجارية بعد أن خسر بعض ممتلكاته لبنك تشيس مانهاتن، ومقرضين آخرين في سبيل أن يتمكن من الحفاظ على ممتلكات أخرى.
وقد سمح له الملاك الجدد بأن يضع اسمه الذي أصبح علامة تجارية على المباني التي ارتفعت قيمتها وقيمة ممتلكاته المتبقية فتمكن من تحويل 3 مليارات من الديون إلى ما يوازيها من الثروة العقارية أو يزيد.
وفي عام 2001، أتم برج ترمب الدولي، الذي احتوى على 72 طابقًا ويقع هذا البرج السكني على الجانب الآخر من مقر الأمم المتحدة. كذلك، بدأ بناء «ترمب بلس»، وهو برج متعدد الخدمات على جانب نهر هدسون. وامتلك ترمب مساحات تجارية في «ترمب إنترناشيونال أوتيل آند تاور»، الذي يتألف من 44 طابقًا للاستعمال المختلط (فندق وشقق سكنية).
وطوال السنوات العشر اللاحقة كان ترمب يحقق نجاحات ويعمد إلى حل مشكلات أي مشروع فاشل يقدم عليه بإعلان إفلاس الشركة المسؤولة عن المشروع، وهو إفلاس لا يلحقه شخصيا بالأذى بقدر ما تعيد به أي شركة من شركاته التي قد تمنى بالفشل جدولة ديونها والنهوض من جديد.
* تحقيق النجومية
ورغم النجاحات المتتالية التي حققها من الصفقات التجارية، فإن حبه للأضواء وحياة النجومية ظل مهيمنًا على وجدانه ولم يقو على التخلي عنه منذ أن فكر في دراسة السينما قبل الاقتصاد.
ولإرضاء هذه الرغبة، عمل على تقديم برنامج ترفيهي على محطة «إن بي سي»، واضطر في البداية لأن يدفع للمحطة مقابل تقديم البرنامج. ولكن سرعان ما حقق البرنامج نسبة مشاهدة عالية وأرباحا من الإعلانات، فأصبحت المحطة تدفع له كأكثر النجوم تقاضيا للأجور. كما عمد إلى تنظيم مسابقات ملكات جمال الكون وابتكار أنشطة كثيرة تكسبه الأضواء التي يعشقها.
كانت آخر صفقات ترمب الناجحة هي التي عقدها مع آخرها مع الناخبين الأميركيين لتسليم البيت الأبيض له لمدة أربع سنوات، مقابل أن «يجعلهم يكسبون مثلما ظل يكسب هو طوال حياته»، و«استعادة عظمة أميركا المفقودة، وإنقاذ الأميركيين من البطالة وتوفير الوظائف بإعطاء الأولوية للمنتجات الأميركية، وإقامة الأسوار أمام تدفق المهاجرين واللاجئين». وباختصار: «جعل أميركا أولاً...».
وبصفته رجل أعمال، فإنه يدرك جيدا أن أعظم خطوات النجاح لا تأتي إلا بعد فشل، لكنه يرفض اعتبار الفشل واردًا أو القبول به مسبقًا. ولهذا، عندما خاض حملته الانتخابية لإنجاز آخر صفقة مهمة في حياته، كان يتلقى أسئلة عن خياراته في حال فشله في الحصول على أصوات كافية، فلم يكن يقبل بالرد على مثل هذه الأسئلة وإنما يؤكد تصميمه على النجاح، ويزعم مسبقًا أن النتائج ستكون مزورة إذا لم يكن هو الفائز بها.
وعلى الجانب الآخر، كانت منافسته هيلاري كلينتون ترد بدبلوماسية فائقة بأنها ستقبل النتائج كما هي وأن خسارتها لن تكون نهاية العالم. ويبدو أن نتائج الانتخابات قد أثبتت اعتقادًا سائدًا في الذاكرة الشعبية أن التفاؤل بالنجاح يساعد على تحقيق النجاح، وأن التشاؤم أو الاستعداد المسبق للفشل هو نصف فشل في حد ذاته.
وقليلون جدا هم من كانوا يتوقعون أن يصل ترمب إلى مرحلة المنافسة مع كلينتون، فقد كان الاعتقاد السائد بأن الرجل مثير للجدل ويفتقد لأدنى الخبرات التي تؤهله لتمثيل الجمهوريين أمام صاحبة الشعبية الكاسحة هيلاري كلينتون، ناهيك بقدرته بالفوز عليها. وليس هذا فحسب، بل سارع سياسيون كبار جمهوريون وديمقراطيون على حد سواء بالجزم أن شخصا مثل دونالد ترمب لا يمكن أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة على الإطلاق.
ومن بين هؤلاء الرئيس السابق باراك أوباما الذي ذرفت عيناه بالدموع عندما رأى هيلاري كلينتون تشارك في حفل تنصيب ترمب رئيسا. وكان الجازمون بأن ترمب سيكون وبالا على الحزب الجمهوري، يستندون في تقييمهم له بأنه يطلق شعارات مثيرة للجدل، ولم يدركوا حينها أن مكمن قوته كان في لغة الناس وفي ابتعاده عن اللغة النخبوية المتعالية.
* استراتيجية انتخابية ناجحة
لقد كان ترمب طوال حملته الانتخابية يجاهر بعدائه للنخب السياسية ويصف أحاديث السياسيين في واشنطن بـ«الجوفاء»، قائلاً إن السياسيين المحترفين منافقون يخادعون المجتمع بأكاذيبهم ويمارسون عكس ما يقولون.
ما كان يهمه أثناء رحلته نحو البيت الأبيض هما أمران اثنان، أولهما إثارة الجدل حوله بما يفيد حملته ويلفت انتباه الناخب إليه، وثانيًا تمثيل الأغلبية البيضاء والتعبير عن مكنونات «الرجل الأبيض» أو الناخب الأبيض.
وقد بدأ ترمب هذه الاستراتيجية في اليوم الأول لإعلانه اعتزامه ترشيح نفسه للمنافسة على تمثيل الحزب الجمهوري، بأن تعمد مهاجمة القادمين من المكسيك بشكل خاص، فقوبلت تصريحاته بانتقادات واسعة مهدت له طريق الانتشار، ولفتت انتباه الناخبين البيض إليه بسبب جرأته في قول ما يتردد في قوله حتى المواطن العادي من الأغلبية البيضاء، غير أن النتائج اللاحقة أثبتت أنهم يتفقون معه.
واستمر ترمب على المنوال ذاته، ينفذ خطته الإعلامية بنجاح، مستفزًا مناصري هيلاري كلينتون، التي وصفها بـ«السياسية المحتالة». وهاجم كذلك شرائح أخرى مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم. لكن ردود الفعل من شرائح المجتمع الأميركي التي تعرضت للإساءة لم تكن قوية بالقدر الذي كان يأمل ترمب، فوجد ضالته لاحقًا في المسلمين بالتزامن مع أحداث تخدم هدفه، لكنه بذلك لم يستفز المسلمين فقط بل جميع الرافضين للتمييز الديني، سواء لدواع سياسية أو كمبدأ يؤمنون به.
لكن صدق ترمب في تعبيره عن مكنوناته وبساطة لغته كانا أجدى نفعا مما يصفه بـ«أكاذيب» جميع منافسيه الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. فرغم ما في طروحاته من تمييز جنسي وعرقي وديني، فإن هذه الصراحة حققت له نجاحًا عجز عن تحقيقه الآخرون، حسب ما دلت عليه استطلاعات الرأي العام منذ أول إساءة له ضد المكسيكيين حتى تفجيره القنبلة المدوية ضد المسلمين عندما طالب بمنع دخولهم الأراضي الأميركية.
واتخذ ترمب استراتيجية نابعة على ما يبدو من خبرته التجارية، فلم يعط بالاً لما يسمى بالذوق السياسي، ولا اهتمامًا برأي النخب وشعاراتها الرنانة، بقدر ما ركز كل همه على إرضاء الأغلبية الأميركية البيضاء التي يستمد منها عصبويته السياسية.
* المسيرة السياسية
في أكتوبر 2007، ظهر ترمب في برنامج لاري كينغ لايف وشن هجوما لاذعا على الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش الابن بسبب تداعيات غزو العراق. وقال إن أي مرشح للرئاسة يطالب بإرسال المزيد من القوات إلى العراق لن يفوز بالانتخابات.
لكن تعليقاته السياسية قبل أن يرشح نفسه للرئاسة كانت نادرة وأقل إثارة، مما هي عليه بعد قراره خوض المعترك السياسي.
وكان ترمب منذ البداية يدرك تمامًا أنه مهما كانت قدرته في الاستغناء عن الجمهوريين ماليًا أو الاستغناء عن المتبرعين من جماعات الضغط، فإن قدرته كفرد على حشد الناخبين الداعمين له لا تقارن بإمكانيات حزب كبير يطمح في الترشح باسمه. وكان يدرك أن ليس بمقدوره على الإطلاق أن ينجح في الوصول إلى البيت الأبيض، إلا بصفقة يعقدها مع الحزب الجمهوري للقبول به مرشحا عن الحزب. وقد تم له ذلك بسبب استمرار تصدره لقائمة المرشحين في الانتخابات التمهيدية. ولكن الحزب الجمهوري المحافظ لم يقدم على مغامرة اختيار ترمب إلا على مضض امتثالا لرغبة الناخبين.
وكان قادة الحزب الجمهوري يخشون من تبعات سجل ترمب العائلي الذي يعتقد بعض الجمهوريين أنه سجل ينم عن انفتاح أو ليبرالية، لا عن محافظة أو إيثار للقيم العائلية. كما أن تبرعاته لسياسيين ديمقراطيين وجمهوريين في وقت واحد كانت تجعلهم يعتبرونه تاجرا سياسيا، أو سياسيا تاجرا أكثر من كونه مؤطر حزبيا.
ومن النقاط التي كان الجمهوريون يخشون من أن يثيرها الحزب المنافس لهم في حال القبول بترشيح ترمب حياته الزوجية التي لم تكن مستقرة؛ إذ إن ترمب تزوج من مواطنة تشيكية هي إيفانا ترمب وأنجبا ثلاثة أطفال: دونالد الابن، وإيفانكا وإريك. وفي عام 1992 انفصلا عن بعضهما. وفي عام 1993، تزوج مارلا مابلس وأنجبا طفلا واحدا لكنهما انفصلا في 1999. ويقال إن سبب الانفصال هو علاقات ترمب الواسعة خارج نطاق الزوجية، وهو الأمر الذي يرفضه الجمهوريون المحافظون بشدة.
وإلى جانب ذلك، كانوا يخشون أن يفقدهم ترمب بعض قواعدهم الانتخابية بين الأقليات التي يهاجمها. إلا أنه كان يتعمد أن يخسر غالبية الأقليات من أجل أن يكسب كامل الأغلبية البيضاء، فكل ناخب من الأقليات يفقده ترمب يحصل بديلا عنه. في المقابل، فإن هذه الأغلبية تدرك أنه من دون أشخاص في مثل جرأة ترمب يسكنون البيت الأبيض، فلن تظل أغلبية بل ستفقد اللقب لغيرها خلال عقود قليلة مقبلة.



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».