الغرب في مأزق بسبب مقاتلي «داعش»

من أوروبا إلى سوريا... والعكس

عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
TT

الغرب في مأزق بسبب مقاتلي «داعش»

عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يستعرضون في مسيرات بمدينة الرقة قبل بدء حرب قوات التحالف ضد التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)

حذر خبراء ومحللون من أن الغرب يواجه مأزقًا خطيرًا مُتمثلاً في عودة مُقاتلي تنظيم داعش الإرهابي إلى دولهم عقب الخسائر التي يمنى بها التنظيم بشكل يومي في أرض «الخلافة» (المزعومة) بسوريا والعراق. مؤكدين أن {الخطورة الأكبر التي تُسبب للغرب فزعًا ورعبًا ليس في العمليات التي قد يقوم بها عناصر التنظيم، بل في التمدد الداعشي داخل هذه الدول والدعوة لمبادئ التنظيم واكتسابه أعوانًا وأنصارًا ومؤيدين ومتعاطفين جُددًا، وحينها قد يكون من الصعب السيطرة على زحفهم وانتشارهم. ويرى المحللون أنه حال تضييق الغرب على عناصر «داعش» ستنحصر مهمتهم في تجنيد العناصر الجديدة لضمان مورد دائم بعيدًا عن أنظار السلطات. ومع أن البعض قد يظنون أن رجوع عناصر التنظيم لدولهم قد يُثنيهم عن تطرف أفكارهم وإعلان التوبة، فإن هذه العناصر ستتسلل وتتخفى بانتظار إيجاد مناخ يناسب تكتيكها العسكري.
حددت إحصائيات وتقارير عدد المُقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بنحو 20 في المائة من العدد الإجمالي المقدّر لعديد التنظيم. وهذا يعني أن هناك ما يقرب من 4 آلاف مقاتل أوروبي داعشي، مما يستتبع القول إن الغرب أمام مواجهات حقيقية. وإزاء تحذير الخبراء والمحللين من أن الغرب يواجه مأزقًا خطيرًا الآن، توقّعت دراسة مصرية أعدتها دار الإفتاء بمصر أن تصاحب تداعيات عودة المُقاتلين الأجانب مع صفوف الجماعات المتطرفة إلى بلدانهم أزمات أمنية كبرى، خصوصًا أن منهم من يعتزم تنفيذ عمليات انتحارية في تلك الدول انتقامًا لهزائم «داعش» في الشرق الأوسط.
معدو الدراسة أوضحوا أن «عودة المُقاتلين الأجانب إلى الدول الغربية يُعد تحديًا رهيبًا أمام تلك الدول لما يمثله هؤلاء من مخاطر محدقة على الأمن القومي والاستقرار المجتمعي والفكري فيها، وهي ما سيفرض على الدول تشديد الإجراءات على حدودها البرية والبحرية وفي موانئها ومطاراتها لمنع تسلل الإرهابيين المتطرفين عبر الطرق الملتوية، وكشف أي وثائق سفر مزوّرة».
الكلام السابق أكدته تحقيقات وتقارير أوروبية كشفت عن أن «داعش» اعتمد خطة لإعادة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا منذ بضعة أشهر، بعد توقيعهم على استمارات خاصة تتضمن عزمهم على تنفيذ عمليات في أوروبا، وهو ما عده مراقبون بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت وفي أي مكان بالعالم. كما هو معروف، يتوعد «داعش» الغربيين دائمًا بهجمات «تُنسيهم» - على حد زعمه، هجمات نيويورك يوم 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. ولقد توعد أخيرًا في تسجيلات الدول المُنضمة للتحالف الدولي ضده، من بينها أميركا وروسيا وبعض الدول العربية، بتنفيذ هجمات عنيفة، «ما لم يكفوا» عن دعم أميركا في هجومها على أراضي «دولته» المزعومة في سوريا والعراق.
* عمليات وتجنيد
الخبير الأمني المصري، العميد السيد عبد المحسن، أكد أن «كثيرًا من عناصر (داعش) عادوا بالفعل لدولهم للقيام بأعمال إرهابية والمُساعدة في تجنيد مُوالين جُدد للتنظيم في أوروبا، وإقناعهم للقيام بأعمال متطرفة عقب خسائر التنظيم الأخيرة في سوريا والعراق». وأردف: «حال تضييق الدول على هذه العناصر عند عودتهم ستنحصر مُهمتهم في تجنيد الشباب والفتيات والعناصر الجديدة، من أجل ضمان مورد دائم لتجنيد مقاتلين جُدد لصفوف التنظيم بعيدًا عن مُراقبة سلطات هذه الدول». ويتوافق هذا الرأي مع قول الدراسة المصرية إن دول العالم باتت تعيش حالة من التأهب لمواجهة التهديدات المحتملة من مقاتلي «داعش» العائدين إليها، خصوصًا دولاً مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا. وأكدت الدراسة توعد التنظيم بشن هجمات إرهابية مستقبلية في أوروبا انتقامًا من الهزائم التي لحقت به في سوريا والعراق وليبيا، مشددة على «أن محاربة الإرهاب لا تتحدد في جغرافيا، وأنه لم تعد هناك دولة بمأمن عن الإرهاب»، لذلك ينبغي اعتماد معالجات حقيقية لمحاربة الإرهاب والتطرف، وعدم اقتصار ذلك على تهديدات المقاتلين الأجانب في أوروبا فقط، بل في جميع أنحاء العالم.
وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي المصري الدكتور محمد أحمد الدش، إن التطورات الأخيرة في المواجهة مع «داعش» وهزائمه المتلاحقة «كشفت عن ترك بعض جنوده مناطق النزاع المسلح في سوريا والعراق، التي كان معظمها تحت سيطرته وقبضته والتوجه إلى دول غربية، تلك التي ينتمي إليها بعض هؤلاء الجنود، وخصوصًا ألمانيا وروسيا». وأضاف أن «أول ما يتبادر إلى الأذهان هو قيام العائدين إلى بلادهم بعمليات إرهابية داخل هذه الدول، على غرار ما حدث قبل ذلك من عمليات تفجيرية منفردة»، مشيرًا إلى أن الخطورة الأكبر التي تسبب للغرب فزعًا ورعبًا «ليست في تلك العمليات وحدها، بل في التمدد الداعشي داخل بلدانهم نتيجة الدعوة إلى مبادئ التنظيم واكتسابه أعوانًا وأنصارًا ومؤيدين ومتعاطفين، وحينها قد يكون من العسير السيطرة على زحفهم وانتشارهم، فتصبح تلك البلاد في وقت من الأوقات منطقة نزاع مُسلح».
* خطر رغم الانشقاقات
وحقًا، قال مراقبون إن «داعش» يحاول جاهدًا الآن الحد من الانشقاقات بداخله بعد كشف زيف قوته ووهم «الخلافة» المزعومة عن طريق مُصادرة جوازات سفر المنتسبين إليه ليضمن عدم هروبهم من التنظيم، وهذا، فضلاً عن إعدام مقاتليه الذين حاولوا الفرار من مواجهة القوات العراقية بتهمة الخيانة العظمى والسعي للانشقاق عن التنظيم. كذلك لفت المراقبون إلى أن جميع عمليات الإعدام التي ينفذها «داعش» إنما ينفذها في الأماكن العامة وأمام نظرائهم من المقاتلين، كنوع من التخويف وبث الفزع في نفوس المُقاتلين، حتى لا يفكروا في العودة إلى بلدانهم. ومن ثم، أكدوا أنه رغم ما يقوم به «داعش» ضد عناصره في سوريا والعراق، فإن بعض هؤلاء قد ينفذون جرائم وعمليات قتل في دولهم عند العودة نتيجة تشبعهم بأفكار التنظيم في القتل والتخريب.
والجدير بالذكر، أن «داعش» استهدف منذ ظهوره عام 2014 تجنيد أكبر عدد ممكن من المسلمين في الدول الأوروبية لأهداف استراتيجية، مستغلاً في ذلك حالة التخبط التي يعانيها الشباب في أوروبا، إما بسبب التهميش الاجتماعي أو غياب الوعي الديني الصحيح. وبالفعل ارتفعت أعداد المنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية خلال عامي 2014 و2015 ارتفاعًا ملحوظًا، وخصوصًا من فرنسا وبريطانيا، الذين توجه أكثرهم إلى سوريا. وفي فرنسا خصوصًا، أعلنت الحكومة خلال أبريل (نيسان) من عام 2014 أنها ستتبنى خطة لمعالجة مشكلة الفرنسيين الذين توجهوا إلى سوريا للقتال في صفوف «داعش». وفي المقابل، غير «داعش» لهجة تهديده لأوروبا من مُجرد عبارات رنانة تتوعد بالقتل وغير قابلة للتصديق مثل «لن تهنأ أميركا» و«سنفتح أوروبا»... إلى تهديدات حقيقية بتنفيذ عمليات فردية نفذها بالفعل أفراد يعيشون في الدول المهددة. وهذه الاستراتيجية أطلق عليها التنظيم «الذئاب المنفردة» حيث يقوم العنصر - بحسب الخبراء - بعمليات قتل وتفجير دون الرجوع لقيادة التنظيم الأم.
الدكتور الدش، وهو مدرّس للدعوة والثقافة الإسلامية بمصر، شدد على أن عودة المقاتلين الدواعش إلى دولهم لها تبعاتها على تلك الدول، ولا بد أن تكون البداية برصد تحركات عناصر التنظيم ودراسة منهجهم في التخطيط وأساليبهم في التخفي والقتال، وكذلك تكثيف المراقبة الأمنية على المواطنين. ولفت إلى أنه لو نجح «داعش» في التمدد والزحف الذي يطمح له «لا شك، سيؤثر سلبًا على تلك الدول سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا... سياسيًا بانشغال الساسة وأصحاب الرأي في كيفية المواجهة وسبل القضاء على تلك العناصر، واجتماعيًا بالترقب والحذر والرعب الذي يسود المجتمع نتيجة الإرهاب والتفجيرات المحتمل وقوعها في أي لحظة وأي مكان، واقتصاديًا بالتدمير والخراب الذي يلحق بتلك الدول وبنيتها ومواردها الاقتصادية». وتابع الدش أن «هذا ما يمكن أن يكشف المستقبل النقاب عنه، ولعل تلك الدول تعلم خطورة ذلك فتكثف جهودها في إجهاض محاولات التنظيم في التسلل داخل مدنهم لإيقاظ خلاياه النائمة وإحياء دعوته الدموية داخل تلك الدول الغربية». واستطرد: «قد يظن البعض أن رجوع عناصر هذا التنظيم المندحر إلى دولهم في الغرب يمثل نوعًا من الانثناء عن تطرف أفكارهم، وإعلان التوبة عن جرائمهم المنكرة. ولكن التكوين النفسي والعقلي لهؤلاء لا يُنبئ عن ذلك في أغلب أحوالهم، ولو صدقوا في ذلك لأعلنوا عن أنفسهم وتقدموا لمحاكمات عادلة تطهرهم وتغسل أيديهم من دماء الأبرياء. إنهم لا شك سيتسللون وسيتخفون لإيجاد مناخ جديد يُناسب تكتيكهم العسكري، وتجنيد عناصر جديدة لإلحاق الدمار والخراب والإتيان على الأخضر واليابس».
* استراتيجية لمكافحة الإرهاب
وفي هذا السياق، طالبت دراسة دار الإفتاء بإيجاد استراتيجية لمكافحة الإرهاب تلتزم بها جميع دول العالم، لافتة إلى أن «المبادرة التي دعا إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتشكيل اتحاد عالمي لمكافحة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها (داعش)، أصبحت ضرورة ملحة تجدر الاستجابة الفورية لها». كذلك حثت الدراسة جميع دول العالم إلى مراجعة السياسات الأمنية والدفاعية وتشديد الإجراءات على حدودها البرية والبحرية وفي موانئها ومطاراتها، مما لا يدع مجالاً لتسلل مقاتلي «داعش» أو غيره من التنظيمات المتطرفة، خصوصًا، أن هؤلاء أصبحوا على دراية بسلوك طرق ملتوية واستخدام وثائق سفر مزورة للعودة إلى أوطانهم، فضلاً عما يحملونه من أفكار متطرفة وأساليب مخادعة، يمكنهم بها جذب مزيد من العناصر لتشكيل خلايا صغيرة تعمل على تنفيذ عمليات انتحارية وإثارة القلاقل في تلك الدول. ودعت أيضًا دول العالم إلى تطوير مزيد من الأدوات «لوأد التطرف العنيف، وأن تعمل على إعادة تأهيل العناصر المتطرفة العائدة من مناطق الصراع إلى جانب التعامل الأمني معهم»، مؤكدة أن دول العالم بحاجة إلى توسيع أدوات التعامل مع المقاتلين العائدين إلى بلدانهم.
* اليقظة مطلوبة
وحول كيفية تصدي الدول للمقاتلين الأجانب عند عودتهم لدولهم، قال الأكاديمي الدكتور حامد المكاوي، إن «على الدول أن تكون يقظة في كل وقت، وأن تقوم بتتبع الجهلاء من هذه العناصر في دولهم، لأن ما يقرب من 75 في المائة منهم غير جامعيين اقتصر تعليمهم على مراحل قبل الجامعة، وينبغي عقد دورات دينية ونفسية لهم تحصنهم من استقطاب تلك الجماعات المتطرفة، فضلاً عن تأمين الحدود والتعامل مع كل من يرفض الوقوف للتحقق من شخصيته واستعمال كاميرات مراقبة ووسائل حديثة وكمائن»... وهذا، فضلاً عن مراقبة مجلة «دابق» الداعشية، أحد منابر التنظيم الإعلامية، على الإنترنت، فهي مصدر موثوق وحقيقي لفهم كيف يُفكر الدواعش في التعامل مع الأجانب الفارين لدولهم.
* الأطفال والأرامل
في غضون ذلك، تفيد التقارير بأن «داعش» يقوم بتنفيذ مخطط خطير لمواجهة هروب مقاتليه الأجانب وعودتهم إلى دولهم، وذلك عن طريق الاعتماد على الأطفال والأرامل للقيام بمهام مقاتليه في القتل والتفجير. وحسب الدراسة المصرية، فإن التنظيم ماضٍ في تنفيذ خطة لإعداد جيش جديد من الأطفال يدعم صفوفه، ويطلق عليهم «أشبال جند الخلافة». وهم الأطفال ما فوق العاشرة ودون الخامسة عشرة، ممن فقدوا ذويهم في عمليات «داعش» القتالية، فضلاً عن الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن. وأرجعت الدراسة المصرية لجوء «داعش» لهذا التدبير إلى ضعف الدعم اللوجيستي المقدم للتنظيم نتيجة تضييق الخناق عليه، ونقص القوة العددية نتيجة انفضاض مؤيديه عن التنظيم فكريًا، مما كان له عظيم الأثر في الحؤول بينهم وبين الانضمام لصفوف التنظيم، فكان سببًا رئيسيًا في هذه القلة العددية.
وبالفعل، تشير أحدث المعلومات إلى انخفاض عدد مقاتلي «داعش» في كل من سوريا والعراق إلى أقل من 22 ألف مُقاتل، مع أنه كان يُقدر في وقت سابق بنحو 30 ألف مُقاتل، وذلك بسبب تأثير الضربات التي يشنها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية التي تسببت في مقتل كثير من مقاتليه في الشرق الأوسط.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».