روائيون سوريون: لا يمكن لأي عمل أن يعكس حياة ثورة كاملة

كتابات موضوعية... منحازة... متسرعة؟

الثورة السورية في بدايتها - غلاف «الروائي يقرع طبول الحرب»
الثورة السورية في بدايتها - غلاف «الروائي يقرع طبول الحرب»
TT

روائيون سوريون: لا يمكن لأي عمل أن يعكس حياة ثورة كاملة

الثورة السورية في بدايتها - غلاف «الروائي يقرع طبول الحرب»
الثورة السورية في بدايتها - غلاف «الروائي يقرع طبول الحرب»

قد تأتي الكتابة الإبداعية عن الأحداث الجسيمة متأخرة كثيرًا؛ فقد ينتهي الحدث بسنوات قبل أن يعبر الكاتب عن رأيه الروائي بما حدث، فلم تصدر أعمال روائية، إلا فيما ندر، أثناء أو بعد زمن قصير من الثورات العربية التي وقعت عبر العصور، سواء الداخلية منها مثل ثورة يوليو (تموز) في مصر أو الثورات ضد الاستعمار في أكثر من بلد عربي. أما اليوم، فإن روايات كثيرة صدرت وتصدر والحدث ما يزل طريًا. وساعد على ذلك ثورة أخرى هي ثورة الاتصالات، التي سهلت الوصول إلى الأحداث ونقلها للناس بشتى الوسائل. ولكن هل هذا يخدم العمل الروائي وجودته ومصداقيته، أم يفقده كل ذلك لعدم نضج الحدث والرؤية بعد، وأيضًا ربما غلبة الآيديولوجيا أو الميل السياسي مما قد يفقد العمل قراءته الحقيقية للواقع؟
أسئلة توجهت بها إلى عدد من الروائيين السوريين المنخرطين في الحراك السياسي:
تقول الروائية السورية ابتسام التريسي التي أصدرت عددًا من الروايات عن الثورة:
تجربتي في الكتابة عن الثّورة كانت استكمالا لمشروع روائي بدأته في «جبل السمّاق» حين تناولت الثورة ضدّ المستعمر الفرنسي واستمرّ المشروع في «عين الشّمس» التي تحدّثت فيها عن فترة الثّمانينات، وواكبت الثورة في عامها الأول برواية «مدن اليمام» ثمّ كتبت عن تاريخ الاستبداد للعائلة الحاكمة على لسان معتقل قتل تحت التّعذيب في رواية «لمار» وكانت ثالث رواية «لعنة الكادميوم» تتحدّث عن تحوّل الثورة إلى السّلاح ودخول «داعش» إلى الشّمال ورصدت فيها التّحولات التي حصلت في السّنة الرابعة للثورة.
أمّا عن الشّق الثّاني من السّؤال، فتقول ابتسام التريسي:
أعتقد أنّ الرّواية المواكبة للحدث تكون أكثر مصداقية من رواية ستكتب بعد زمن طويل، لأنّ الكثير من التّفاصيل قد تضيع أو تُنسى أو تهمل عن عمد لأنّ الرؤيا قد اكتملت في أذهان الكتّاب وصار بإمكانهم محاكمة ما جرى واللعب على عنصر التّشويق والتّجميل الرّوائي من خلال اختراع أشياء وحذف أشياء.
وتضيف التريسي:
إنّ الرواية والدراما وأي عمل فني لا يمكنه «الإحاطة» بكلّ التفاصيل والأحداث التي جرت خلال السّنوات السّت الماضية، وإنّ الثّورة السورية تحتاج إلى آلاف الأعمال الرّوائية والفنية لتفيها حقّها... ملايين من السّوريين تعرضوا للقتل والاعتقال والتّهجير والنّزوح الدّاخلي والجوع والحصار والاضطهاد فكيف يمكن للرواية أن تحكي قصة هؤلاء جميعًا! لا يمكنني اعتماد توصيف «الارتقاء» فالرواية ليست في منافسة مع الواقع الثوري بل هي انعكاس لذلك الواقع لكنّها لا تعكسه كما تفعل المرآة لأنّ من يقوم بذلك العمل يتدخل في الصّياغة والتّحليل وقد يتنبأ بما سيأتي.
وحول انحياز الروائي حسب انتماءاته تقول:
قد تلعب الآيديولوجيا دورًا مهمًا في الكتابات الواقعية وخاصة في الكتابة عن تاريخ الثورات... لكن الأعمال التي كتبت عن الثّورة السورية كانت في مجملها مخلصة للحدث أكثر من إخلاصها للفكرة، ربّما لأنّ معظم من كتب عن الثّورة عاش داخلها والبعض ما زال مقيمًا في سوريا مثل الروائي خالد خليفة.
الناقد والروائي عبد الرحمن حلاق يقول:
بداية لا يمكن لأي عمل روائي أن يعكس حياة ثورة كاملة، وأجد من الإجحاف أن نقول إن هذا العمل ارتقى إلى مستوى الحدث وذلك لم يرتق. فثورة كثورة الشعب السوري لن تكفيها آلاف الروايات، لقد أصبح كل مواطن سوري بحد ذاته بطلا لرواية مختلفة، لذلك أرى أنه كلما كثرت الكتابات كلما لملمنا شمل هذه الأحداث الجسيمة لنخرج في نهاية المطاف بتصنيف أدبي خاص بأدب الثورة السورية. وقد تم إنجاز الكثير من الأعمال الروائية المهمة وذات المستوى التقني العالي وكل منها يعكس جانبًا مهمًا من الجوانب المتعددة للثورة السورية. وإذا كانت بعض الروايات قد أخذت منحى تسجيليًا فإن روايات أخرى جاءت سردية تعنى بخطوط درامية وتلاحق الحدث ضمن رؤيا تخيلية وفكرية واضحة. ولا أدعي الاطلاع على عدد كبير من المنجز الروائي وحديثي يقتصر على مجموعة إصدارات تمكنت من الاطلاع عليها على وجه الخصوص؛ أذكر ما كتبته الروائية ابتسام تريسي، والروائي فخر الدين فياض، وأيضًا غسان جباعي، وسمر يزبك، ومها حسن، ومحمد دركوشي، وعبد الله مكسور.
وعن الانحياز حسب التوجهات السياسية لبعض الروائيين، وهل هل هذه الأعمال الروائية جاءت في وقتها المناسب أم كانت مبكرة، يجيب حلاق:
لعل من أهم منجزات الثورة السورية أنها أسقطت فيما أسقطته تلك التوجهات السياسية والأفكار الآيديولوجية التي تعاملت مع هذا الحدث العظيم بنوع من البلاهة وعدم القدرة على التقاط اللحظة التاريخية، وقد أظهر الآيديولوجيون (اليمين واليسار) قصورًا واضحًا في فهم الحدث والتعامل مع اللحظة الثورية فقد اختلفت المعطيات على الأرض عن تصوراتهم التي كونتها الكتب فأحدث ذلك خللا وارتباكًا في تصوراتهم (طبعًا مع استثناءات قليلة جدًا). تبدى ذلك على المستوى الثقافي بوجه عام، أما على الصعيد الروائي فقد نجا الروائيون من هذا المنزلق فالروائي الحقيقي لا يمكن أن يكون منحازًا لتوجه سياسي معين وإلا أصبح مجرد بوق.
أما عن الشق الثاني من السؤال، فيقول:
لا أعتقد أن للرواية وقتًا محددًا تأتي فيه؛ فالروائي يعيش الحدث ويتفاعل معه ثم تأتي همته الخاصة في الكتابة. وأعتقد أن معظم الروايات حاولت أن تواكب الحدث بشكل معقول جدًا، ويبقى المدى مفتوحًا بشكل واسع على كتابات قادمة. إلا أن الثابت دائمًا في مثل هذه الأحوال أن تكون هناك مسافة بين الزمن الحقيقي والزمن الكتابي كي يكون الكاتب أكثر موضوعية وإلمامًا بخفايا الموضوع المتناول.
أما الروائي السوري المقيم في بريطانيا هيثم حسين فيقول:
لم أخض تجربة الكتابة الروائيّة عن الواقع السوري بعد انطلاق الثورة وما تبعها من تداعيات مفجعة، ودخول نفق الحرب التي أعلنها النظام على الشعب، لكنّني حاولت مقاربة واقع الحرب في السنة الأولى من الثورة في كتابي «الروائي يقرع طبول الحرب» حين كنت في ريف دمشق، وكانت الاشتباكات تستعر في المناطق القريبة منّي، وكان النظام قد بدأ مرحلة الانتقام وإحراق البلد بشكل فعليّ. درست في هذا الكتاب تجارب عدد من الروائيين الذين خاضوا غمار الكتابة عن الحروب، أو عانوا من ويلاتها بطريقة ما، أو دوّن بعضهم جانبًا من تجربته في الحرب، وكيف أنّهم لعنوا الحروب ومفتعليها وجاهدوا لإيصال أصواتهم المندّدة بها إلى الآخرين، عساهم يستطيعون لفت الانتباه إلى جزء من الكوارث التي تستطيل وتتكاثر على هوامشها، لكن للأسف لا يكون هناك اعتبار، لا من تجارب الآخرين، ولا من حروبهم، وكأنّ على كلّ شعب أن يعيش حروبه وكوارثه عساه يستقي منها العبر تاليًا، وذلك بعد أن يكون أوان الاعتبار قد فات وطال التدمير كلّ مناحي الحياة، ولغّم المستقبل أيضًا. كتبت في روايتي «إبرة الرعب» عن الفساد الإجرامي الذي كان قد تفشّى، وعن المساعي المتراكمة الدؤوبة لتلويث القيم الإنسانيّة في المجتمع السوري، وقلبه على تاريخه وأخلاقياته وتعميم آليات الانتقام بين أبنائه. وأحاول في روايتي الجديدة التي ستصدر في الفترة القريبة المقبلة مقاربة جانب من التشريد السوري والشتات الذي أصبح صورة عالميّة حاضرة بشكل يوميّ، وكأنّ موتنا اليومي لم يعد مثار اهتمام عالم يدّعي التحضّر والمدنيّة. لا يخفى أنّ الحدث السوري كبير لدرجة تستحيل الإحاطة به من مختلف جوانبه، ويبقى أي عمل يحاول مقاربة جانب منه محكومًا بالنسبيّة والاقتصار على زوايا بعينها، هناك أعمال صدرت اتّسمت بالنضج، حاولت التقيّد بفترة زمنيّة بعينها من عمر الثورة، مع الحفر في التاريخ السوري الحديث، وهناك أعمال أخرى أقلّ نضجًا صدرت في بدايات الثورة وتراكمت بعدها لكنّها ظلّت محكومة بالانفعال والحماسة أكثر من النضج والعمق. أمّا بالنسبة لوقت الكتابة أو إصدار الأعمال، فأعتقد أنّ الوقت دائمًا مناسب للكتابة والنشر، لأنّ الحياة تمضي وتغرقنا كلّ يوم بتفاصيل جديدة، ومع تراكم الأحداث والمواقف يكون انتظار اكتمال الأحداث للكتابة عنها نوعًا من انتظار عدم لا يتحقّق، لأنّ الأحداث ستظلّ متجدّدة متناسلة بطريقة رهيبة، ولا سيما في واقع الحرب وما بعده، حيث سنشهد حروبًا متناثرة وجبهات تشتعل هنا وهناك بين الفترة والأخرى، لذلك فإنّ تمثيل انتظار مجهول يظلّ مثار تخمين يكون نوعًا من عبث حياتي وأدبي لحلم لا غير. ينبغي أن يكتب الروائيّون أعمالهم، ليكتشفوا بعد ذلك ثغرات معينة فيها ويحاولوا تداركها في أعمال لاحقة، وهكذا دواليك تتجدّد الكتابة بتجدّد الحياة نفسها، ويبقى الزمن شاهدًا ومغربلا».



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.