تقييم «سي آي إيه» لـ«الإخوان»: قوتهم في شبكتهم المالية وضعفهم في صراعاتهم

محللو الاستخبارات المركزية: الجماعة قادرة على كبح جماح التنظيمات الأكثر تطرفًا... ولكن لا يؤمن جانبهم

رغم مظاهرات الإخوان في ثورة يناير فإن تقرير «سي آي إيه» أكد أنهم لا يؤمن جانبهم
رغم مظاهرات الإخوان في ثورة يناير فإن تقرير «سي آي إيه» أكد أنهم لا يؤمن جانبهم
TT

تقييم «سي آي إيه» لـ«الإخوان»: قوتهم في شبكتهم المالية وضعفهم في صراعاتهم

رغم مظاهرات الإخوان في ثورة يناير فإن تقرير «سي آي إيه» أكد أنهم لا يؤمن جانبهم
رغم مظاهرات الإخوان في ثورة يناير فإن تقرير «سي آي إيه» أكد أنهم لا يؤمن جانبهم

من بين أهم الوثائق السرية التي نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هذا الأسبوع في موقع الوكالة على شبكة الإنترنت، بعد إزالة ستار السرية عنها، تحليل عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية، يعود تاريخ إعداده إلى شهر أبريل (نيسان) من عام 1986، وتضمن توقعات تحقق كثير منها، خلال الثلاثين عاما التي تلت كتابته.
وفي الوقت الذي يكشف فيه التحليل عن جوانب قوة الجماعة مقابل مكامن ضعفها، فإن أهميته تكمن في أنه يفسر أسباب التذبذب في الموقف الأميركي من الإخوان، ويكاد التحليل يوحي بأن الولايات المتحدة، وليس الإخوان، من طبق فقه الضرورة في التعامل مع الآخر، إذ إن محللي الاستخبارات الأميركية ينظرون إلى الإخوان على أنهم يمثلون أهون الشرين بالمقارنة مع الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفا. ويقر معدو التحليل - الذين لم تنشر أسماؤهم - بأن تمكين جماعة الإخوان المسلمين من بسط نفوذها على المجتمع المصري سوف يلحق الضرر بالمصالح الأميركية، ولكن في المقابل، فإن الصدام مع الجماعة التي يبلغ عدد أعضائها وقت كتابة التقرير 500 ألف عضو يشكل تهديدا أكثر خطورة على الأمن الأميركي.
وطبقا لفهم الاستخبارات الأميركية، فإن الإخوان المسلمين لهم أهداف استراتيجية بعيدة المدى وأخرى تكتيكية آنية. وتتمثل الأهداف البعيدة في إقامة مجتمع أصولي وإبعاد التأثير الغربي تمهيدا لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، كما يراها الإخوان، في دولة تفصل بين الرجال والنساء وتمول مؤسساتها من الزكاة كنظام ضرائبي بديل. أما الهدف الآني الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين تعمل على تحقيقه في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ولم تتمكن من ذلك حتى الآن فهو استعادة شرعيتها بإزالة الحظر القانوني عليها، بما يمكنها من ترسيخ تفوقها على الجماعات الأصولية المنافسة كافة.
ولتحقيق الهدف المرحلي المؤدي للهدف الأبعد، بدأ الإخوان - وقت كتابة التقرير - في إظهار نوع من التعاون مع الحكومة المصرية، ضد الجماعات الدينية الأكثر تشددا، بالتوازي مع استمرار التركيز على اختراق مؤسسات التربية والتعليم والنقابات المهنية والاتحادات الطلابية، فضلا عن تنويع مصادر الربح والتوسع في الأنشطة التجارية التي ترفد الجماعة بإمكانات مالية ضخمة.
وكشف التقرير عن لقاءات أميركية تمت مع ممثلين عن الإخوان لم يسمهم، خلال الثلاث سنوات السابقة على كتابة التقرير. ولم تقتصر اللقاءات على «الإخوان» المصريين فقط، بل امتدت لتشمل ممثلين عن تنظيمات الإخوان المسلمين في كل من الأردن والكويت واليمن الشمالي وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يوضح كاتبو التقرير أين تمت اللقاءات ومتى على وجه التحديد، لكنهم أشاروا إلى أن قيادات الإخوان المسلمين من جميع البلدان الوارد ذكرها يلتقون بصورة شبه دورية في أوروبا، بغرض التخطيط والتنسيق لأنشطة تنظيماتهم. (لم تشر الوثيقة إلى وجود تنظيم دولي لـ«الإخوان»، وإنما اعتبرت التنظيمات الموجودة في الدول العربية مجرد فروع للجماعة الأم في مصر).

موالاة مبارك
ومن الأسرار التي تتعلق بجماعة الإخوان المصرية، وتطرق التقرير إليها؛ أن الجماعة بدأت منذ صيف 1985 تحاول التقرب من نظام الرئيس مبارك وتستميل رجاله إلى جانبها، على أمل إغراء النظام بفكرة تشكيل تحالف معه ضد الجماعات الأكثر راديكالية. وحسب مصادر الاستخبارات الأميركية فإن قادة الإخوان تمكنوا من إقناع مسؤولين كبار في نظام مبارك بأن الجماعات الأخرى، وليس الإخوان، هي من تسعى لإشعال ثورة إسلامية في مصر على نمط ما جرى في إيران عام 1979 بنسخة سنية. وقدرت الاستخبارات المركزية عدد أعضاء الجماعات الأكثر تشددا في مصر ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفا موزعين على عدد من الجماعات التي وصفتها بأنها جماعات متصارعة فيما بينها نتيجة للتنافس الشخصي بين زعمائها. وفي المقابل، فإن جماعة الإخوان المسلمين قد وصل عدد أعضائها إلى نصف مليون في تلك الفترة، وتعاني هي الأخرى من صراعات الأجنحة داخلها، خصوصا بين المعتدلين والمتشددين.
ويعتقد المحللون الأميركيون أن جماعة الإخوان قادرة بالفعل على كبح جماح الجماعات الأكثر تطرفا، لكونها جماعات منافسة تلعب في الساحة ذاتها، غير أن معدي التحليل سرعان ما يعودون في موضع آخر منه إلى التحذير من أن الإخوان لا يؤمن جانبهم؛ لأنهم جبلوا على الغدر بحلفائهم والتنصل من الشراكة مع الآخرين؛ وللتدليل على صحة هذا الاستنتاج أشار التقرير إلى أن الجماعة فشلت في أول اختبار لها من قبل النظام المصري لإثبات صدقيتها، حيث إنها دعمت المتشددين من مرشحي «الجماعة الإسلامية» في انتخابات اتحاد طلبة جامعة القاهرة على حساب المرشحين المتفق عليهم مع النظام.
ويضيف التقرير أنه رغم إنكار الجماعة الإسلامية أي دور لـ«الإخوان» في فوز مرشحيها، فإن الاستخبارات الأميركية، وفقا للتقرير، على قناعة بأن الإنفاق المالي الكبير أثناء الحملة الانتخابية لم يكن بمقدور أي جماعة تحمله باستثناء جماعة الإخوان ذات القدرة المالية الضخمة.
ويشير التقرير إلى أن الحوار لم يتوقف بين الإخوان ونظام مبارك رغم تعثره أحيانا جراء غياب الثقة، لكن المرشد في ذلك الوقت، عمر التلمساني، نجح في ترميم جزء من جدار الصدقية المفقودة، وأثبت قدرته على التعاون مع النظام في تجربة أخرى جرت في الإسكندرية، وترتب على ذلك حصول الإخوان على تنازلات من الحكومة كان من بينها السماح لهم باستئناف إصدار مطبوعتين هما «الاعتصام» و«المختار الإسلامي»، ولم تمض سوى شهور قليلة إلا وقد نجح التلمساني في الحصول على موافقة بإعادة إصدار مجلة «الدعوة» الأوسع انتشارا.
وفي الوقت الذي استمر فيه التعاون بين النظام والجماعة على استحياء فإنه لم يصل إلى درجة أن تبادر الحكومة برفع الحظر المفروض على الجماعة بصورة رسمية، وأثناء المفاوضات علمت الاستخبارات الأميركية أن نظام الرئيس مبارك وضع أمام الجماعة أربعة شروط مقابل منحها ترخيصا يعيد إليها شرعيتها.

شروط الرئيس لمنح الإخوان الشرعية القانونية
أولا: التخلي تماما عن العمل السياسي والاكتفاء بالنشاط الدعوي.
ثانيا: إعادة النظر في تحالفات الإخوان مع أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الوفد الجديد.
ثالثا: التوقف عن الاحتجاج على معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل.
رابعا: الابتعاد تماما عن محاولات التجنيد داخل الجيش المصري.
وترجح الاستخبارات الأميركية أن جماعة الإخوان رفضت هذه الشروط؛ وهو ما أعطى الحكومة المبرر الكافي للامتناع عن رفع الحظر عن الجماعة.
وفيما يتعلق بالتحالف مع حزب الوفد الجديد الذي بدأ في 1984، فقد جاء في التقرير، نقلا عن السفارة، أنه أسدى ثماره في الانتخابات البرلمانية؛ فمن بين 58 مقعدا فاز بها حزب الوفد الجديد كان نصيب الإخوان ثمانية مقاعد على الأقل؛ غير أن الإخوان كعادتهم يفتقدون للوفاء، على حد تعبير المحللين الأميركيين؛ حيث إن الإخوان الثمانية في البرلمان، تجاهلوا تماما قادة الوفد، وظلوا يصوتون بناء على تعليمات الجماعة دون أدنى تنسيق أو تشاور مع زملائهم الوفديين في البرلمان.

خطر بعيد المدى على المصالح الأميركية
خلص التحليل إلى أن تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر يشكل خطرا بعيد المدى على المصالح الأميركية باعتبار أن الجماعة بطبيعتها مناهضة للنفوذ الأميركي في العالم ولمعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، وتتوجس شرا من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، ولا يؤمن جانبها في حال التقارب معها، بسبب فقدانها للصدقية مع معظم من تحالف معها أو تقرب إليها.
وفي الوقت ذاته يرى المحللون أن إضعاف الجماعة لا يخدم المصالح الأميركية؛ لأن الفراغ الذي يمكن أن تتركه في حال الإجهاز عليها سوف تملأه على الأرجح تنظيمات أكثر تطرفا، وأقل قبولا للولايات المتحدة بالمقارنة مع جماعة الإخوان.
وتوقع المحللون في حال امتناع الولايات المتحدة عن التدخل سلبا أو إيجابا أن تتصاعد قوة الإخوان المسلمين في المجتمع المصري لما بأيديهم من شبكات مالية قوية، غير أنهم لن يشكلوا تهديدا فوريا على نظام مبارك إلا في حالتين، الأولى أن يستمر التدهور في الحالة المعيشية للمصريين إلى درجة قد تسمح لـ«الإخوان» باستغلال الوضع وتأجيج الشارع على النظام، والثانية أن يتلاشى دور التيار المعتدل في قياد الإخوان، ويسفر صراح الأجنحة داخل الجماعة عن بروز قيادات أشد تطرفا وأقل خبرة من المرشد عمر التلمساني، بما قد يستفز النظام إلى صدام مع مجتمع معبأ، وقد يصعب التحكم في النتائج.

شبكة الإخوان المالية
تضمنت الوثيقة الاستخبارية إشارة إلى أن الحكومة المصرية ساهمت دون قصد منها في رفد أفراد جماعة الإخوان بأموال ساعدتهم على بدء مشروعات تجارية صغيرة سرعان ما توسعت وأصبحت رافدا ماليا للتنظيم لا يستهان به، ويوضح التقرير أنه عقب الإفراج عن أعضاء الجماعة المسجونين منذ عهد الرئيس الراحل عبد الناصر، منحت الحكومة المصرية كل فرد منهم تعويضا ماليا يعادل ألف جنيه عن كل سنة قضاها في المعتقل. وقد يبدو المبلغ بسيطا للوهلة الأولى لكن بالنظر إلى عدد سنوات السجن الطويلة فإن الرقم تضاعف عدة أضعاف، فضلا عن أن القيمة الشرائية للجنيه المصري قبل ثلاثة عقود كانت عالية بالمقارنة بيومنا هذا.
ولم تكن المبالغ المقدمة من الحكومة مصدر التمويل الوحيد للجماعة، بل إن تبرعات المتعاطفين كانت سخية للغاية، خصوصا من مصادر خليجية ومهاجرين في البلدان الغربية. ويبقى المصدر الأساسي لتمويل الجماعة طبقا لمعلومات الاستخبارات المركزية هو شبكة الأنشطة التجارية المتشعبة التي تدر على الإخوان المسلمين أموالا طائلة بصورة قانونية. وحسب المعلومات الواردة في التقرير فإن الإخوان عمدوا إلى حماية استثماراتهم التجارية من إقدام الحكومة على مصادرتها بأن أدخلوا شركاء من غير أعضاء الإخوان واستقطبوا رجال أعمال كبارا لإدارة تلك المشروعات التجارية مع الحرص على عدم وضع الاستثمارات في سلة واحدة، إضافة إلى تجنبهم إيداع الأموال في البنوك المصرية تحوطا من استيلاء النظام عليها.
ويأتي على رأس المشروعات التجارية التي ينشط فيها الإخوان، المستشفيات، والعيادات الطبية، والمصانع الإنتاجية، وشركات الاستيراد والتصدير، وغير ذلك.
وتعدد الاستخبارات الأميركية في الوثيقة قائمة الشركات العملاقة التابعة لـ«الإخوان» أو ذات العلاقة الوطيدة بهم، زاعمة أن من بينها:
شركات للمقاولات، وبنوكا إسلامية، ومصانع لإنتاج البلاستيك، ومجموعات تجارية واقتصادية أخرى، تعتقد الاستخبارات الأميركية أنها مملوكة لأعضاء في الجماعة أو متعاطفين معها، وتدير سلسلة من الفنادق في القاهرة وخارجها.
وتشير الوثائق إلى أن رجال الأعمال الأثرياء من أعضاء جماعة الإخوان أو المتعاطفين يتبرعون بعشرة في المائة على الأقل من مداخيل أعمالهم لدعم الجماعة.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.