قبل أن يؤدي دونالد ترامب قسم الرئاسة أمس الجمعة، استبقت الشركات الكبرى ذلك بتحرك مثير للاهتمام في اتجاهه، حيث أعلنت مجموعة من الشركات الكبرى، من بينها «فورد»، و«لوكهيد مارتن»، و«أمازون»، و«سبرينت» خلال الأسابيع القليلة الماضية عن خطط للتوظيف، والاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية. وقد زار عدد كبير من المسؤولين التنفيذيين في الداخل ومن الخارج برج «ترامب تاور» سعيًا للحصول على بركات الرئيس المنتخب.
ولا تسعى التصريحات، التي يتم الإعلان عنها يوميًا تقريبًا، وكان آخرها تصريح «جنرال موتورز» و«وول مارت» يوم الثلاثاء الماضي، فقط إلى تصدر عناوين الأخبار الرئيسية، أو الفوز بثناء يأتي عبر تغريدة على موقع «تويتر».
في الوقت الذي تعد فيه الوظائف والاستثمارات حقيقية وفعلية بما يكفي، سوف تبدأ كل هذه المؤسسات الكبرى الضخمة العمل قبل بدء نشاط الإدارة الجديدة التي من المتوقع أن تتخذ خطوات حاسمة بشأن عمليات الدمج، والسياسات الخاصة بالتجارة، والإصلاح الضريبي، وعقود الدفاع، واللوائح التنظيمية، ويدعم إرسال إشارات إلى الرئيس المنتخب، وفريقه تؤكد انضمامهم إلى جبهته، الرؤساء التنفيذيين بالمزيد من الامتيازات.
وقال توم كورولوغوس، المخطط الاستراتيجي الجمهوري، والمستشار المخضرم في شركة المحاماة «دي إل إيه بايبر» في واشنطن: «قد تكون محاولة لشراء النية الطيبة، لكنني لا ألومهم لمحاولة القيام بذلك. إنها إدارة جديدة، وتشعر الشركات بالتوتر، ولا تعلم ما ينتظرها».
في نهاية المطاف سوف تتخذ الإدارة الجديدة قراراتها بعيدًا عن أضواء غرف الاجتماعات في الهيئات الفيدرالية في واشنطن، أو وراء الأبواب المغلقة في مبنى الـ«كابيتول هيل». سوف يصل العائد المالي الذي يتم تحقيقه من ذلك إلى تريليونات.
أما فيما يتعلق بالأمور شديدة الأهمية، فسوف تحتاج الشركات إلى توضيح مواقفها جيدًا. على سبيل المثال، تشعر شركة «ديترويت» المصنعة للسيارات بالقلق من فرض واشنطن لتعريفة جمركية على السيارات المصنوعة في المكسيك، لكنها تبحث عن فرصة في المعايير الجديدة الخاصة بكفاءة استهلاك الوقود في البلاد. كذلك تشعر شركة «وول مارت» بالقلق من تصاعد التوترات في مجال التجارة مع الصين، التي يتم فيها تصنيع الكثير من المنتجات التي تبيعها الشركة.
على الجانب الآخر، تعتمد شركة «لوكهيد مارتن»، التي التقت رئيستها التنفيذية مارلين هيوسن، بترامب الجمعة قبل الماضي، ووعدت بتوفير 1700 وظيفة جديدة، على الحكومة في 20 في المائة من عائداتها التي تبلغ 46 مليار دولار.
وتحقق شركة «يونايتد تكنولوجيز»، التي وافقت على الإبقاء على 850 وظيفة في وحدة «كارير» في إنديانا بوليس بعد ضغوط من ترامب، نحو 10 في المائة من مبيعاتها من واشنطن.
وصرح شون سبايسر، المتحدث الإعلامي للرئيس ترامب، خلال مكالمة هاتفية مع المؤسسات الإخبارية يوم الثلاثاء، بأن شركة «باير» تعهدت باستثمار 8 مليارات دولار في الولايات المتحدة، وتوفير ثلاثة آلاف وظيفة. وقال: «السبب وراء هذا الالتزام، والتوسع هو تركيز الرئيس المنتخب على توفير مناخ أفضل للأعمال والمشروعات في الولايات المتحدة الأميركية».
ما لم يذكره سبايسر هو أن شركة «باير» الألمانية العملاقة للكيماويات، تتعرض لتدقيق مكثف من المنظمين في كل من واشنطن وأوروبا بشأن خطتها الخاصة بشراء شركة «مونسانتو» التي يوجد مقرّها في مدينة سانت لويس مقابل 57 مليار دولار.
إذا لم تستطع «باير» الفوز بموافقة وزارة العدل، ولجنة التجارة الفيدرالية، سوف يكون هذا مكلفًا، حيث ستضطر الشركة إلى دفع ملياري دولار إضافية إلى شركة «مونسانتو» طبقًا لشروط الاتفاق. وقد التقى الرئيسان التنفيذيان للشركتين خلال الأسبوع الماضي بالرئيس المنتخب ترامب، وعرضا عليه مسألة الدمج، التي انتقدها بعض مستشاري ترامب.
على الجانب الآخر قلل كورولوغوس من شأن الفكرة القائلة بأن شركات الأعمال الكبرى سوف تحصل على امتيازات محددة مقابل التوظيف أو الاستثمار، لكنه أقرّ بأنه تم ترتيب الكثير من تلك التصريحات لتحدث أكبر قدر ممكن من التأثير السياسي. وأوضح قائلا: «هناك الكثير من العقبات التي يجب تخطيها، والكثير من المؤسسات التي تجعل من عملية التبادل أمرًا صعبًا ومعقدًا». وأضاف قائلا: «مع ذلك ما يقوم به ترامب استثنائي للغاية، ولم يتم اتخاذ تلك القرارات منذ 48 ساعة أو بعد تغريدة على موقع تويتر، إنهم يعملون عليها منذ مدة طويلة».
كذلك أوضح سبايسر أن قرار «باير» بزيادة التوظيف، والاستثمار في الولايات المتحدة لم يتم الكشف عنه في السابق، على عكس بعض الإعلانات، التي تم الترويج لها جيدًا، والتي كانت بالأساس نُسخا معادا تدويرها من بيانات صحافية سابقة. في حالات أخرى تدعم شركات خطط التوظيف الآن بعد اتخاذ قرارات في وقت سابق بالتخلص من العمال بهدوء. وصرحت «وول مارت»، أكبر شركة خاصة في البلاد من حيث عدد الوظائف لديها، يوم الثلاثاء بأنها سوف توفر نحو 10 آلاف وظيفة جديدة عندما تفتتح نحو 60 متجرا جديدا، وهي خطط تم الإعلان عنها العام الماضي. وتتطابق زيادة القوى العاملة مع ممارسات شركة «وول مارت» الخاصة بتوظيف عاملين في المتاجر الجديدة بحسب لورينزو لوبيز، المتحدث باسم الشركة.
وقبل أشهر من إعلان الشركة عن افتتاح متاجر جديدة العام الماضي، قالت: إنها سوف تسرح 16 ألف عامل من العمل بسبب إغلاق 154 من مواقعها الأميركية، و115 متجرا في الخارج. وصرح لوبيز يوم الثلاثاء بأن «الكثير» من العمال، الذين تأثروا بإغلاق المتاجر، قد تمكنوا من الانتقال إلى متاجر «وول مارت» المحيطة.
أما فيما يتعلق بصناعة السيارات، فقد شجع انتقاد ترامب لاستيراد السيارات المصنوعة في المكسيك الشركات على الدفاع عن تواجدها في مجال التصنيع الأميركي بقوة، وعلى الإعلان عن ضخّ استثمارات جديدة، بعضها كان في مرحلة التخطيط.
وأقرّ سيرجيو مارشيوني، الرئيس التنفيذي لشركة «فيات كرايسلر» خلال الأسبوع الماضي بأنه يتم النظر في خطط توفير ألفي وظيفة في الولايات المتحدة قبل فوز ترامب بالرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) بمدة طويلة.
وقال مارشيوني خلال ظهور له في معرض ديترويت للسيارات: «كان يتم مناقشة القرار منذ مدة طويلة تعود إلى عام 2015. ليس الأمر سوى استمرار لتطوير قاعدة التصنيع الأميركية».
مع ذلك أوضح رد فعل ترامب الفوري والإيجابي تجاه ذلك الإعلان مدى متابعة الرئيس المنتخب لوضع الوظائف في مجال تصنيع السيارات، ومدى تأثير اهتمامه بالتصنيع الأميركي على الشركات المصنعة للسيارات.
وأعلنت شركة «جنرال موتورز»، أكبر شركة أميركية مصنعة للسيارات، يوم الثلاثاء عن استثمار مليار دولار في مصانعها الأميركية ما من شأنه أن يوفر 1500 وظيفة، أو يبقي عليها. كذلك صرحت الشركة بأنها ستنقل إنتاج محاور الدوران من المكسيك إلى الولايات المتحدة مما سيوفر نحو 450 وظيفة في أميركا، وأنها سوف تستمر في توفير الآلاف من الوظائف الجديدة في مجال التكنولوجيا على مدى الأعوام القليلة المقبلة. وأوضحت الشركة في بيان لها أن تلك الخطط «يتم العمل عليها منذ مدة»، لكن من المؤكد أن توقيت الإعلان عنها لم يكن من قبيل المصادفة، بالنظر إلى اهتمام ترامب بالأمر. وقال باتريك مورسي، المتحدث باسم شركة «جنرال موتورز»: «ما من شك أن هناك تركيزا على توفير الوظائف في الولايات المتحدة الآن. لذا كان الوقت مناسبًا للإفصاح عما نقوم به».
وقد أعلن ترامب بالفعل عن شكره لكل من شركة «جنرال موتورز»، و«وول مارت» يوم الثلاثاء عبر موقع «تويتر» بعد ساعات قليلة من إعلانهما عن ذلك.
تدرك الشركات توجه سياسات الحكومة، وتريد أن تبدي مدى اتفاقها وتوافقها مع البرنامج على حد قول بروس ميلمان، مؤسس شركة «ميلمان كاستانيتي روزين أند توماس»، الشركة التي من عملائها «فيات كرايسلر»، و«بروكتر أند غامبل»، و«وول مارت». وأوضح ميلمان قائلا: «كان محور الاهتمام خلال عامي 2009 و2010 أثناء فترة رئاسة أوباما هو الاستدامة، وفي عام 2017 محور الاهتمام بالنسبة لترامب هو التصنيع المحلي».
يمثل هذا الأمر أهمية بالنسبة إلى الشركات المصنعة للسيارات، حيث تصنع شركات مثل «جنرال موتورز»، وغيرها السيارات في المكسيك لبيعها في الولايات المتحدة. وترفض الشركات المصنعة للسيارات حتى هذه اللحظة التوقف عن استيراد السيارات من المكسيك، لكن يستعد مجال صناعة السيارات ككل للتعديلات المحتملة في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية التي قد تقوض هيكل إنتاجها المعقد في الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك.
ويرى المحللون في هذا المجال أن الإعلان عن توفير وظائف جديدة، والتي تم الترويج لها جيدًا، محاولات تقوم بها الشركات المصنعة للسيارات من أجل تقليل حدة الانتقاد الذي وجهه الرئيس المنتخب، وكذلك من أجل التودد لإدارة ترامب القادمة والتقرب منها. ويقول مايكل هارلي، محلل في شركة «كيلي بلو بوك» للأبحاث في مجال السيارات: «الإبقاء على الوظائف وزيادتها في الولايات المتحدة هو التوجه السياسي الصحيح حاليًا. ويشير توقيت التصريحات إلى رغبة (جنرال موتورز) في المشاركة في لعبة الدعاية التي تلعبها الإدارة الجديدة».
* خدمة «نيويورك تايمز»
الشركات تساعد نفسها بإعلانها عن توفير وظائف جديدة في أميركا
أولويات المؤسسات تتحول من الاستدامة إلى التصنيع المحلي لإرضاء ترامب
الشركات تساعد نفسها بإعلانها عن توفير وظائف جديدة في أميركا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة