الحبيب المالكي... الحالة الفريدة

أصبح الحبيب المالكي، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي، منذ يوم 16 يناير (كانون الثاني) الحالي، رئيسًا لمجلس النواب في المملكة المغربية، وهذا المجلس هو الغرفة الأولى في البرلمان. وللعلم، يترأس المالكي، بجانب منصبه الجديد، اللجنة الإدارية الوطنية للحزب التي تبت في القضايا المعروضة على أعضائها؛ إذ لا يعتمد قرار بخصوصها، ولا يجري تبنيه إلا بعد نقاش تختلف درجة حرارته. ولذا؛ توصف هذه اللجنة بأنها «برلمان الحزب» على غرار ما هو معمول به في أغلب الأحزاب السياسية المغربية الكبرى. وبناءً عليه، يصفه البعض الآن بأنه يرأس «برلمانين» اثنين. وتجدر الإشارة إلى أنه تولى هذه المهمة الحزبية لاعتبارات شتى، منها أنه حصل على المرتبة الثانية في السباق نحو الأمانة العامة لحزب الاتحاد الاشتراكي التي آلت في آخر مؤتمر للحزب إلى إدريس لشكر بغالبية الأصوات خلال الجولة الثانية من الاقتراع.

يعتبر منصب رئيس مجلس النواب في المغرب منصبًا ذا أهمية سياسية ووطنية كبرى؛ لأن من يشغله يغدو الشخصية الثالثة في هرم المؤسسات الدستورية في البلاد بعد الملك، ثم رئيس الحكومة. وجاء انتخاب الحبيب المالكي بفضل تمتّعه بمساندة أحزاب تختلف عقائدها عن الفكر الاشتراكي الذي يؤمن به حزبه، وتم الاختيار في ظل سياق وملابسات استثنائية جراء الانسداد السياسي الطويل الذي هيمن على المشاورات الحزبية التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكما هو معروف، تصدّر حزب العدالة والتنمية (توجهات إسلامية معتدلة) ترتيب الأحزاب، ولكن من دون الظفر بالغالبية المطلقة؛ نظرًا إلى نظام الاقتراع النسبي ذي العتبة الدنيا (3 في المائة بعدما كانت 6 في المائة)، وهو نظام يجبر الحزب المكلف زعيمه تشكيل الحكومة على الاستعانة بأحزاب أخرى، قريبة أو بعيدة عنه، لتأليف أغلبية برلمانية منسجمة. ولقد صعب على عبد الإله ابن كيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية جمعها؛ إذ إنه قبل أن ينتهي من أزمة تشكيل الحكومة دخل في تدبير معركة التنافس على رئاسة مجلس النواب.
الواقع، أنه تباينت الآراء بخصوص تعاطي ابن كيران مع الحالة السياسية التي يواجهها. فهناك من يعذره؛ لأن بعض القوى الحزبية الممثلة في مجلس النواب لم تطاوعه، إن لم نقل خذلته وناصبته العداء مع أنها كانت جزءا من غالبيته السابقة. إذ رفضت عروضه ومقترحاته التي لانت مع مرور فترات المشاورات، لكنها قوبلت بشروط تعجيزية من جانب مخالفيه. ومن ثم بدا لمتابعي الشأن السياسي في المغرب، وكأن ابن كيران بات إما شخصية غير مرغوب بها البتة، أو أن عليه الامتثال لمنطق القوى الحزبية المتكتلة ضده، وهي ممثلة أساسًا في حزبي «التجمع الوطني للأحرار» و«الحركة الشعبية»، بجانب اللاعب الخفي المتواري عن المشاورات، حزب «الأصالة والمعاصرة». وكلها، وبخاصة «التجمع»، اعترضت على مجمل اقتراحات ابن كيران لتجاوز الأزمة، كما أنه لم ينجح في استمالة «الاتحاد الاشتراكي» الذي قاده ضعفه العددي (20 مقعدا ا) إلى طلب الاحتماء بالقوى المعارضة له.
وعليه، يشكل انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب، وعددهم 395 نائبا، حالة فريدة وغير مسبوقة في النظام البرلماني المغربي لم يعرف لها مثيل في ظل الدساتير القديمة، التي أعطت السلطة التشريعية صلاحيات محدودة لا تقارن بالتي خولها دستور 2011 لممثلي الأمة بالاقتراع المباشر؛ إذ حرص المشرّع، في كل الدساتير أن يكون رئيس الغرفة الأولى جزءا من الغالبية الحكومية ورئيسها.
* من هو الحبيب المالكي؟
ولد الحبيب المالكي يوم 15 أبريل (نيسان) من عام 1946 في مدينة أبي الجعد بمحافظة خريبكة (جنوب شرقي مدينة الدار البيضاء). وهو أستاذ بجامعة محمد الخامس - بالرباط، ورئيس مجموعة الدراسات والأبحاث حول البحر الأبيض المتوسط.
تلقى تعليمه الجامعي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وتخرّج فيها مجازًا بالاقتصاد، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة باريس - السوربون في فرنسا.
يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 عيّنه الملك الراحل الحسن الثاني أمينا عامًا للمجلس الوطني للشباب والمستقبل. كما تولى رئاسة المركز المغربي للظرفية الاقتصادية. ومنذ نوفمبر 1992 أصبح عضوًا بأكاديمية المملكة.
وخلال عام 1998 عيّنه الملك الراحل وزيرا للفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري ضمن تشكيلة حكومة التناوب. وكان قد انتخب نائبا برلمانيا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال الولاية النيابية 1993 – 1997، وجدّد انتخابه في انتخابات 14 نوفمبر 1997 نائبا بالمجلس ذاته. كذلك، انتخابه في انتخابات 27 سبتمبر (أيلول) 2002 عن دائرة أبي الجعد.
ثم في عام 2002 عيّنه الملك محمد السادس وزيرا للتربية الوطنية والشباب، وفي 2004 عيّن وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. وجدير بالذكر، أن المالكي حاصل على «وسام العرش من درجة ضابط»، وكذا «وسام الاستحقاق الاقتصادي» من المعهد البرتغالي - العربي للتعاون. كما أنه وشّح بصفته أمينًا عامًا للمجلس الوطني للشباب والمستقبل عام 1998 في باريس باسم رئيس الجمهورية الفرنسية بـ«وسام الشرف من درجة فارس».
* مغزى رئاسته البرلمان
ثمة سؤال يطرح نفسه بشدة هو «ماذا يعني انتخاب المالكي، وهو متموضع حاليًا بين المعارضة والغالبية؟ وأي انعكاسات ستكون لذلك على مسار الحياة النيابية و«هندسة» الحكومة التي ينتظرها المغاربة منذ أكثر من ثلاثة أشهر؟ وهل ضرورة مصادقة البرلمان بغرفتيه على ميثاق الاتحاد الأفريقي، ليستعيد المغرب عضويته فيه، هي التي أملت اختيارا يبدو للوهلة الأولى أنه ضد المنهجية الديمقراطية وخارج النسق السياسي؟»... هذا وضع إشكالي استفاد منه حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يتذيّل حاليًا قائمة الأحزاب الممثلة في مجلس النواب!
لقد طرحت تساؤلات كثيرة، ومعها ألوان من الأجوبة في غضون الأشهر الماضية. ولكن كلما لاحت تحليلات مقنعة، ظهر ما يبطلها في الحين، أو بعد وقت وجيز.
وبالتالي، لا يصح القول إن المغرب سيُراكم خبرات مفيدة من هذا التمرين الديمقراطي الطويل والشائك، بل ربما ضاعف الشكوك والخوف من انتكاسة تجربة الانتقال السلس التي علّقت عليها آمال كثيرة حتى اعتبرت حقًا استثناء بين أنظمة الحكم التي مستها رياح ما سُمّي بـ«الربيع العربي».
ويرى البعض أنه ربما تنطبق مقولة «رب ضارة نافعة» على الوضع السياسي في المغرب، ومجاراة الرأي القائل إن المعالجة التقليدية للقضايا الكبرى الطارئة والمستعجلة تستوجب حلولا جريئة، وليس شرطا أن تنال الإجماع المألوف كما يحدث بصدد القضايا العادية.
وبالتالي، كان حتميًا الاستعاضة عن الأسلوب العتيق بواقعية وبرغماتية تنتفي معهما الحدود المانعة بين المعارضة والغالبية، ولا سيما، أن التمايزات الآيديولوجية التي باعدت في الماضي بين التنظيمات الحزبية المغربية خفتت بمرور الزمن، ولم تعد بمثل سخونة عقود الصراع السياسي الغابرة.
في هذا السياق، يؤمن محللون بمسوّغات عملية فرضت اختيار المالكي للدور الذي أنيط به، من ضمنها مزايا متوافرة في الرجل قطعًا. فهو أكاديمي وباحث جامعي مرموق، ومتخصّص في العلوم الاقتصادية، له مؤلفات واجتهادات في مجال تخصصه أهلته لتولي مناصب رفيعة عدة: وزارتي الفلاحة والتربية الوطنية، وقبلهما أمانة المجلس الوطني للشباب والمستقبل. وهذا المجلس هيئة أحدثها الملك الراحل الحسن الثاني في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي عندما أحس بنذر التحولات الاجتماعية المتلاحقة في البلاد.
في المقابل، على الرغم من أن الحبيب المالكي حظي بإشادات من لدن محافل ثقافية وفكرية لقاء إسهاماته في إنجاز بحوث ودراسات استشرافية، فإن أثره في مواقع التدبير والتسيير التي مرّ فيها ليست بمثل قامته المعرفية في ميدان تخصصه على الأقل.
وكثيرون يعتبرونه أصلح للتأمل النظري منه في مجال الاحتكاك بالجماهير والحشود، والانخراط في المعارك الضارية.
وبهذا الاعتبار، يمكن القول إن المالكي من بين النواب القلائل الذين تتوفر فيهم شروط إدارة تدبير المؤسسة التشريعية.
والملاحظ هنا أن الأحزاب السياسية التقليدية فقدت، منذ بعض الوقت، القدرة على استقطاب النخب المؤهلة لبث الروح في أوصالها.
في هذا الصدد، كان لافتا ما صرح به المالكي بمجرد إعلان نتيجة التصويت لصالحه. إذ قال إنه «سيكون على المسافة ذاتها من المعارضة والغالبية»، علمًا بأنهما لم تتبلورا حتى اللحظة، في انتظار تشكيل الحكومة العتيدة، وهذا، من دون استبعاد حدوث مفاجآت قد تقلب الموازين والحسابات والمعادلات.
في أي حال، سواء نجح رئيس الحكومة المكلف ابن كيران أم أخفق، في تشكيل فريق غير قابل للتصدع، على المدى القريب فإنه لن يواجه، على الأرجح، صعوبات جمة في التعامل والتنسيق مع المالكي، شخصيًا. ذلك أن حزب العدالة والتنمية (بزعامة ابن كيران) زهد منذ البداية في رئاسة الغرفة البرلمانية الأولى واقترحها على غيره، فضلا عن أن ابن كيران سعى منذ بدء المشاورات إلى إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي، كما فعل في الحكومة المنتهية ولايتها، ضمن فريقه الحكومي، في إطار تحالف أحزاب الكتلة الديمقراطية المجمدة.
وحدث ذلك قبل إطلاق التصريحات المثيرة لحميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، بخصوص الحدود التاريخية للمغرب؛ ما أزعج موريتانيا التي رأت فيها مسًا بسيادتها.
ولذا؛ هبّ الملك محمد السادس مبادرًا لإطفاء الحريق الذي أضرمه شباط، فأوفد ابن كيران إلى الجارة الجنوبية لطمأنة رئيسها وشعبها.
وهكذا أفشلت تداعيات تصريحات شباط آملاً راود ابن كيران بإنهاض الكتلة الديمقراطية، ووجد نفسه مضطرا على مضض، للاستغناء عن حزب الاستقلال كأحد مكوّنات الغالبية المحتملة. وبعدها ساد الاعتقاد بأن العقبة الصعبة ذللت، وأن تشكيل الحكومة بات ممكنًا، ولكن تبيّن لرئيس الحكومة المكلّف خلال جولات التفاوض اللاحقة أنه إذا فتح باب التنازلات سيصعب إغلاقه... وهو ليس مستعدا للمزيد منها.
* رؤساء مجلس النواب المغربي منذ 1959
يعد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب المغربي الجديد الرئيس الـ12 منذ استقلال المغرب عام 1956. وفيما يلي أسماء ما تعاقب على المنصب حتى الآن:
المهدي بن بركة - رئيس المجلس الاستشاري (غير منتخب) 1956 – 1959.
الدكتور عبد الكريم الخطيب 1963 – 1965.
عبد الهادي بوطالب 1970 – 1971.
المهدي بن بوشتة 1971 – 1972.
الداي ولد سيدي باب ا1977 – 1983.
أحمد عصمان 1984 – 1992.
جلال السعيد 1993 – 1997.
عبد الواحد الراضي 1997 – 2007.
مصطفى المنصوري 2007 – 2012.
كريم غلاّب 2012 – 2014.
رشيد الطالبي العلمي 2014 – 2016.
الحبيب المالكي 2016.