«ديلفو» جوهرة تغلفها بلجيكا بالسرية حفاظًا على نخبويتها

مصممة الحقيبة كريستينا زيللر: يصعب التحكم في انتشارها مع الوقت لكن نستطيع السيطرة على جودتها وتفردها

كريستينا زيللر في مكتبها  -  يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم
كريستينا زيللر في مكتبها - يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم
TT

«ديلفو» جوهرة تغلفها بلجيكا بالسرية حفاظًا على نخبويتها

كريستينا زيللر في مكتبها  -  يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم
كريستينا زيللر في مكتبها - يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم

قبل أن تولد «هيرميس» بثماني سنوات، وبلجيكا كملكية دستورية بعام، ولدت «ديلفو» في عام 1829، مما يجعلها أقدم دار إكسسوارات في العالم. صحيح أن اسمها ليس متداولاً في ساحة الموضة، إلا أن الدار تتعمد ذلك خوفًا عليها من الاستهلاك، إضافة إلى أنها كانت - ولا تزال - مفخرة بلجيكا، تمامًا مثلما هي «هيرميس» بالنسبة لفرنسا و«لويفي» لإسبانيا. مصممتها كريستينا زيللر تقول إن أحد أسباب عدم شهرتها يعود إلى شخصيتها البلجيكية التي لا تميل إلى نفش ريشها والتغني بنفسها «بيد أن ما تعرفه أية بلجيكية من الطبقات الأرستقراطية أو العامة أن حقيبة تحمل توقيع (ديلفو) هي أغلى هدية تُقدم عند التخرج، أو عندما تبلغ الفتاة الـ18 من عمرها». فهي تُسجل أهمية المناسبة من جهة، كما تبقى معها إلى الأبد لتورثها لبناتها من جهة ثانية، لا سيما أن تصاميمها كلاسيكية وجلودها فاخرة تتحدى الزمن.
هذا تحديدا ما تشعر به وأنت تتطلع إلى صور التقط بعضها في الخمسينات من القرن الماضي تُزين حائطًا كاملاً في مقرها الرئيسي ببروكسل، وتُعطيك الانطباع كما لو أنها التقطت بالأمس القريب.
مقر الدار تم ترميمه وافتتاحه أخيرًا بمعمار عصري للغاية، بنوافذ عالية تصل إلى السقف، ومساحة شاسعة تشمل الطابق الأرضي، حيث يوجد في جانب منه مخزن يحتوي على كميات هائلة من كل أنواع الجلود المترفة، وفي جانب آخر المعمل الذي تتم فيه عمليات تنفيذ وإنهاء رؤية كريستينا زيللر وفريقها. امرأة لا تستطيع أن تخمن عمرها الحقيقي، وكل ما تشي به، بطولها الفارع وأناقتها اللافتة، أنها قد تكون عارضة أزياء سابقة. في الطابق الأول، حيث توجد مكاتب الرسم والإبداع، استقبلتني بقميص أبيض بسيط وبنطلون أسود واسع يغطي نصف الساق، بينما غطيت أصابعها بخواتم هندسية مبتكرة تذكرك بأننا في بلجيكا، عاصمة التصميم الحداثي. وعلى شماعة خلفها، علقت معطفًا واسعًا لا يقل حداثة من تصميم البلجيكي راف سيمونز.
تكتشف سريعًا أن كريستينا زيللر بالفعل وُلدت في وسط يتنفس الموضة. فوالدتها كانت عارضة أزياء مشهورة في الخمسينات من القرن الماضي، ومنها ورثت جيناتها وحبها للأناقة.
ورغم أن كريستينا درست الصحافة، وبالتالي فهي ليست مصممة أزياء بالمعنى المتعارف عليه، فإن هذا لم يمنع «ديلفو» من الاستعانة بخبرتها الطويلة في مجال الموضة. خبرة اكتسبتها من العمل في دور أزياء كبيرة، مثل موسكينو في الثمانينات، ثم كريستيان لاكروا وكارل لاغرفيلد وجيفنشي. في هذه الأخيرة، عملت لعشر سنوات تقريبًا، وكانت لها يد كبيرة في طرح حقائب حققت نجاحات تجارية، مثل «أنتيغونا» و«باندورا» وغيرهما. تشرح لي أن العمل التجاري والإداري هما خلفيتها المهنية، لكنها تضيف ضاحكة:
«أنا مثل الحرباء، يمكنني أن أتأقلم مع أي وضع جديد. عندما عملت مع كارل لاغرفيلد، مثلاً، كانوا ينادونني بمدام كارلا تفكهًا لأني تقمصت الدور جيدًا، وعندما التحقت بـ(ديلفو)، انتابني شعور غامر بأنها تعكس شخصيتي، وتمثلني إلى حد أني لم أبذل أي مجهود يُذكر للتأقلم معها».
كلما زاد الحديث معها، تتأكد أن «ديلفو» كانت لها نظرة ثاقبة في اختيارها، ليس لما تُمثله من ذوق رفيع فحسب، بل أيضًا لفهمها ما تريده المرأة.
ورغم أن زيللر هي سفيرة الدار، بمعنى أنها تمثل قسم التصميم، فهي لا تدعي أنها مصممة بالمعنى المتعارف عليه. فالدار كما تقول «تتوفر على مصممين متخصصين، فيما تقتصر مهمتي على الإشراف عليهم وقيادتهم». وتتابع بسرعة: «ثم إننا لسنا مطالبين بتقديم تصاميم ثورية بقدر ما نحن مطالبون بتطوير ما هو موجود في أرشيفنا الغني. فنحن نتناقش بشكل منتظم، إن لم نقل يومي، للوصول إلى نتيجة تُرضي كل الأطراف، والأهم من هذا لا ننسى أبدًا أصالة الدار وعراقتها».
تواضعها وعدم ادعائها أنها تطمح لإبداع تصاميم مبتكرة وثورية في عالم التصميم، يشير إلى تشبعها بالثقافة البلجيكية، خصوصًا عندما تضيف أنها أدركت منذ أول يوم التحقت فيه بـ«ديلفو»، في عام 2011، أن مهمتها تنحصر في أخذ الدار إلى مرحلة جديدة، بالبناء على ما هو موجود، بمعنى تطويره و«عصرنته»، لا أكثر ولا أقل.
في الوقت ذاته، لا تخفي أن نقلتها من بيوت أزياء معروفة تمتلكها مجموعات ضخمة لها إمكانيات تسويق عالمية إلى دار لا تعرفها سوى النخبة، كانت شجاعة من قبلها. فهي نفسها لم تكن تعرف عن «ديلفو» سوى أنها دار بلجيكية تصمم حقائب مترفة ونخبوية للغاية، لكن «ما إن قمت بأبحاث عن تاريخها، وتعرفت على مبادئها عن قرب، حتى وقعت في غرامها». وتكرر أن ما شدها أكثر إليها أنها غير مستهلكة، ولا تزال مغلفة بالسرية «مثل جوهرة قيمة لا تتطلب سوى القليل من التلميع والصقل لإخراجها من المحلية»، مضيفة: «وكونها لم تتوسع لتصميم الأزياء، مثل (هيرميس) و(لويس فويتون) يُحسب لها، وليس ضدها». فهذا يعني أن التركيز ينصب على تقديم حقائب متميزة وفريدة من نوعها. أما التحدي بالنسبة لكريستينا حاليًا «فلا يكمن في الانتشار، بل في الاستمرار والحفاظ على النجاح الذي حققناه»، آخذة بعين الاعتبار أهمية ألا تقع في مطب الغرف الحرفي من الأرشيف. فهي تستقي عناصر معينة، مثل الإيزيم أو مسكة اليد، لتطويرها، وتضيف إليها خامات وألوانًا جديدة تُكسبها ديناميكية هي كل ما تحتاجه لدخول المنافسة العالمية. فهي كما تشرح لا تريد أن تقدم تصاميم بطابع الـ«فينتاج» الذي «قد يبدو رائعًا عندما تكون المرأة صغيرة في العشرينات من العمر تسرق معطفًا من خزانة جدتها أو إكسسوارات من صندوقها القديم، لكن هذه ليست هي زبونتنا».
لكن يبقى السؤال عما إذا كانت ستنجح في الحفاظ على نخبوية الدار وتفردها، وفي الوقت ذاته تحقيق الأرباح. فهذه هي المعادلة التي تسعى إليها مستشهدة بامرأة قابلتها في حفل عشاء في شانغهاي، لم تسمع عن الدار من قبل، لكن خرجت من الحفل وهي معجبة بمبادئ الدار البلجيكية، ولم تُقاوم نشر رسالة على «إنستغرام» في اليوم التالي، تقول فيها: «ديلفو ماركة المرأة التي لا تحتاج إلى ماركة»؛ جملة لخصت بالنسبة لكريستينا ما تقوم عليه الدار منذ بدايتها إلى اليوم.
المتتبع لتاريخ الدار يتبين أنها شهدت عدة تغيرات منذ تأسيسها في عام 1829، لكن تبقى أصالتها وعراقتها على رأس أولوياتها دائمًا.
فقد تخضع معاملها البلجيكية لعمليات تجميل تتجلى في معمارها العصري والآلات الحديثة، إلا أن تقنياتها لا تزال تحترم طرق دباغة تحترفها منذ أكثر من قرن، إلى جانب تقنيات تقليدية خاصة بها لمعالجة الجلود. فهي، مثلاً، لا تزال تتعامل مع كل سنتمتر على حدة، تتخلص من شوائبه حتى لو كانت مجرد نقطة أو خطًا رفيعًا لا تراهما العين المجردة. وتشمل العملية الحقيبة من الداخل والخارج على حد سواء، فيما قد تستغرق أكثر من 25 ساعة من العمل اليدوي عليها، علمًا بأن حقيبة واحدة يمكن أن تتكون من 64 جزء حتى تأتي متكاملة من كل الجوانب، ومن ثم تستحق مكانتها في سوق الترف والرقي. كل هذا من دون مبالغات تستجدي لفت الانتباه لأن الأناقة بالنسبة لـ«ديلفو» ترادف البساطة.
عندما أذكرها بمجموعة «بوسيير ديتوال» Poussière d’étoiles التي طرحتها نهاية العام الماضي، وكانت جريئة بنقشاتها الذهبية والهندسية المستوحاة من الفنان غوستاف كليمت، مشيرة إلى أنها كانت موجهة لأسواق تعشق كل ما يلمع ويشي بالفنية، تسارع بتصحيحي قائلة «كونها تعتمد على أشكال فنية وهندسية يجعلها لا تتعارض أبدًا مع مفهوم الأناقة الراقية التي أقصدها. ثم لا تنسي أنه لا بد من تحقيق نوع من التوازن بين الفني والتجاري، أي أن نبيع حقائبنا حتى تُستعمل وإلا ما الفائدة منها؟ المهم أن النجاح التجاري لا يجب أن يأتي على حساب الذوق، وهذا يعني عدم تسرع النجاح، وتقليد استراتيجيات الآخرين، فنحن نتمتع بشخصيتنا الفريدة».
وتستطرد مبتسمة كما لو أنها تذكرت شيئًا مهمًا: «لقد قرأت جريدة (الشرق الأوسط) هذا الصباح، وشدني موضوع عن الموضة جاء فيه أن البساطة هي قمة الأناقة، وهذا يعني أننا على الموجة نفسها، فما لا يعرفه كثير من الناس أن البساطة أكثر صعوبة من التطريزات وما شابهها». ما ترمي له المصممة أننا قد نعيش حاليًا حركة قوية في الترصيع والزخرفة، لكن يبقى لكل واحد أسلوبه ولغته؛ كان واضحًا أنها تشير إلى «غوتشي» التي تحقق كثيرًا من الأرباح بأسلوبها المائل إلى «الماكسيميلزم»، وهو ما يتنافى مع المدرسة البلجيكية عمومًا وفكرة «ديلفو» عن الأناقة.
ولحسن الحظ أن خريطة الموضة واسعة يمكنها احتواء كل التوجهات، فبينما تحقق «غوتشي» بسخاء تطريزاتها وتوهج ألوانها أرباحًا غير مسبوقة، فإن نتائج «ديلفو» السنوية الأخيرة تؤكد هي الأخرى ارتفاعًا ملموسًا يؤكد أنها تسير في الطريق الصحيح، وبأن هناك سوقا للترف الهادئ تُحركه زبونات يردن منتجات لا مثيل لها وغير مُستهلكة بشكل كبير. لكن هذا لا يعني بقاء الدار نخبوية أو سرية، فهناك استراتيجيات للتوسع العالمي، وإن كانت محدودة ومدروسة. فاليوم الذي سيزيد فيه الإقبال على حقائب «ديلفو» سيأتي لا محالة، وهو ما تطمح إليه كريستينا وتتخوف منه على حد سواء، مشيرة إلى أنها مستعدة له. سلاحها هو تاريخ الدار وحرفيتها قائلة: «قد لا نستطيع التحكم في نوعية الزبونات مع الوقت، لكننا نستطيع التحكم في التصميم والجودة والدقة.. هذه الأشياء لن تتغير ولن نتنازل عنها أبدًا... فنحن لسنا دار ترف فحسب، بل دارا استثنائية في هذا الخصوص».
على هذا الأساس ترفض الدار الاعتماد على الإعلانات التجارية في المجلات وغيرها، فزبوناتها كافيات لنشر اسمها في الأوساط التي تهمها، وهو ما يحول لحد الآن دون أن تتحول «ديلفو» إلى سلعة مستهلكة. ومع ذلك، فإن هذا لم يصد فتيات مجتمع ونجمات من مثيلات أوليفيا باليرمو، وسيينا ميللر، وأليكسا تشانغ، وريهانا وكايتي هولمز، وغيرهن، بالعمل كسفيرات لها بمحض إرادتهن بعد أن أغوتهن تصاميم الدار، لا سيما حقيبة مستلهمة من حقيبة {مارغريتا» الكلاسيكية القديمة كُتبت عليها جمل طريفة ومعبرة مثل «Ceci n’est pas un Delvaux» التي أكدت أن الشخصية البلجيكية ليست جادة أو خجولة دائمًا، بل تتمتع أيضًا بروح نكتة ومرح.
** محطات في تاريخ الدار
* 1829: تأسست على يد شارل ديلفو ببروكسيل
* 1835: ومع انطلاق أول خط سكك حديدية في أوروبا رابطًا بلجيكا بباقي المناطق المجاورة، أصبح السفر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العامة، الأمر الذي كان في صالح ديلفو، صانع حقائب وصناديق السفر آنذاك. وزاد الأمر أهمية في عام 1875، عندما أصبحت بلجيكا تتوفر على أكبر شبكة سكك حديد في العالم.
* 1880: انتبه شارل ديلفو إلى أن المرأة تحتاج لحقائب سفر تحملها، فيها أغراضها الشخصية التي لا تستغني عنها.
* 1908: طرحت لأول مرة حقائب للمرأة بخامات وألوان أنيقة
* في عام 1933: انتلقت ملكية الدار إلى فرانز شوينكير الذي حولها إلى دار إكسسوارات فاخرة و«على الموضة». فقد طرح حقائب يد فريدة شدت انتباه الطبقات الأرستقراطية الأوروبية التي باتت تترقب ما يطرحه في كل موسم. فقد كان أول من بدأ تقليد طرح تصاميم موسمية أسوة بعالم الأزياء، وتحديدًا بـ«الهوت كوتير».
* 1970: بعد وفاة فرانز شوينكير، تولت زوجته سولانج قيادة الدار، وجعلتها أكثر مواكبة للموضة
* 2011: انتقلت ملكيتها لعائلة فونغ من هونغ كونغ، التي تملك حاليا 80 في المائة منها، بينما لا تزال حصة 20 في المائة ملكًا عائليًا.



نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.