سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي: لدينا ما يؤكد تعاون دول مع الإرهابيين

اعتقال 60 إرهابيًا على علاقة بـ«داعش» خلال العمليات الأمنية الخاصة في الشيشان

سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي: لدينا ما يؤكد تعاون دول مع الإرهابيين
TT

سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي: لدينا ما يؤكد تعاون دول مع الإرهابيين

سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي: لدينا ما يؤكد تعاون دول مع الإرهابيين

خص نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، حيزا واسعا من حديثه لصحيفة «روسيسكايا غازيتا» مطلع الأسبوع الجاري عن قضايا الإرهاب، وحذر في هذا السياق من أن «حجم تأثير العوامل الخارجية التي تؤدي إلى تشكيل التهديد الإرهابي لروسيا قد ارتفع فعلا في الآونة الأخيرة»، لافتًا إلى أن هذا لا يعود فقط إلى ما يجري في سوريا وفي العراق وليبيا وأفغانستان، وأوكرانيا، «بل هناك دول أخرى، على سبيل المثال. هناك نزعة سلبية جديدة تمثلت بالنشاط الإرهابي التخريبي في شبه جزيرة القرم»، حسب قول باتروشيف، الذي لفت إلى أن روسيا تمكنت من تنشيط عملها في مجلس الأمن الدولي، ودفعت إلى تبني قرارات هامة ترمي إلى التصدي لتنظيم داعش الإرهابي، مؤكدًا أنه «في غضون ذلك يصل إلينا مزيد ومزيد من المعطيات التي تؤكد تعاون دول محددة، كما وشركات أجنبية مؤثرة، وشركات عابرة للحدود في بعض الحالات، مع التنظيمات الإرهابية»، موضحا أن الحديث يدور عن «شراء النفط وغيره من الخامات من الإرهابيين، ودفع مكافآت مالية لهم مقابل موافقتهم على إنتاج ونقل البضائع إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم»، مشددًا على أن «الحد من هذا النشاط مسؤولية جميع الدول التي تعلن تصديها للإرهاب».
وتتواصل في جمهورية الشيشان، العضو في الاتحاد الروسي، العمليات الأمنية الخاصة لمكافحة الإرهاب، ولليوم الثالث على التوالي تتمكن أجهزة الأمن من اعتقال أعضاء في تنظيمات إرهابية. ويوم أمس أعلنت قوات الأمن في الشيشان عن اعتقال ثلاثة مقاتلين، أعضاء في مجموعة مسلحة يقودها الإرهابي الخطير عمران داتسايف، الذي أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف عن اعتقاله يوم السبت الماضي، وقال إنه عضو في مجموعة إرهابية يتم تنسيق عملها من جانب تنظيم داعش على الأراضي السورية.
ويوم أمس قال مصدر أمني لوكالة «ريا نوفوستي»، إن «داتسايف قام بتشكيل مجموعة إرهابية مسلحة، بتعليمات من جماعات إرهابية تنشط على الأراضي السورية»، موضحًا أن «تلك المجموعة التي شكلها داتسايف، كانت تضم كلا من إيبشييف وعثمانوف، وباتايف، وغيرهم». وأضاف المصدر إن إيبشييف كان قد انضم إلى المجموعة الإرهابية في مارس (آذار) العام الماضي، أما عثمانوف فقد انضم منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2016، بينما كان باتايف عضوا في تلك المجموعة منذ سبتمبر (أيلول) 2015، وقد تم اعتقالهم كلهم خلال العملية الأمنية مؤخرًا في منطقة شالينك في جمهورية الشيشان، حسب قول المصدر الأمني.
كما توقفت وكالة «إنتر فاكس» أيضًا عند عمليات مكافحة الإرهاب الجارية في الشيشان حاليًا، ونقلت عن مصدر أمني قوله إن «قرابة 60 إرهابيًا ومتعاونا مع الإرهابيين المرتبطين بتنظيم داعش، تم توقيفهم خلال العملية الأمنية الخاصة في جمهورية الشيشان»، لافتًا إلى أن الأمن تمكن خلال تلك العملية من القضاء على أربعة إرهابيين، مؤكدًا «تم الكشف عن جميع الشبكات السرية المرتبطة بشكل وطيد مع (داعش)». وأوضح المصدر أن العملية الأمنية الواسعة شملت منطقة كورتشالويفسك، وعددا من قرى منطقة شالينسك، في الشيشان، فضلا عن العاصمة غروزني.
ويأتي الإعلان عن عمليات الاعتقال الجديدة بعد يوم واحد على تأكيد الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف إلقاء القبض يوم السبت الماضي على الإرهابي الخطير عمران داتسايف، الذي كان قد لاذ بالفرار في وقت سابق، خلال عملية أمنية خاصة في قرية غيلداغان، موضحًا أن الأمن تمكن من العثور عليه في ساحة مينوتكا قرب مركز تجاري، وتمت محاصرته، ومن ثم اقترح رجال الأمن عليه أن يستسلم، إلا أنه رمى عليهم قنبلة يدوية: «وتم الإمساك بداتسايف حيًا»، وفق ما كتب قاديروف، لافتًا إلى أن عمليات الاعتقال شملت كذلك إرهابيين اثنين آخرين في مدينة نالتشيك، هما من المجموعة نفسها التي ينتمي إليها داتسايف، كانا يحاولان مغادرة منطقة شمال القوقاز، وبشكل عام «تم القضاء على المجموعة كلها، وهناك لدى البوليس أكثر من خمسين عضوًا من أعضائها» حسب قول قاديروف، الذي أشار إلى أنهم جميعهم يدلون باعترافاتهم، ويقدمون معلومات وأسماء أشخاص، ويكشفون عن المصادر التي أمنت لهم السلاح.
في شأن متصل، حكمت المحكمة العسكرية في مديرية شمال القوقاز يوم أمس على مواطن من جمهورية إنغوشيا، العضو في الاتحاد الروسي، بالسجن لمدة عامين ونصف العام، بتهمة محاولة السفر إلى سوريا للمشاركة في القتال إلى جانب إرهابيي «داعش». وحسب جهات التحقيق فإن المواطن الإنغوشي البالغ من العمر 27 عامًا، تواصل منذ فبراير (شباط) 2016، أكثر من مرة، عبر برنامج «واتساب»، مع أعضاء في تنظيم داعش يقاتلون على الأراضي السورية. وكان قد وافق على الانضمام إلى «داعش» بصفة مقاتل عادي، وخطط للمشاركة في العمليات القتالية في سوريا. وبعد أن تسلم على حسابه المصرفي تحويلا ماليا لتسديد تكلفة الطريق، وصل الرجل الإنغوشي يوم 23 مارس (آذار) على متن سيارة إلى معبر «فيرخني لارس» الحدودي مع جورجيا، حيث قام عناصر حرس الحدود التابع لهيئة الأمن الفيدرالي الروسي باعتقاله، وتم توجيه اتهامات له بموجب فقرة القانون الروسي «محاولة المشاركة في نشاط تنظيم يصنف وفق التشريعات الروسية تنظيمًا إرهابيًا»، ويصل الحكم بموجب هذه الفقرة حتى السجن لمدة عشر سنوات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟