مستشار لترامب يجري 5 مكالمات هاتفية مع سفير روسيا

تزامنت مع فرض واشنطن عقوبات على موسكو

مستشار لترامب يجري 5 مكالمات هاتفية مع سفير روسيا
TT

مستشار لترامب يجري 5 مكالمات هاتفية مع سفير روسيا

مستشار لترامب يجري 5 مكالمات هاتفية مع سفير روسيا

الاتهامات المتبادلة بين إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ومؤسسات الدولة تأخذ منحنيات جديدة في كل يوم، مع الاقتراب من يوم التنصيب في البيت الأبيض المقرر في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل. وبعد موضوع «ملفات الابتزاز» التي قيل إنها في حوزة الكرملين، وتخص زيارة ترامب لموسكو عام 2013، كشفت بعض وسائل الإعلام الأميركي، أمس، عن أن أحد كبار مستشاري الرئيس المنتخب أجرى اتصالات هاتفية مع السفارة الروسية في واشنطن في اليوم نفسه الذي قررت فيه الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات على موسكو بعد اتهامها بأنها قامت بقرصنة إلكترونية من أجل التأثير على نتيجة الانتخابات لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن مايكل فلين، مستشار ترامب للأمن القومي، أجرى خمس مكالمات هاتفية مع السفير الروسي لدى واشنطن في اليوم نفسه الذي فرضت فيه الولايات المتحدة عقوبات على موسكو. وقالت المصادر، نقلا عن مداولات داخل الحكومة الأميركية: إن المكالمات جرت في الفترة بين إبلاغ السفارة الروسية بالعقوبات الأميركية وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تخليه عن الرد. وأثارت المكالمات تساؤلات جديدة وسط بعض المسؤولين الأميركيين بشأن الاتصالات بين مستشاري ترامب والمسؤولين الروس في الوقت الذي تناقش فيه وكالات المخابرات الأميركية تسلل موسكو الإلكتروني لتعزيز فرص ترامب أمام المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وفي 29 ديسمبر (كانون الأول) أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه أمر بطرد 35 دبلوماسيا روسيًا يشتبه في أنهم جواسيس، وفرض عقوبات على وكالتي مخابرات روسيتين شاركتا في اختراق جماعات سياسية أميركية. وقال أحد المصادر، كما جاء في تقرير وكالة «رويترز»، إن الإدارة أبلغت السفير الروسي لدى الولايات المتحدة سيرجي كيسلياك قبل ساعة من إعلان القرار.
كاتب المقال ديفيد اغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» كان أول من تحدث عن المكالمات.
وأكد مسؤول من الفريق الانتقالي لترامب إحدى المكالمات بين الرجلين في 29 ديسمبر، وقال إنهما، على حد علمه، لم يناقشا مسألة العقوبات. وقال شون سبايسر، المتحدث باسم ترامب: إن مايكل فلين تحدث مع السفير الروسي سيرجي كيسلياك في 28 ديسمبر الماضي. إلا أن مسؤولا حكوميا قال لـ«واشنطن بوست» إن الاتصال الهاتفي تم في يوم فرض العقوبات، وربما يكون قد انتهك قانونا ضد محاولة التأثير على حكومة أجنبية في نزاعات مع الولايات المتحدة. وقال سبايسر إن الاتصال كان مرتبطا بلوجيستيات مكالمة هاتفية منتظرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب بعد تنصيبه.
وأكدت المصادر الثلاثة لـ«رويترز» أنها لا تعرف من بادر بالمكالمات الخمس بين فلين، وهو جنرال سابق في الجيش، وكان يرأس وكالة المخابرات الدفاعية الأميركية في إدارة أوباما، والسفير الروسي كيسلياك. وقالت المصادر إنها لا تعرف محتوى المكالمات، وامتنعت عن قول كيف علمت بشأنها.
وقال أحد المصادر إن «حديث دبلوماسي روسي مع عضو في فريق ترامب عقب إعلان الولايات المتحدة لا يمثل شيئا غريبا أو خطأ». وأضاف المصدر، أن موسكو كانت تريد على الأرجح معرفة رأي فريق ترامب في الإجراءات. وردد ذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر قائلا: «هذا المبنى لم يشهد أي شيء غير مناسب بشأن الاتصال بين أفراد الإدارة المقبلة ومسؤولين أجانب». ومع ذلك، قال المصدران الآخران إن توقيت المكالمات أثار تساؤلا بشأن ما إذا كان فلين أعطى كيسلياك أي ضمانات لتهدئة الغضب الروسي من التحركات الأميركية. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه قد يثير تعارضا مع «قانون لوغان» الذي يحظر على أي مواطن أميركي التفاوض مع حكومات أجنبية في نزاع مع الولايات المتحدة. ويهدف القانون إلى منع تقويض المواقف الرسمية للحكومة الأميركية. وقال أليكسي موسين، المتحدث باسم السفارة الروسية في واشنطن «السفارة لا تعلق على الاتصالات المتعددة التي تجرى بشكل يومي مع محاورين محليين».
وفي وقت لاحق يوم الجمعة، قال مسؤول في فريق انتقال الرئاسة لم يتم الكشف عنه إن الرجلين ناقشا أيضا إمكانية انضمام إدارة ترامب إلى محادثات السلام السورية مع روسيا وتركيا وإيران. وعارضت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما روسيا بسبب تورطها في سوريا، في حين أن روسيا وتركيا استبعدتا الولايات المتحدة من بعض المناقشات الأخيرة الخاصة بالصراع السوري.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست إنه ليس أمرا غير عادي أن تقوم إدارة قادمة بإجراء اتصالات مع سفارة أجنبية، لكنه لم يعرف تفاصيل حول ما الذي تمت مناقشته أو متى.
وفي سؤال عما إذا كانت المناقشات غير لائقة، قال ارنست إن «الأمر يتوقف» على ما تمت مناقشته.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟