سيناء «بوابة مصر الشرقية»... تتحدى المُتشددين

92 عملية إرهابية خلال 3 أشهر والجيش يُقاوم بـ41 كتيبة

سيناء «بوابة مصر الشرقية»... تتحدى المُتشددين
TT

سيناء «بوابة مصر الشرقية»... تتحدى المُتشددين

سيناء «بوابة مصر الشرقية»... تتحدى المُتشددين

سيناء هي «بوابة مصر الشرقية» التي تشهد يوميًا نزفًا مستمرًا للدم المصري منذ عام 2013، من خلال حرب مفتوحة يخوضها الجيش المصري ضد المتشدّدين الذين حوّلوا شبه الجزيرة إلى «إمارة» إرهابية، وللعلم، يقدّر حجم القوات التابعة للجيش المصري في منطقة شمال سيناء اليوم بنحو 41 كتيبة، قوامها 25 ألف مجند. ووفق آخر إحصائية رسمية مصرية بلغ عدد العمليات الإرهابية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016 الفائت في سيناء 92 عملية. ويقول متابعون ومحللون إن الأنفاق الحدودية في سيناء تمتد لنحو 15 كلم، بطول الحدود مع قطاع غزة، مشكّلة شبكة عنكبوتية تحت الأرض تدخل عبرها نسبة عالية من الأسلحة والمتفجرات التي تستخدم في الهجوم ضد القوات المصرية، ويشير هؤلاء إلى أن في سيناء راهنًا جماعات متطرفة وعصابات دولية تربطها مصالح مشتركة تتركز في إضعاف الأمن، ولها صلات بجماعات دولية.
تُعد شبه جزيرة سيناء أحد مفاتيح شخصية مصر و«بوابتها الشرقية»، إذ وهب الله سيناء موقعًا متميزًا وساحرًا، وهي الرقعة التي تصل أفريقيا بآسيا، وتطل بواجهتها الواسعة على أوروبا عبر مياه البحر المتوسط. ويشير الأكاديميون إلى أن الكثير ممن غزوا مصر جاءوا من الشرق عابرين سيناء، ومن ثم، فهي تعد مُلتقى القارتين الأفريقية والآسيوية والجسر البرّي الذي يربط بينهما والممر الطبيعي للقوافل والجيوش. كذلك، تعتبر سيناء أرض التاريخ والأسطورة، ففيها بحثت إيزيس عن أوزيريس، ووجد الفراعنة الذهب، وكانت أرض الانتصارات وأرض السلام.
في المقابل تشير تقارير استراتيجية إلى عدة عوامل أسهمت في وجود بيئة خصبة على الأرض سمحت بتحرك مجموعات إرهابية بحرية في سيناء، من بينها الطبيعة الجغرافية والبيئة الديموغرافية.

ثلاثة تنظيمات متشددة
توضح التقارير الاستراتيجية أن عددا من التنظيمات بدأ يتجمّع في الركن الشمالي الشرقي من سيناء منذ نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي. وجاء ذلك نتيجة لتشديد القبضة الأمنية في مصر ومطاردة الجماعات المتطرفة منذ اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981. وما تبعه من أحداث إرهابية طالت عددا من رموز المجتمع المصري.
وبدأت القصة، حسب التقارير، بلجوء أفراد من ثلاثة تنظيمات رئيسية - برزت خلال تلك الفترة - إلى سيناء، وهي جماعات «السلفية الجهادية» و«تنظيم الجهاد» و«جماعة التكفير والهجرة». ولا يخفى أن أبناء سيناء، الذين لا يربو تعدادهم كثيرًا على نصف مليون نسمة، كانوا يُعامَلون على امتداد 30 سنة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك «تعاملاً خاصًا»، إذ كان أبناؤهم يُستَثنون من دخول الكليات العسكرية والشرطية. وما زاد من تعقيد الوضع في شمال سيناء الفقيرة نسبيًا، التضاد الواضح مع محافظة سيناء الجنوبية التي ازدهرت منتجعاتها السياحية وغدت مقصدًا للسياح الأجانب، ما أدى إلى اضطرار السكان الأصليين للتوجه شمالا، حتى أن المصريين كانوا يقولون في نهاية عهد مبارك إنه «يحكم البلاد من مدينة شرم الشيخ»، نظرا لكثرة تردده عليها.

داعش سيناء
قبل أيام معدودات أعلن تنظيم «داعش سيناء» الإرهابي المتطرف مسؤوليته عن قتل 25 شرطيًا في هجوم بمدينة العريش، عاصمة شمال سيناء. ولم يكن الهجوم العملية الوحيدة التي يُعلن التنظيم تبنيها خلال الأشهر الماضية. بل لقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن البلاد تخوض «حربًا حقيقية ضد الإرهاب»، كاشفًا عن أن حجم قوات الجيش العاملة في سيناء لمواجهة التنظيمات الإرهابية تٌقدر بنحو 41 كتيبة قوامها 25 ألف مقاتل. ويُذكر هنا أن إسرائيل سمحت لمصر بتجاوز أعداد الجنود ونوعية الأسلحة المستخدمة في المنطقة «ج» من سيناء الخاضعة لاتفاقية السلام الموقعة بين البلدين في أواخر سبعينات القرن الماضي. ويشرح متابعون مطلعون أن عناصر تنظيم «داعش سيناء» يحتمون داخل كهوف في جبل الحلال، بوسط سيناء، الواقع في منطقة تحدد فيها «اتفاقية كامب ديفيد» للسلام بين مصر وإسرائيل عدد قوات الجيش المصري وتسليحه.
وأشار السيسي أيضًا إلى أنه أمكن خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط ضبط ألف طن متفجرات وملايين الجنيهات والدولارات (بحوزة التنظيمات الإرهابية)، بجانب آلاف الأطنان من المتفجرات ضبطت خلال السنوات الماضية في مخازن تحت الأرض بشبه الجزيرة كانت قد جمعت على مدى سنوات طويلة.

أنفاق عنكبوتية
من ناحية أخرى، يشير متابعون محللون إلى مشكلة الأنفاق الحدودية التي تمتد لنحو 15 كيلومترا بطول الحدود مع قطاع غزة في شكل شبكة عنكبوتية تحت الأرض. ويرى هؤلاء أن هذه الأنفاق باتت تمثل الآن «مشكلة كبرى». وهي بعدما كان يجري عبرها تهريب البضائع إلى القطاع وقت حصاره في الماضي من قبل إسرائيل، صارت الآن تشهد رواجا أكبر من الجانب العكسي، وتدخل من خلالها كميات من الأسلحة والمتفجرات.
وينشط بقوة في سيناء تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي بايع أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014، ومن ثم أطلق على نفسه مسمى «ولاية سيناء». لكن السلطات المصرية ترفض هذه التسمية ليعرف في الإعلام بـ«داعش سيناء»، وكان هذا التنظيم قد زعم فور ظهوره أن هدفه هو محاربة إسرائيل، وشارك بالفعل في إطلاق صواريخ على مدن إسرائيلية من سيناء، إلا أنه تحول منذ سنوات لاستهداف قوات الشرطة والجيش المصري.
«داعش سيناء» ظهر في الواقع عقب ثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق مبارك عام 2011، لكنه منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي - المنتمي لجماعة الإخوان - عن السلطة عام 2013 استهدف خطوط الغاز في سيناء، فضلا عن استهداف العسكريين ورجال الأمن المصري والارتكازات والنقاط الأمنية. وتبنى منذ ذلك الحين عددًا من عمليات قتل جنود جلها في سيناء، إضافة إلى استهداف حافلة سياحية كانت تقل عددًا من الأجانب بالقرب من مدينة طابا، فضلاً عن طائرة الركاب الروسية.

تنظيمات دولية
الخبير الأمني العميد السيد عبد المحسن، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه «يوجد في سيناء متطرفون متشدّدون وعصابات دولية تتاجر في الأعضاء البشرية»، وهذه العناصر والتنظيمات «تتعاون من أجل مصالح مشتركة تتركز في إضعاف الأمن، وتتعاون مع عصابات دولية لتنفيذ عمليات داخل مصر». وأردف أن تنظيم «داعش سيناء» أعلن عدة مرات أنه يسعى لتأسيس «إمارة» متطرفة في تلك المنطقة، لكن خبراء عسكريين أكدوا استحالة ذلك بالنظر إلى موازين القوى على الأرض.
في غضون ذلك، ذكرت دراسة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة خلال يناير الجاري، أن تنظيم «بيت المقدس» في سيناء نفّذ العدد الأكبر من العمليات الإرهابية خلال الربع الأخير من عام 2016، إذ شن نحو 89 في المائة من العمليات (92 عملية)، مقابل 11 في المائة شنتها تنظيمات إرهابية عشوائية، واقتصرت على محافظات الوادي والدلتا.
ومعروف أن الرئيس المصري السيسي نوه في تصريحات له أخيرًا بتحقيق أجهزة الأمن «إنجازات ملموسة» في مواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذه المواجهات «ستستمر لفترة... وستطول بسبب حرص قوات الجيش والشرطة على عدم المساس بمدنيين أبرياء خلال هذه المواجهات، خاصة، أن بعض خلايا الإرهاب تتعمد الاختفاء وسط تجمعات سكانية».
وبالتوازي مع الحرص على سلامة المدنيين في مناطق الاشتباكات، يطالب الرئيس المصري بمواصلة خطط استهداف البؤر الإرهابية المنتشرة في شمال شبه الجزيرة بأقصى درجات الحزم. وفعلاً، يفرض الجيش والشرطة المصرية طوقًا أمنيًا شديدًا على المداخل الغربية لسيناء منذ أكثر من 5 سنوات لمنع إدخال الأسلحة والمتفجرات من الأنفاق الموجودة شرقًا، خاصة مع تزايد العمليات ضد قوات الجيش والشرطة وتزايد حجم الأسلحة المستخدمة في تلك العمليات.
وحسب الخبير الأمني عبد المحسن، فإن الفكرة الأساسية لـ«داعش سيناء»، كباقي التنظيمات المتطرفة التي تتزيّا بزي الدين، توهم أتباعها أنهم «جماعة المسلمين... ومن عداهم ليسوا بمسلمين»، ومتابعًا أن كل هذه المجموعات تدور في نفس الفلك، فقط تختلف حول الزعامة أو أسلوب تحقيق دولتها وتحقيق أهدافها.

أبرز العمليات الإرهابية
يشار إلى أن من أبرز العمليات الإرهابية التي نفذتها جماعات متطرفة تفجيرات طابا التي راح ضحيتها 34 قتيلا في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004، وتفجيرات شرم الشيخ في يوليو (تموز) عام 2005 التي أودت بحياة 67 شخصا معظمهم من المصريين، وتسببت في إصابة 200 شخص - وبالتالي، تعد أسوأ هجوم إرهابي تعرضت له مصر، واتهم فيه أفراد من منظمة أطلق عليها تنظيم «القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة». وثلاثة تفجيرات هزت مُنتجع دهب (جنوب سيناء) خلال أبريل (نيسان) عام 2006 راح ضحيتها 23 قتيلا، ويومذاك تبنت التفجيرات جماعة أطلقت على نفسها جماعة «التوحيد والجهاد». ثم كانت هناك «مذبحة رفح الأولى» خلال أغسطس (آب) عام 2012، التي أسفرت عن قتل 16 ضابطًا وجنديًا بالجيش المصري قرب معبر حدودي بمنطقة رفح المصرية بين مصر وإسرائيل، وحينذاك استولى الجناة على مدرعتين لقوات الجيش وحاولوا اقتحام الحدود مع إسرائيل. و«مذبحة رفح الثانية» التي أسفرت عن مقتل 25 جنديًا بعدما أوقف مسلحون في أغسطس 2013 حافلتين تقل عددا من الجنود العائدين من إجازتهم إلى معسكراتهم في شمال سيناء، وأنزلوهم وقتلوهم. ويرى العميد عبد المحسن أن «الحرب بين الدولة المصرية والجماعات الإرهابية مستمرة، إلا أن العمليات الانتحارية للتنظيم الإرهابي تُعبر عن اليأس الذي وصل إليه».

مُقاومة دينية
في سياق موازٍ، قالت دار الإفتاء المصرية إنه على الرغم من حشد التنظيمات التكفيرية المتطرفة كل عناصرها وتكتيل قوتها ومواردها في سيناء وتكثيف عملياتها الإرهابية والتخريبية هناك ضد الدولة المصرية؛ فإنها فشلت حتى الآن بالسيطرة على أي قطعة من أرض سيناء، لتجعلها نقاط تجميع وانطلاق للتوسع في ضم الأراضي وكسب المساحات، وذلك على غرار ما حدث في ليبيا وسوريا والعراق. وأوضحت دار الإفتاء أن «صلابة الدولة المصرية وشجاعة قواتها واستبسال عسكرييها يُعد العامل الرئيسي في منع الإرهابيين من التمركز في سيناء، إضافة إلى إيمان المجتمع السيناوي بأهمية تطهير سيناء من الإرهاب ومساندته قوات الأمن والجيش في حربها ضد تنظيمات العنف هناك».
من جانبه، قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إن «على الشعب المصري التكاتف خلف القوات المسلحة في الحرب ضد الإرهاب، التي بدأت تشتد من جديد، بعدما تمكنت القوات المسلحة من السيطرة على سيناء خلال الفترة الماضية»، وأضاف: «إن التنظيمات الإرهابية كلما ضعفت وتمكن الجيش من السيطرة على سيناء وتدمير قوتها، تحصل على دعم جديد وتمويل خارجي وداخلي يساعدها على العودة من جديد.... ولكن هذه التنظيمات في النهاية ستنتهي ولن تحقق أي شيء».

صورة سيناء
على صعيد آخر، يقول الدكتور محمد طه، أستاذ اللغة العربية والحضارة في مصر، في شرحه أهمية سيناء التاريخية والاستراتيجية والحضارية «سيناء مُلتقى القارتين الأفريقية والآسيوية والجسر البري الذي يربط بينهما، ولقد كانت منذ القدم ممرًا للقوافل والجيوش. وهي تأخذ شكل المثلث تستلقي قاعدته الشمالية على امتداد البحر الأبيض المتوسط (من بور فؤاد غربا إلى رفح شرقًا) بطول يبلغ قرابة 200 كلم، أما رأسه فيقع جنوبًا عند منطقة رأس محمد (التي تبعد عن ساحل البحر الأبيض بنحو 390 كلم). ويبلغ امتداد الحد الغربي لمثلث سيناء نحو 510 كم (ويشمل هذا الامتداد خليج السويس وقناة السويس)، أما امتداد الحد الشرقي فيصل إلى نحو 455 كم (ويشمل خليج العقبة والخط الوهمي للحدود السياسية الشرقية لمصر)، وتبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء نحو 61.000 كم مربع... أي ما يقارب من 6 في المائة من إجمالي مساحة مصر مليون كم مربع.

من الفراعنة... إلى الإسلام
وتابع طه «لسيناء دور كبير على مر العصور، ففي عهد الفراعنة اقتفى أحمس الأول فلول الهكسوس المنهزمة ورفض أن يقيموا بأرض سيناء ولم يتركهم، إلا بعد أن طردهم حتى تل الفارعة على مشارف غزة. وفي أيام تحتمس الثالث أعظم ملوك الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة الملقب بـ(الفاتح العظيم) عبرت جيوشه سيناء في حروبه 17 مرة ووصلت الإمبراطورية المصرية في عهده إلى بلاد فارس وآسيا الصغرى. أما في العهد المسيحي فكانت سيناء المكان الآمن للعذراء، كان لسيناء شرف استقبال المسيح (عليه السلام) وأمه مريم وهو ما زال طفلاً... في رحلة الهروب إلى مصر خوفا من هيرودوس الذي أمر بقتل الطفل الوليد. ثم في العهد الصليبي كانت سيناء مسرحًا لعمليات الصليبيين العسكرية، أما في العهد الإسلامي فكانت سيناء طريق دخول الفتح الإسلامي لمصر الذي انطلق بعد ذلك حتى وصل إلى أوروبا ومكث بها سنوات طويلة، وهكذا ساهمت في امتداد الإمبراطورية الإسلامية من الشرق إلى الأقصى إلى إسبانيا في قارة أوروبا».
وأضاف طه أن «حادثة الفاروق عمر بن الخطاب (ر)، خليفة المسلمين، مع عمرو بن العاص خير دليل بأن فتح مصر ودخول الإسلام إليها تم عن طريق أرض سيناء، حيث مكث فيها بجنوده في منطقة المساعيد الحالية. وهذا الاسم أطلق عليه من القائد عمرو بن العاص وليس ابتكارًا عشوائيًا، ما يؤكد أن أرض سيناء أرض أمن وسلام، كما كانت سيناء الطريق الذي سارت عليه قوات صلاح الدين الأيوبي لمواجهة الصليبيين في موقعة حطين بفلسطين والانتصار عليهم عام 1187م».

«عبقرية» المكان
وعن مظاهر «عبقرية» سيناء، قال طه «إن لسيناء وضعا جغرافيًا متميزًا، فشمال سيناء هو حلقة الوصل والنقطة الحرجة بين ضلعي الشام ومصر، وهما ضلعان في وحدة استراتيجية واحدة عبر التاريخ. أما جنوب سيناء فهو الحصن المنيع وسط الجبال والممر الاستراتيجي في متلا والجدي، فضلا عن شرم الشيخ النقطة الحاكمة في أقصى الجنوب عند التقاء أو افتراق خليجي السويس والعقبة». مضيفا: «ومن مظاهر عبقرية سيناء أيضًا أنها كانت محط أطماع إسرائيل، وكثيرًا ما تعرّضت لمحاولات الاستيلاء عليها بين الحين والآخر، تمامًا كما حصل في فترات مُتباعدة من التاريخ؛ وكلها محاولات باءت كلها بالفشل بفضل وطنية أهل سيناء الذين رفضوا كل محاولات الانفصال عن مصر».
واستطرد طه «كذلك من عبقرية سيناء ذلك تنوعها البيئي الذي أوجد ثراءً حيويًا لا مثيل له، وإذا طبقت معايير الحماية الطبيعية على سيناء لتحوّلت كلها إلى محمية طبيعية كبرى، فكل شبر في وديانها وكل نبات على أرضها وكل صخرة في جبالها، وكل كائن حي يسعى فوق ترابها أو يسبح في مياهها ثروة بيئية تستحق الحماية والرعاية. وحاليًا تضم سيناء نحو ثلث عدد المحميات الطبيعية في مصر ففيها 7 محميات، إلى جانب 165 نوعًا من النباتات النادرة، منها 44 لا توجد إلا في هذه المنطقة. وتوجد أحدث المحميّات، وهي محمية طابا، على الشريط الساحلي لمصر على خليج العقبة، الذي يتميز بمواقعه الطبيعية وتكويناته الصخرية الرائعة».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.