من التاريخ: دراكولا... الحقيقة والخيال

من التاريخ: دراكولا... الحقيقة والخيال
TT

من التاريخ: دراكولا... الحقيقة والخيال

من التاريخ: دراكولا... الحقيقة والخيال

«دراكولا مصاص الدماء»... هكذا عرفناه من أفلام السينما الغربية متمثلة في شخصية الكونت دراكولا، الذي كان يمتص دماء ضحاياه مثل الخفافيش، فقط ليتحول الضحية بعد موته إلى كائن آخر من مصاصي الدماء. وهكذا جسّدت هوليوود هذه الشخصية التي برع في تمثيلها الممثل البريطاني الراحل الشهير كريستوفر لي، وسرعان ما تعددت الأفلام والمسلسلات المختلفة حول هذه الشخصية بأشكال مختلفة.
ولقد ابتكر المخرجون وكتَّاب القصص وسيلة قتل هذا المخلوق الخيالي من خلال وسيلتين أساسيتين، هما: دق الخازوق في قلبه مباشرة فيموت، أو يُكشف لضوء الشمس الذي يحرقه لأنه كائن ليلي لا يعيش إلا في الظلام. وهكذا تسلسلت الروايات، غير أن الحقيقة هي أن هذه الشخصية لها أساس في كتب التاريخ، ولكن ليس كمصاص دماء بطبيعة الحال، بل كشخصية سادية متعطشة للدماء والقتل والتعذيب.
الشخصية التاريخية التي اشتقت منها هذه الانحرافات الروائية هي للكونت فلاد ابن دراكولا، حاكم إقليم والاخيا (ولاشيا - أو بلاد الأفلاق - أكبر أقاليم جمهورية رومانيا الحالية) خلال القرن الخامس عشر، وينسب اسم «دراكولا» إلى والده وهو المرادف باللغة الرومانية لابن التنين.
لقد ولد فلاد لأمير إقليم والاخيا، الواقع بين قوتين متحاربتين هما الدولة العثمانية الفتية والدولة المجرية. وكان على هذا الإقليم أن يوازن سياسته دائمًا بين عدوين كبيرين لا طاقة له بهما. واختار والد فلاد أن يتحالف مع العثمانيين ضد المجريين، ووفقًا لمعايير ذلك الوقت كان التحالف يتطلب ضمانات لتحاشي الخيانة والغدر، وفي هذه الحالة سلّم الأب ابنيه فلاد ورادو إلى السلطان العثماني رهينتين لضمان ولائه له.
وعاش فلاد في كنف العثمانيين لسنوات طويلة، لكنه على الرغم من أنه لقي منهم معاملة حسنة للغاية تضمنت تدريبه على كل فنون القتال والحرب والحياة الرغدة، نشأ على كراهية العثمانيين والإسلام على حد سواء. وحقًا، رفض اعتناق الإسلام وتشرَّب الثقافة العثمانية تمامًا، إلا أنه كتم أمر كراهيته لهما منتظرًا لحظة عودته لقيادة بلاده. وهذا ما حدث عام 1448 عندما قتل والده بعد مؤامرة النبلاء ضده، فعاد فلاد ليتولى إمارة والاخيا، في ظاهره حليفًا للعثمانيين وفي باطنه عدوًا شديد العداوة لهم.
وعلى الفور بدأ القائد الشاب التجهيز لمواجهة العثمانيين، إلا أن هذه الخطة كانت تحتاج إلى تأمين الجبهة الداخلية، وهو ما فعله بكل عنف وقسوة في استهانة كاملة بإنسانيته وإنسانية شعبه. إذ بدأ تشديد قبضته من خلال التخلص من طبقة النبلاء بعد دعوتهم إلى مأدبة عشاء لكنه لم يتخلص منهم بالقتل، بل جمعهم تحت تهديد السلاح ووضعهم كعمال لبناء الجدران وترميم الأسوار الدفاع حول عاصمته دون أية مراعاة لحالتهم الاجتماعية أو أعمارهم، فمات أغلبيتهم بعد مرور فترة وجيزة.
أما على المستوى الشعبي فقد وضع دستورًا أخلاقيًا متشددًا للغاية، وكانت العقوبات أكثر من رادعة، فأغلبية عقوبات الذكور كانت قتل المذنبين على الخازوق وتركهم لساعات طويلة أو حتى أيام ليموتوا ببطء شديد، وكان يتلذذ وهو يراهم يتألمون ويرى في ذلك عبرة للرعية. ولكن الثابت تاريخيًا أن هذا الرجل السادي المريض كانت يشتاق إلى هذا المنظر، بدليل أنه قتل الآلاف من شعبه بهذه الطريقة البشعة، أما عقوبة الزانية فكان سلخها وتركها لتموت في الساحات العامة. ويقال إن أحد النبلاء دخل عليه ففزع من روائح الجثث المنتنة في الساحات، وعندما شكا له، أمر فلاد فورًا بجدع أنفه ووضعه على الخازوق هو الآخر. ويقال إن هذا الرجل المريض نفسيًا كان يتلذذ بمشاهدة مناظر القتل والتعذيب لدرجة أنه تعمد أن يكون حول قصره من كل الاتجاهات خوازيق يعدم عليها الناس.
عودة إلى التسلسل التاريخي؛ بمجرد أن دانت لفلاد ولأخيه رادو السيطرة المطلقة على والاخيا بالقهر والدم، فتح الجبهة مباشرة مع العثمانيين ودخل في صدام عسكري مع السلطان محمد الثاني «الفاتح» في أعقاب فتح الأخير القسطنطينية بسنوات قليلة. وكان السلطان قد أوفد اثنين من السفراء ليتفاوضوا مع فلاد بدلاً من الحرب، وعندما طلب منهما خلع عمامتيهما، اعتذر السفيران، فما كان منه إلا أن أمر جنوده بدق المسامير في رأسيهما لتثبيت العمامتين. هذا التصرف الوحشي أثار غضب السلطان فنشبت الحرب بينهما لسنوات طويلة، وخلالها طبَّق فلاد كل التكتيكات التي تعلمها في البلاط العثماني، حتى إنه في عام 1462 جر جيش محمد «الفاتح» إلى معركة مفتوحة بالقرب من نهر الدانوب وهزم - متحالفًا مع المجريين - مقدمة جيشه هزيمة نكراء، وأقدم على قتل كل الأسرى على الخازوق كعادته، وقطع أيدي البعض وأرجلهم، وتركهم أمام أنظار جنود جيش السلطان المتقدم ليروهم.
وهكذا، ازداد غضب السلطان وأقسم على الانتقام من فلاد بوضع رأسه على الخازوق أسوة بما كان يفعله مع الأسرى والمصابين. وبالفعل، عندما تقدم الجيش العثماني داخل والاخيا، وعلى الرغم من سياسة «الأرض المحروقة» التي لجأ إليها فلاد ليبطئ تقدم العثمانيين - وهو ما حدث - فإنه أخفق مع المجريين في مواجهة قوة جيش الدولة العثمانية الفتية المتصاعدة شهرًا بعد شهر.
وفعلاً استطاع العثمانيون محاصرة قلعة دراكولا، لكن فلاد تمكن من الفرار بمساعدة الغجر وتوجه إلى إقليم ترانسلفانيا، شمال غربي والاخيا، المتاخم للمجر، محاولاً تحالفه مع المجريين الذين قبضوا عليه. وفي هذه الأثناء، نصّب السلطان الفاتح الأمير رادو بدلاً من أخيه حاكمًا لوالاخيا. وظل فلاد في المنفى حتى عام 1475 عندما جاءه خبر وفاة أخيه، فقرر العودة متوهمًا أن الشعب سيستقبله بالترحاب. إلا أن هذا لم يحدث بطبيعة الحال لأن الشعوب لا تنسى مجرميها. وبالتالي فإنه لم يصمد بعد اعتلائه العرش أكثر من شهرين، إذ مات في ظروف غامضة، ويقال إنه قتل على أيدي الخدم أو أحد النبلاء. وفي كل الأحوال فقد قطعت رأسه وأرسلت مغطاة بالعسل إلى السلطان العثماني، الذي علّق على الخازوق في العاصمة أدرنة لتكون رمزًا للانتقام والعظة، لكل من تسوّل له نفسه خيانة العثمانيين بعد ذلك في أوروبا.
وهكذا انتهت حياة هذا الرجل الدموي السادي الذي تناقلت أوروبا قصص فظائعه لقرون تالية. وبقي عالقًا في الذاكرة الإنسانية على اعتباره من أسوأ الحكام وأكثرهم تعطشًا لدماء شعبه وأعدائه على حد سواء، كما دخل إلى عالمنا اليوم من خلال روايات «دراكولا مصاص الدماء»، مع الإشارة إلى أن ثمة روايات تزعم أن فلاد كان في بعض المناسبات يضع الخبز في كوب من دماء أعدائه أو المذنبين من شعبه ويأكله!
أخيرًا، أينما كانت الحقيقة، فإن أكل الخبز بالدم أو شرب الدم لا يختلفان كثيرًا، خصوصًا في السياسة والحكم. فالأمران يستويان، فإن لم ينل الشعب من أمثاله فإن التاريخ ينال منهم بالروايات والسير العفنة، تمامًا مثلما حدث مع الكونت فلاد ابن دراكولا.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.