البشير يجري عملية قسطرة قلبية والأطباء ينصحونه بالراحة

مجلس الوزراء يجيز قوانين بفصل النيابة العامة عن وزارة العدل

البشير يجري عملية قسطرة قلبية والأطباء ينصحونه بالراحة
TT

البشير يجري عملية قسطرة قلبية والأطباء ينصحونه بالراحة

البشير يجري عملية قسطرة قلبية والأطباء ينصحونه بالراحة

أوصى الأطباء الرئيس السوداني عمر البشير بالخلود للراحة لمدة قصيرة، بعد أن أجروا له عملية قسطرة قلبية في مستشفى بالخرطوم مساء أول من أمس، وأرجعوا وضعه الصحي الذي وصفوه بالمطمئن، إلى ما سموه الإجهاد المتواصل خلال الأيام الماضية، وفي غضون ذلك أجاز مجلس الوزراء حزمة قوانين قضت بفصل سلطة النيابة العامة عن وزارة العدل.
وذكرت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس نقل على عجل إلى «رويال كير» بالخرطوم، وأجريت له فحوصات طبية بالمستشفى أخضع خلالها لعملية قسطرة تشخيصية، ووفقًا لهذه المصادر فإن النتائج كانت مطمئنة، وأن الرئيس خرج من المستشفى في الحادية عشرة من ليل الأربعاء، وأن الأطباء أوصوا بخلوده للراحة لمدة قصيرة من الزمن، وقالوا إن «ما تعرض له كان بسبب الإجهاد المتواصل في الأيام الماضية».
ومنذ ليل الأربعاء، تناقلت مواقع تواصل اجتماعي ومجموعات على تطبيق «واتساب»، بعضها يضم مسؤولين رفيعي المستوى، أن الحالة الصحية للرئيس استدعت نقله إلى المستشفى.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر بمجلس الوزراء، بأن اجتماع المجلس الذي ترأسه النائب الأول بكري حسن صالح أمس، أوصى المتحدث باسم الحكومة بإعلان الوضع الصحي للرئيس، قطعًا لدابر الشائعات.
وخضع الرئيس البشير في مايو (أيار) 2014 لجراحة لاستبدال «مفصل الركبة»، أجراها فريق من الأطباء السودانيين بأحد مستشفيات الخرطوم، تماثل إلى الشفاء بعدها.
وأجرى الرئيس البشير في العام أغسطس (آب) 2012 جراحة في الحلق في العاصمة القطرية الدوحة، وقال القصر الرئاسي وقتها، إنها لمعالجة «(ارتخاء في الحبال الصوتية)، ثم أجرى جراحة ثانية في العاصمة السعودية الرياض نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه. وذكر وقتها أن الجراحة الثانية كانت بسبب عدم التزامه بتعليمات الأطباء الذين طالبوه بالكف عن المخاطبات الجماهيرية، ما أدى إلى إصابته بالتهابات اقتضت إجراء عملية جراحية لإزالتها، وقطعت تلك التصريحات وقتها سيل معلومات عن إصابته بـ(سرطان في الحلق)»، وفقًا لما نقلته «الشرق الأوسط» حينها.
وظلت الحالة الصحية للرئيس عمر البشير البالغ من العمر 73 عامًا تشغل المواطنين والسياسيين، بيد أنه ومنذ تسلمه السلطة في يونيو (حزيران) 1989 كان في صحة جيدة. ولوحظ عليه اعتلال الصحة أول مرة أثناء قمة أفريقيا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 2012.
من جهة أخرى، أجاز مجلس الوزراء أمس الذي ترأسه النائب الأول بكري حسن صالح، قانوني النيابة العامة وتنظيم وزارة العدل لسنة 2017، التي قضت بفصل وزارة العدل والنيابة العامة، إضافة إلى قانون الإجراءات الجنائية 2017، وأرجأ البت في قانون تنظيم الدِّيات لحين الاستئناس بقرار يكونها المجلس بالخصوص، ضمن حزمة تعديلات دستورية وقانونية تشهدها البلاد، بعد أن أقرتها توصيات شركاء الحوار الوطني، واستحدث بناء عليها منصب رئيس وزراء، ومنح الرئيس صلاحية تعيين نواب في البرلمان، تمهيدًا لحكومة الوفاق الوطني المزمعة.
وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء، عمر محمد صالح، في تصريحات صحافية عقب الاجتماع أمس، إن إجازة هذه القوانين تأتي ضمن تنفيذ مطلوبات إصلاح جهاز الدولة، وتنفيذًا لمخرجات الحوار الوطني، ولموافقة القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان، وأوضح أن قانون تنظيم وزارة العدل استصحب فصل النيابة العامة عن وزارة العدل.
ووفقًا لخبراء قانونيين، فإن فصل النيابة العامة عن وزارة العدل يجعل من الأولى مستقلة وغير تابعة للحكومة، ما يمكنها من محاربة قضايا الفساد، ويتيح لها مزيدا من الاستقلالية في اتخاذ القرار، ويجعلها تتحول إلى وسيلة ناجحة لإصلاح القضاء في البلاد، بأن يكون للنيابة شخصية مستقلة عن التأثير الحكومي استهداء بتجارب دول مثل أميركا ومصر.
وكانت سلطة النائب العام مستقلة في السودان قبل إنشاء (وزارة العدل)، وبعد إنشائها تحولت الإجراءات ما قبل القضائية خاضعة لوزير العدل بصفته التنفيذية، بعد أن كان القانون يترك الأمر للقضاء والشرطة، وهو أمر كان يثير كثيرا من الجدل بين الجهات العدلية في البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.