المشهد: واقع السينما المصرية

المشهد: واقع السينما المصرية
TT

المشهد: واقع السينما المصرية

المشهد: واقع السينما المصرية

* نشر الزميل سمير فريد في عموده اليومي في صحيفة «المصري اليوم» قائمة بالأفلام المصرية التي عُـرضت على شاشات السينما في مصر خلال عام 2016، وهو بذلك قدّم، كما اعتاد، خدمة واسعة للمتابعين في ظل بيانات صحيحة غائبة وسط فوضى تعاني منها معظم السينمات العربية.
* الرقم الذي وصل إليه عدد الإنتاجات في مصر خلال العام المنصرم بلغ 45 فيلما، وهو رقم أعلى بنسبة ملحوظة مما شهدته الأعوام الأسبق، وإن كان لا يزال بعيدًا عن تحقيق النسبة التي شهدتها السينما المصرية في الستينات على سبيل المثال.
* رغم ذلك، هذه ليست مشكلة والفارق بين هذا الحال وما كان عليه الوضع قبل سنوات قليلة، عندما لم يزد العدد عن خمسة عشر فيلما ثم عشرين فيلما، فارق كبير. لكن إذا كان ما يسجل إيجابيًا في هذا المجال وجود هذا العدد الجيد من الأفلام فإن ما هو سلبي قلّـة الأفلام التي تستحق التموضع في قائمة نوعية.
* الكم مهم لأنه لا توجد سينما عريقة قامت على التجارب المستقلة والأفلام النوعية وحدها، وفي الأيام الخوالي التي شهدت تيارات المخرجين الذين تركوا بصماتهم المغايرة عن السائد، من صلاح أبو سيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين إلى علي بدرخان وسعيد مرزوق ومحمد خان، كان ذلك النجاح يتم بوجود قاعدة جماهيرية عريضة تسمح بنجاح التجارب المختلفة وإنتاجات متنوعة.
* القائمة المنشورة تضم القليل مما هو مختلف. هناك «قبل زحمة الصيف» لمحمد خان و«اشتباك» لمحمد دياب و«زي عود الكبريت» لحسين الإمام و«يوم للستات» لكاملة أبو ذكرى. ثم ثلاث محاولات نصف - طريق من يسري نصر الله («الماء والخضرة وهالة خليل («نوارة») وخالد الحجر («حرام الجسد»).
* الباقي تشير عناوينه إلى مستواه: «كلب بلدي‬»، «عشان خارجين»، «30 يوم عز»، «اللي اختشوا ماتوا»، «حسن وبقلظ» الخ… إن لم يسهم العنوان في رسم ملامح الفيلم فإن النقد المنشور حول معظم ما تبقى من أعمال يؤكد ذلك.
* ولا عجب أن هناك الكثير من المخرجين الجدد (14 مخرجًا أول مرّة والغالبية قدّمت فيلما أو فيلمين سابقًا) لأن غالبية المنتجين اليوم يريدون مخرجين جددا يعملون بحسم إملاءاتهم. هذا في الوقت الذي يزداد حجب المخرجين الجيدين وذوي الخبرة عن العمل.‬



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).