«لياوونينغ» تستعرض عضلاتها في مضيق تايوان

أثار حفيظة طوكيو وتايبيه... وشينزو آبي يشحذ همم دول المحيط الهادي

«لياوونينغ» تستعرض عضلاتها في مضيق تايوان
TT

«لياوونينغ» تستعرض عضلاتها في مضيق تايوان

«لياوونينغ» تستعرض عضلاتها في مضيق تايوان

للمرة الثانية خلال أسبوعين قامت حاملة الطائرات الصينية الوحيدة «لياوونينغ» بالإبحار في منطقة بحر الصين الجنوبي منذ المكالمة الشهيرة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ورئيسة تايوان تساي إنغ - وين في استعراض قوة أثار حفيظة طوكيو وتايبيه. الحاملة دخلت أمس مضيق تايوان في خطوة اعتبرت من قبل البيض الأبيض أنها ستزيد من حجم التوترات في المنطقة، لكن شددت تايوان على ضرورة عدم «الذعر» والحفاظ على الهدوء مع تصاعد التوتر حول الوضع الدبلوماسي للجزيرة.
وأعلنت تايبيه، كما ذكرت الوكالة الألمانية في تقريرها، حالة تأهب قصوى، أمس الأربعاء، مع وجود الحاملة في منطقة الدفاع في المضيق بعد يوم من رصد ثلاث سفن حربية صينية بالقرب من جنوب اليابان. وذكرت وزارة الدفاع الوطني التايوانية أن حاملة الطائرات الصينية «لياوونينغ» دخلت منطقة تحديد الهوية للدفاع الجوي في تايوان من الجنوب الغربي في الساعة السابعة صباحا، وأبحرت شمالا بالمضيق. حاملة الطائرات والسفن المرافقة لها أبحرت إلى الغرب من خط الوسط للمجرى الملاحي الذي يبلغ عرضه 180 كيلومترا، وسيستغرق عبوره نحو عشر ساعات. وقالت الوزارة في بيان: «نطلب من الجمهور ألا يشغلوا بالهم، لأننا نراقب الوضع»، وأضافت كما ذكرت الوكالة الفرنسية، أن «الجيش يراقب الوضع وسيتصرف حسب الضرورة... نحث شعب تايوان على التحلي بالهدوء». وقالت رئيسة مجلس شؤون تايوان تشانغ هسياو يو إن «مجلس الأمن القومي مطلع بشكل جيد على الوضع... ونقوم بما هو ضروري». وتابعت: «الحكومة لديها ما يكفي من القدرات للدفاع عن أمن بلادنا».
وكانت السفن الحربية عائدة إلى الصين بعد أن أجرت تدريبات في بحر الصين الجنوبي. وتزامنت رحلة العودة مع زيارة رئيسة تايوان، تساي إنغ - وين إلى أميركا الوسطى، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء البلاد المتبقين.
وفي واشنطن، وردا على سؤال حول عمل مرور حاملة الطائرات الصينية من المضيق، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر، أن جزءا من استراتيجية الولايات المتحدة الشاملة في آسيا والمحيط الهادي يتمثل في نزع فتيل التوترات. وأضاف تونر: «من المؤكد، أننا لا نريد رؤية استعراضات للقوة أو أي نوع من التصعيد».
اعتبر خبراء المناورات التي تقوم بها حاملة الطائرات «لياوونينغ» السوفياتية الصنع «رمزية» ولا تشكل تهديدا عسكريا فعليا.
وتطالب بكين بأحقيتها في السيادة على تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1949.
وتايوان لديها 21 حليفا دبلوماسيا بعد أن خسرت ساو تومي وبرينسيب، وهي دولة أفريقية صغيرة تتكون من جزيرتين، التي انحازت إلى الصين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وكانت وزارة الدفاع اليابانية قد ذكرت هي الأخرى أن ثلاث سفن صينية أبحرت الثلاثاء بالقرب من جزيرة كيوشو جنوب اليابان. وجاء في بيان للوزارة أن السفن الصينية الثلاث مرت عبر مضيق تسوشيما نحو الساعة العاشرة صباحا بالتوقيت المحلي. وقالت الوزارة إن السفن لم تدخل ما تعتبرها اليابان مياهها الإقليمية. وكانت اليابان قد رصدت ثماني طائرات صينية، الاثنين، من بينها ست قاذفات طراز «إتش6» وهي تحلق فوق المضيق، مما دفع اليابان إلى الدفع بطائرات مقاتلة، غير أن الوزارة قالت إنه لم يكن هناك أي انتهاك للمجال الجوي الياباني.
رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، سيبدأ زيارته التي تستمر ستة أيام إلى أربع دول مطلة على المحيط الهادي هذا الأسبوع لتعزيز التعاون الأمني. ومن المقرر أن يغادر آبي إلى الفلبين، اليوم الخميس، حيث سيجري محادثات مع الرئيس رودريغو دوتيرتي قبل أن يتوجه إلى أستراليا وإندونيسيا وفيتنام. وتأتي زيارة رئيس الوزراء قبل أسبوع من تنصيب دونالد ترامب، رئيسا للولايات المتحدة. وتردد أن اليابان وفريق انتقال السلطة للرئيس المنتخب يريدان عقد اجتماع قمة بين آبي وترامب بعد وقت قصير من التنصيب.
لكن لم يتحدد هذا الموعد بعد. ونقلت وكالة «كيودو» اليابانية للأنباء عن مسؤول حكومي ياباني، لم يكشف عن هويته، قوله إن «الزيارات تهدف إلى إعادة تأكيد أهمية شبكة التحالف الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادي وتعزيز التنسيق مع الدول الرئيسية في المنطقة». وأضاف المسؤول: «تأمل اليابان في الاضطلاع بدور بارز في دعم التنسيق الوثيق مع دول آسيا والمحيط الهادي في وقت يتزايد فيه عدم اليقين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية». ويأمل آبي في أن يشارك الدول الأربع مخاوفها بشأن الحشد العسكري للصين وإصرارها المتزايد في بحر الصين الجنوبي، طبقا لما ذكره مسؤولو الحكومة اليابانية.
ويأتي إبحار الحاملة في مضيق تايوان بعيد توقف رئيسة تايوان تساي إنغ - وين في الولايات المتحدة، حيث التقت السيناتور الجمهوري تيد كروز في اجتماع أثار «احتجاجا شديدا» من جانب الصين.
وكانت بكين طلبت من واشنطن منع طائرة تساي من عبور الأجواء الأميركية في طريق الذهاب والعودة إلى أميركا الوسطى.
وكتبت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية المعروفة بنهجها القومي أن بكين «مستعدة تماما» لقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة في حال تخلى ترامب عن سياسة «الصين الواحدة».
وأثار ترامب غضب الصين عندما قبل اتصالا هاتفيا من تساي لتهنئته بانتخابه مخالفا بذلك تقاليد البيت الأبيض الذي تخلى عن التواصل مباشرة مع زعماء تايوان التي تعتبرها الصين جزءا منها. ولم تتخل الصين يوما عن إمكانية استخدام القوة لفرض سيادتها على الجزيرة إلى أن انفصلت سياسيا عن البر الصيني في 1949.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟