عبد الله العروي.. أدلجة الآخر

أطروحات ودراسات مبتكرة أثرت الفكر العربي المعاصر

عبد الله العروي
عبد الله العروي
TT

عبد الله العروي.. أدلجة الآخر

عبد الله العروي
عبد الله العروي

عُرف عبد الله العروي مؤرخًا للمغرب العربي مثلما عرف مفكرًا معنيًا بالقضايا الحيوية الكبرى المتعلقة بتطور الفكر العربي في إشكالياته الخاصة، أي ضمن سياقه التاريخي والثقافي الخاص، وفي تفاعله مع الفكر الغربي. هذا الجانب الأخير أسفر عن عدد من الأطروحات والدراسات المبتكرة التي أثرت الفكر العربي المعاصر ومن أشهرها دراساته في مفاهيم رئيسية كالآيديولوجيا والتاريخ والحرية والدولة. ويُعدّ كتابه «الآيديولوجيا العربية المعاصرة» الصادر بالفرنسية عام 1967 ثم المترجم إلى العربية من الكتب المهمة التي تناولت وضع الثقافة العربية في النصف الأول من القرن العشرين وأوائل النصف الثاني. وتأتي أهمية الكتاب من عدة وجوه، أحدها ما يهم مبحثنا هذا الذي لا يسعى إلى تقييم الكتاب أو تحليله، وإنما الوقوف على بعض ما تضمنه مما يتصل بموضوع السلطة والرقابة وتأثيرهما على المثقف والثقافة.
لعل أول ما يسترعي الانتباه في كتاب العروي إشكالية الترجمة، ليس فقط من الوجهة التي طرحها هو في مقدمته، وإنما أيضًا من وجهة أخرى تعرض لها في الكتاب، وإن من زاوية مغايرة للمقصود هنا. الإشكالية هي إشكالية الترجمة، فالعروي يشكو من سوء ترجمة الكتاب إلى العربية ويعزو سوء الفهم الذي قوبل به الكتاب لدى البعض إلى ذلك السوء في الترجمة. ويسترعي الانتباه في البدء قوله: «سيطلع القارئ إذن لأول مرة على النص الأصلي لهذا الكتاب»، فهل يقصد أن هذه هي الترجمة الأدق؟ وكيف يكون النص أصليًا إذا كان مترجمًا؟ إن في الأمر لبسًا يزداد حين يتحدث العروي بعد ذلك عن «الظروف التي تمت فيها الترجمة الأولى والكيفية التي انتزعت بها مني الموافقة» (التأكيد مني). فإلى أي كيفية وأي انتزاع يشير المؤلف؟ هل كان الانتزاع بسبب ضغط الأصدقاء أم أن عوامل أخرى تدخلت؟ وهل ود العروي لو أن الكتاب بقي بالفرنسية التي ترجم منها؟
مشكلة العروي هنا تذكّر بما واجهه مالك بن نبي حين ألف بالفرنسية ثم اضطر أولاً لأن يرى كتبه مترجمة بإشرافه، ثم إلى أن يؤلف بالعربية لا بالفرنسية. لكن مشكلة المؤلف الجزائري مع الفرنسيين الذين شوهوا كتبه الفرنسية، كما يقول، تنقلب مع المؤلف المغربي لتصبح المشكلة مع العرب لا مع الفرنسيين. فالترجمة القاصرة أدت إلى فهم قاصر يسعى المؤلف إلى تصحيحه من ناحية، بينما هو يسعى، من ناحية أخرى، إلى ربط المشكلة بقضية أكبر تعد جزءًا من مشكلة الثقافة العربية قديمًا وحديثًا. إنها مشكلة التعامل مع الآخر، مع ثقافته وكيفية فهمها. هنا يقترب المؤلف من أطروحة كتابه التي تبرز هيمنة الآيديولوجيا على الثقافة العربية المعاصرة، الآيديولوجيا التي تعني سلسلة من الأفكار والمعتقدات المنفصلة عن الواقع سواء حول الذات أو الآخر، فهي «منحرفة عن الواقع» (أي أدلوجة). وتلعب الترجمة دورًا بارزًا في تلك العملية الانفصالية بنشر فهم مغلوط أو ناقص للنصوص المعربة. كيف يا ترى ترجم أعلام الثقافة الفرنسية، يتساءل العروي، إن كانت ترجمة كتابه أنموذجًا لما ينتشر من ترجمات؟
الصورة التي يظهر بها المترجم في مقدمة العروي تكاد تجعله الشخصية الرابعة إلى جانب الشخصيات الثلاث التي يدرسها في كتابه: الشيخ والسياسي وداعي التقنية. سعي أولئك إلى تحقيق نهضة عربية سواء في المشرق أو المغرب العربي ظل محكومًا بآيديولوجيا منفصلة عن واقع المجتمعات العربية مثلما هي منفصلة عن واقع المجتمعات الغربية التي تترجم ويجري التعلم منها ومحاكاتها، منفصلة بمفاهيم وأحكام مسبقة. لكن المهم هنا هو أن ذلك يعني هيمنة على الواقع العربي يصعب اختراقها، وما صراع العروي مع مترجميه إلا صورة مصغرة لمحاولته كسر الهيمنة لكي يصل إلى القارئ العربي بالقدر الذي يجعل كتابه مؤثرًا بحيث يجعل «الوعي العربي يتساوى مع واقعه المجتمعي داخليًا وخارجيًا».
تقول المعلومات السيرية الخاصة بعبد الله العروي إنه ابتدأ حياته الثقافية بالنشر باسم مستعار هو «عبد الله الرافضي»، ومن يعرف إيحاءات مفردة «رافضي» الملصقة بالشيعة من قبل أهل السنّة في العالم الإسلامي سيستغرب الاختيار، فلعل المقصود هو الرافضي بمعنى من يرفض الواقع أو النظام الذي يعيش فيه، أي بمعنى الثائر أو الثوري، لكن تلك ستكون صيغة غير معتادة. ولا يبدو أن في سيرة العروي، المعلنة على أية حال، أحداث نضالية سوى قربه ربما من بعض المناضلين في الحياة السياسية للمغرب المعاصر مثل المهدي بن بركة، هذا إلى جانب انتمائه لليسار في الفكر والسياسة. وهذا الانتماء يعني دون شك رفضًا، أو قدرًا من الرفض، للواقع السياسي والفكري، لكن السؤال هو: كيف أسفر ذلك الرفض عن نفسه في أعمال العروي؟
في كتاب «الآيديولوجيا العربية المعاصرة»، كما في كتاب «مفهوم الآيديولوجيا»، يؤكد العروي أن الآيديولوجيا العربية المعاصرة، بما هي آيديولوجيا، «تستعيد مسار الفكر الغربي وهي، لهذا السبب، متعالية عن المجتمع الذي تعبر عنه». ويعني هذا أن الفكر الغربي يمارس هيمنة أو احتلالاً للفكر العربي، نوعًا من القمع المفروض ذاتيًا وليس من الخارج. وسيذكرنا ذلك بما يقوله مالك بن نبي حول القابلية للاستعمار، والاستعداد لتلبس فكر الآخر، أطروحاته، رؤيته لنفسه وللعالم، بحيث يتحول إلى رقيب مهيمن على الذات وقامع لقدرتها على الرؤية المستقلة. يأتي هذا ضمن مقارنة يجريها العروي بين كتابه «الآيديولوجيا العربية المعاصرة» وكتاب للبناني نديم البيطار بعنوان «الآيديولوجية الانقلابية» (1964)، مقارنة تنتصر، كما يجب أن نتوقع، لكتاب العروي.
وتختتم تلك المقارنة بملاحظات المفكر المغربي حول كتابه يقول في نهايتها إنه اختار الابتعاد عن الغرب بعدم استخراج أدلوجة من تاريخه مفضلاً استخراج الأدلوجة من التاريخ العربي الحديث نفسه («لم أستخرج أدلوجة من تاريخ الغرب»). لكنه يفاجئنا بعد ذلك بقليل بقوله إنه حكم «على الماركسية بأنها النظرية المعقولة الواضحة النافعة لنا في الدور التاريخي الذي نحياه»، وليؤكد ذلك مرة أخرى في آخر جملة من ذلك الفصل؛ يقول فيها: «ولهذا السبب يستعمل البحث مفهوم الأدلوجة الذي تشترك فيه الماركسية والاجتماعيات الألمانية، المعنى الذي بلورته أعمال مانهايم ولوكاتش».
لا يرى العروي أن تبنيه للماركسية استعادة لمسار الفكر الغربي، كالتي تسم الفكر العربي الذي ينتقده. هل الماركسية وأعمال مانهايم ولوكاتش منفصلة عن الفكر الغربي؟ أم أن وعي العروي بما يفعل يبعده عن التلبس الآيديولوجي الذي يجده لدى المفكرين العرب الآخرين؟ أو لربما أنه لم ير أن الأطروحات الماركسية وفكر مانهايم واقعة ضمن آيديولوجيا غربية، ما يجعلها مهيأة للتبني وصالحة لتفسير الظواهر حتى النابت منها في سياقات ثقافية مختلفة عن تلك التي عمل ماركس ومانهايم على استخراج آيديولوجيتهما منها؟
الحقيقة أن العروي مع تبنيه للماركسية يعبر عن موقف نقدي إزاءها، فهو ينكر دعوى العلمية في الماركسية ويقول إن الماركسيين العرب انزعجوا من ذلك الإنكار. شكواه من ذلك الانزعاج تذكّر بشكوى ميشال فوكو من انزعاج الماركسيين الفرنسيين لتجاهله الإشارة إلى ماركس الذي سبق أن أشرت إليه في مقالة سابقة حول فوكو، فهو القلق ذاته من الرقابة التي يفرضها عليه الرقيب الآيديولوجي في نهاية المطاف.
غير أن فوكو الذي يتحرك ضمن سياقه الحضاري من دون أن يلقي بالاً لسياقات ثقافية أخرى يختلف عن العروي وغيره من المفكرين العرب الذين يتحركون وأعينهم مشدودة إلى ثقافتهم من جهة وإلى الآخر من جهة أخرى، بل وأعين الثقافتين مشدودة إليهم بالتفحص والنقد. بيد أن الوعي بالآخر الثقافي لدى المفكرين العرب، ومنهم العروي، يظل بعيدًا عما يشكو منه مفكرون غربيون مثل فوكو. ليس المفكرون العرب معنيين بالتنوير، مثلاً، من الزاوية التي كانت مدار تحليلات فوكو في كتب مثل «أدب وعاقب» أو «أركيولوجيا المعرفة».
يشير العروي إلى فوكو ضمن مفكرين آخرين فقط ليلفت الانتباه إلى صعوبة أساليبهم في الكتابة وتأسيه على وضع أعمالهم المترجمة إلى العربية. أما ضيق بعض أولئك، مثل فوكو وباديو ودولوز وتشومسكي، من القيود المفروضة على حرية الخطاب فلا تحتل مكانًا في الوعي الفكري العربي المشغول بكيفية الاتكاء على معطيات الفكر الغربي أكثر منه بنقدهم أو اكتشاف مشكلاتهم، أي المشغول بالمنهجيات على النحو الآيديولوجي الذي يكشف عنه العروي دون أن يخرج هو تمامًا عن مؤثراته.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.