شركات السيارات تترقب تغريدات دونالد ترامب

الرئيس المنتخب شكر «فيات» و«فورد» لاستثمار ملياري دولار في بلاده

شركات السيارات تترقب تغريدات دونالد ترامب
TT

شركات السيارات تترقب تغريدات دونالد ترامب

شركات السيارات تترقب تغريدات دونالد ترامب

اجتمعت شركات صناعة السيارات، اعتبارا من أمس، في معرض ديترويت بالولايات المتحدة، على وقع تغريدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعدما باتت هدفا لانتقاداته اللاذعة في إطار رغبته في إعادة الوظائف الصناعية إلى الولايات المتحدة.
وشكر ترامب أمس على «تويتر» شركتي «فيات كرايزلر» و«فورد» بعد أن أعلنت الأولى استثمار مليار دولار في ميتشيغان وأوهايو، والثانية مليار دولار في ميكسيكو.
وقد نشر ترامب خلال أسابيع قليلة على «تويتر» سلسلة من الرسائل الغاضبة، استهدفت «جنرال موتورز» و«فورد» و«تويوتا»، أكبر ثلاث شركات من حيث مبيعات السيارات على الأراضي الأميركية.
وأوضح سكوت هولديسن، مسؤول فرع نقابة «عمال السيارات المتحدين» النافذة، من موقع فورد في شيكاغو، لوكالة الصحافة الفرنسية أن العامل في المصانع المكسيكية يتقاضى ما بين 5 و8 دولارات في الساعة، مقابل معدل 20 دولارا للعامل لدى شركة فورد، على سبيل المثال.
وثمة أسئلة كثيرة تراود الكثير من مسؤولي قطاع صناعة السيارات في مقرات الشركات، كما في غرف الفنادق في ديترويت: أي مجموعة ستواجه الآن غضب الرئيس المنتخب؟ وهل سيواصل استهداف جنرال موتورز وتويوتا وحتى فورد، ولو أن الأخيرة تخلت تحت الضغط عن بناء مصنع في المكسيك؟
وفي ظل هذا الترقب، باتت مراقبة موقع «تويتر» الذي يستخدمه ترامب لتوجيه رسائله، أولوية بالنسبة لخلايا التواصل عبر الشبكات الاجتماعية في شركات السيارات. وأوضحت جانين غينيفان، المتحدثة باسم مجموعة «فولكسفاغن» الألمانية التي تملك موقع إنتاج في المكسيك: «إننا نراقب بشكل نشط شبكات التواصل الاجتماعي». وهو ما تفعله أيضا شركة «أودي» المتفرعة عنها، وقد باشرت في نهاية سبتمبر (أيلول) 2016 إنتاج سيارتها الجديدة من طراز «كي 5» في ولاية بويبلا المكسيكية، حيث أقامت أول مصنع لها في أميركا الشمالية تبلغ قدرته الإنتاجية 150 ألف سيارة في السنة ويوظف ما يصل إلى 4200 شخص.
غير أن مجموعة «جنرال موتورز» أوضحت أن مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي من ضمن «الممارسات الاعتيادية» للبقاء على اطّلاع على كل ما يقال عن الشركة.
وتستبق بعض شركات السيارات منذ الآن انتقادات الرئيس الأميركي المقبل، ولا سيما شركة «فيات كرايسلر» التي أعلنت الأحد استحداث ألفي وظيفة في الولايات المتحدة وإعادة عمليات إنتاج شاحناتها الصغيرة من طراز «رام» من المكسيك إلى الولايات المتحدة.
وأكدت المجموعة التي أنقذت من الإفلاس قبل سبع سنوات بواسطة أموال عامة، خصصتها لها السلطات الفيدرالية: «أعلنا منذ يونيو (حزيران) 2009 عن استثمارات بقيمة 8.4 مليار دولار في الولايات المتحدة، ووظفنا 25 ألف شخص إضافي».
وحمل ترامب المدافع عن شعار «صنع في أميركا»، بشدة على الاتفاقيات التجارية التي تفاوض الرؤساء الأميركيون بشأنها حتى الآن، فاتهمها بالتسبب في خسارة ملايين الوظائف في القطاع الصناعي في الولايات المتحدة، ووعد خلال الحملة الانتخابية بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) الموقعة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وتجيز هذه الاتفاقية بيع سيارات في الأراضي الأميركية من دون ضرائب على الاستيراد، في حال كانت 65 في المائة من قطعها مصنعة في أميركا الشمالية (الدول الثلاث الموقعة).
واستغلت شركات السيارات العاملة في الولايات المتحدة هذا البند من الاتفاقية لزيادة استثماراتها في المكسيك، حيث تخطت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 30 مليار دولار بين 1999 و2013، بحسب مجموعة الضغط «برو مكسيكو».
وبموازاة ذلك، أصبحت الولايات المتحدة في الفصل الأول من عام 2015 القبلة الأولى للسيارات المصنعة في المكسيك (70 في المائة)، وفق الجمعية المكسيكية المتخصصة «اميا».
وتملك كبرى الشركات التي تبيع سيارات في الولايات المتحدة مواقع إنتاج في المكسيك، بما في ذلك شركتا «مرسيديس بنز» و«بي إم دبليو» اللتان ستباشران إنتاج سيارات «صنعت في المكسيك»، اعتبارا من 2018 و2019 على التوالي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟