وادي بردى على مرمى الصواريخ والمدفعية... والمعارضة تتقدّم في الغوطة الشرقية

الفصائل تطلق معركة الثأر لحصاره وتقتل 15 عنصرًا للنظام بريف حماه

وادي بردى على مرمى الصواريخ والمدفعية... والمعارضة تتقدّم في الغوطة الشرقية
TT

وادي بردى على مرمى الصواريخ والمدفعية... والمعارضة تتقدّم في الغوطة الشرقية

وادي بردى على مرمى الصواريخ والمدفعية... والمعارضة تتقدّم في الغوطة الشرقية

لم يتبدّل المشهد الميداني في بلدات وقرى وادي بردى المحاصرة، التي بقيت هدفًا لمدفعية وصواريخ النظام السوري، فيما واصل مسلحو «حزب الله» هجماتها في محاولة للتقدم على الأرض من دون جدوى، لكن فصائل المعارضة المسلّحة ردّت بعمليات نوعية، سواء في الغوطة الشرقية، حيث هاجمت مواقع سيطر عليها النظام خلال الهدنة وتمكنت من استعادتها، أو في ريف حماه عبر هجوم خاطف نفذته على حاجزين لقوات الأسد تحت عنوان «معركة الثأر لوادي بردى»، وأوقعت أكثر من 15 قتيلاً من عناصرها.
واتهم الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة في بيان، نظام الأسد والميليشيات الإيرانية بـ«انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على الرغم من الدعوات الدولية للالتزام بالهدنة». وأوضح أن مكتبه الإعلامي «أحصى 27 خرقًا للاتفاق يوم الأحد، وفق المعلومات التي بثّتها الشبكات المحلية والناشطون الميدانيون، وسقط على إثرها 16 شهيدًا في خمس محافظات، معظمهم في منطقة وادي بردى بريف دمشق».
وشدد الائتلاف على أهمية «التطبيق الشامل والكلي لوقف الأعمال العسكرية والعدائية». وحثّ مجلس الأمن الدولي على «تبني قرار يطالب بخروج جميع الميليشيات الأجنبية من سوريا على الفور، وإلزام جميع الأطراف بالتوقف عن دعمها أو توفير غطاء سياسي أو قانوني لها».
ميدانيًا، استهدفت قوات النظام عددًا من قرى وبلدات وجرود وادي بردى، بعشرات الصواريخ من نوع أرض - أرض والقذائف المدفعية والصاروخية. وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن القصف «تزامن مع اشتباكات بين قوات النظام ومقاتلي (حزب الله( من جهة، والفصائل المسلّحة من جهة أخرى، على محاور دير مقرن وكفير الزيت وكفر العواميد بشمال غربي وادي بردى»، مشيرًا إلى أن القصف «طاول مدينة الزبداني وبلدة مضايا المحاصرتين». في حين أعلن موقع «الدرر الشامية» الإخباري المعارض، أن «فصائل المقاومة السورية دمّروا دبابة لقوات النظام على جبهة بلدة كفيرالزيت في منطقة وادي بردى».
مصدر عسكري في المعارضة، قال لـ«الشرق الأوسط»، أكد أنه «رغم التصعيد الخطير على وادي بردى، فإن الفصائل مستمرة في التزام وقف النار، وهي تردّ على الهجمات ضمن نطاق الدفاع عن النفس»، مشددًا على أن «الفصائل المرابطة في وادي بردى لم تضعف حتى تقدّم تنازلات مذلة يحاول النظام فرضها بالقوة»، معتبرًا أن «نفس الثوار طويل، وهم قادرون على صدّ كل الهجمات».
وعلى جبهة الغوطة الشرقية، فقد تمكنت فصائل «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» و«أحرار الشام»، من استعادة بعض المزارع التي سيطر النظام و«حزب الله» اللبناني، غرب وشمال شرقي كتيبة الصواريخ في محور بلدة حزرما. وجاءت هذه السيطرة عقب اشتباكات عنيفة بين الطرفين، على خلفية هجوم معاكس للفصائل على المنطقة، حيث استهدفت آليات للنظام، وأدى الهجوم إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين.
وأوضح الناشط الإعلامي في الغوطة الشرقية نذير فيتاني لـ«الشرق الأوسط»، أن الفصائل «أثبتت قدرتها على لجم انتهاكات النظام للهدنة». وقال: «منذ بدء اتفاق وقف النار، أصرّ النظام على التمادي في هجماته في منطقة المرج، واستطاع تحت ضغط القصف الجوي أن يسيطر على كتيبة الصواريخ، لكن الثوار تمكنوا ليل الأحد من استعادتها مع بعض المزارع».
أما في ريف حماه، فقد قتل أكثر من 15 عنصرًا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وجرح آخرون، فيما قضى عدد من مقاتلي الفصائل المقاتلة بحسب المرصد السوري، وذلك خلال اشتباكات عنيفة دارت خلال ساعات متأخرة من ليل الأحد الاثنين، على محاور الرملية وخنيفيس بريف السلمية الواقع بالريف الجنوبي الشرقي لمدينة حماه. وقال إن فصائل المعارضة «نفذت هجومًا عنيفًا على حاجزين لقوات النظام، تحت عنوان (معركة الثأر لوادي بردى المحاصر)، وتمكنت من السيطرة على الحاجزين لساعات قبل انسحابها من المنطقة، كما أسفر الهجوم عن إغلاق الطريق بين حمص والسلمية».
من جهته، أعلن الناشط الإعلامي المعارض أبو محمد الحموي الموجود في ريف حماه، أن مقاتلي المعارضة «شنوا هجوما على عدة حواجز على طريق سلمية - حمص، وسيطروا على حاجزي الطير والعكيدي»، مؤكدًا «مقتل جميع عناصر الحاجزين واستيلاء المعارضة على الأسلحة التي كانت موجودة فيهما». وأضاف أن الطيران الحربي النظامي «شن غارات عدّة على قرى عيدون والدلاك ومنطقة السطحيات الخاضعة لسيطرة المعارضة بريف حماه الجنوبي، فضلا عن استهدافها بعشرات قذائف المدفعية والصواريخ، اقتصرت الأضرار على المادية».
وفي السياق، استهدفت فصائل المعارضة بعدد من الصواريخ من طراز غراد، أمس، تجمعات القوات النظامية في معسكر دير محردة بريف حماه الشمالي، من دون معرفة حجم الخسائر في صفوفها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.