يبدو المشهد بريطانيًا بامتياز: متابعة بطولة «ويمبلدون» السنوية أثناء تناول قطع من الفراولة والكريمة البريطانية.
إلا أن المزارعين البريطانيين بدأوا يدقون نواقيس الخطر حيال إمكانية ضياع المحاصيل من الفواكه والخضراوات التي قد تبقى في المزارع حتى تذوى ويصيبها العفن هذا الصيف، بسبب التردد الذي يبديه أبناء أوروبا الشرقية إزاء العمل في المزارع البريطانية في أعقاب التصويت لصالح الـ«بريكست».
ومن المعتقد أن سياسة بريطانيا تجاه الهجرة ستكون واحدة من القضايا المحورية خلال التفاوضات المقبلة حول الـ«بريكست»، أو انفصال البلاد عن الاتحاد الأوروبي، والتي يعتقد أنها قد تستمر مدة عامين. المعروف أن الكثير من الصناعات تعتمد على أيدٍ عاملة أجنبية، من البناء والتشييد، وصولاً إلى التنظيف. وتبدي هذه الصناعات حرصها على استمرار قدرة العمالة المهاجرة على الدخول إلى بريطانيا في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، يؤكد القائمون على الصناعة الزراعية أنهم يجابهون بالفعل أزمة نقص في العمالة. وكشف مسح أجراه مؤخرًا الاتحاد الوطني للمزارعين - واحدة من جماعات الضغط المعنية بالزراعة - أن 47 في المائة من الشركات التي توفر العمالة بمجال الزراعة قالت إنها لا يتوفر لديها أعداد كافية من العمال لتلبية مستوى الاحتياجات التي كانت قائمة خلال الفترة بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) من العام الماضي.
يذكر أن قطاع البساتين داخل بريطانيا يعتمد بشدة على قوة عمل موسمية يبلغ قوامها 800.000 شخص، تأتي الغالبية العظمى منهم من دول شرق أوروبا. وقد دعت الصناعة الحكومة لإقرار تأشيرات عمل مؤقتة للعمال الأجانب الوافدين من دول خارج الاتحاد الأوروبي، مثل أوكرانيا والبوسنة.
وفي هذا الصدد، أكد جون هاردمان، مدير شركة «إتش أو بيز ليبر سولوشنز»، واحدة من كبريات الشركات التي توفر عمالة مهاجرة للقطاع الزراعي، أن «كل ثمرة فراولة جرى تناولها في ويمبلدون العام الماضي التقطها عامل من شرق أوروبا. وإذا كنا راغبين في عدم استمرار نقص العمالة، علينا الشروع من الآن في صياغة نظام جديد لإصدار التأشيرات».
وجاءت تصريحات هاردمان من داخل أحد مطارات رومانيا، حيث يوظف الكثير من العمالة الموسمية البالغ عدد أفرادها 12.000 فرد التي تستقدمها شركته من شرق أوروبا. وأضاف أن اجتذاب العمالة الأجنبية نحو العمل في بريطانيا زاد صعوبة بسبب تراجع قيمة العملة، وانتشار مشاعر كراهية الأجانب في البلاد.
جدير بالذكر أنه في أعقاب التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، الصيف الماضي، شهدت بريطانيا زيادة كبيرة في الهجمات المعادية للمهاجرين، وأشارت جهات توظيف إلى أن أنباء هذه الهجمات انتشرت سريعًا في أوساط تجمعات المهاجرين.
في هذا الصدد، قالت استيرا أمسيز، واحدة من مؤسسي «إيه جي روكروتمنت» - وكالة بريطانية تتولى توظيف عمال زراعيين من الاتحاد الأوروبي - إنه: «يكفي وجود قلة من الأفراد عايشوا تجارب سيئة ونشروها عبر (فيسبوك) أو (تويتر) كي يمتنع الكثيرون غيرهم عن القدوم إلى هنا». وأضافت أن مكتب الشركة في رومانيا شهد تضاؤل إقبال الأفراد على طلبات العمل بالمزارع البريطانية بنسبة 40 في المائة عما كان عليه الحال في مثل هذا الوقت من العام الماضي.
من جهتها، قالت هيلين ويتلي، السياسية البريطانية التي تترأس مجموعة برلمانية تعنى بشؤون زراعة الخضراوات والفواكه، خلال نقاش عقده البرلمان مؤخرًا حول الأمر، إن بريطانيا تواجه خسارة العمالة الأجنبية بسبب شعور الأجانب بـ«قدر أقل بكثير من الترحيب»، وكذلك ضعف قيمة الجنيه الإسترليني؛ ذلك أنه تراجع بنسبة 11 في المائة تقريبًا أمام اليورو منذ استفتاء 23 يونيو. واستطردت ويتلي قائلة: «إنهم ليسوا مضطرين للقدوم إلى المملكة المتحدة والعمل بها، فثمة طلب عليهم بمختلف أرجاء الاتحاد الأوروبي».
من ناحية أخرى، تشدد أصوات أخرى على ضرورة بذل مزيد من الجهود للاستعانة بأيدٍ محلية، بما في ذلك زيادة الأجور. إلا أن المزارعين، في المقابل، يقولون إنه من المتعذر تشجيع البريطانيين على العمل في جمع المحاصيل، ليس فقط لصعوبة العمل وأجره المنخفض، وإنما كذلك لكون هذه الوظائف مؤقتة وتتطلب التنقل من مزرعة لأخرى، الأمر الذي لا يناسب أولئك الراغبين في الاستقرار.
المعروف أن بريطانيا سبق لها توفير تأشيرات عمل مؤقتة للعمال الزراعيين الموسميين، لكنها ألغت هذا البرنامج منذ ثلاث سنوات، بعدما أصبح من حق البلغاريين والرومانيين الدخول بشكل كامل إلى سوق العمل البريطانية.
وفي سؤال موجه إليها حول ما إذا كان سيجري النظر في إقرار برنامج جديد للفيزات، أجابت وزارة الداخلية البريطانية في بيان لها بأن بريطانيا «بحاجة إلى سياسة هجرة عادلة وخاضعة للسيطرة، وهذا تحديدًا ما تنوي الحكومة تحقيقه». وأضاف البيان: «إننا عاقدون العزم على الوصول إلى أفضل اتفاق ممكن للمملكة المتحدة في إطار المفاوضات للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، خاصة بالنسبة لصناعة الغذاء والزراعة لدينا التي تتميز بمكانة رائدة عالميًا، وتشكل جزءًا محوريًا من نجاحنا الاقتصادي الوطني».
بدورها، ألمحت أندريا ليدسوم، وزيرة البيئة، مؤخرًا إلى أن الحكومة ستعمل مع المزارعين على ضمان عدم حدوث أي نقص. وقالت أمام مؤتمر زراعي في أوكسفورد، الأربعاء، إن توافر الأيدي العاملة «عنصر بالغ الأهمية من مناقشاتنا الحالية... إننا ملتزمون بالعمل معكم لضمان حصولكم على الأيدي العاملة المناسبة ذات المهارات الملائمة». إلا أنها لم تكشف أي تفاصيل. وقال مزارعون إنه من الضروري إيجاد حل قبل انطلاق المفاوضات التي ستستمر عامين قبل انسحاب بريطانيا فعليًا من الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، قال لوارنس أولينز، رئيس «بريتيش سمر فروتس»، وهي نقابة صناعية، إن بعض المزارعين بدأوا بالفعل في تجميد خطط التوسع وتوجيه استثمارات إلى تقنيات جديدة.
واستطرد بقوله إن «الناس توقفوا الآن عن زراعة التفاح بسبب قلقهم حول من سيتولى جنيها».
ولا يشمل تراجع عدد العائدين إلى بريطانيا جميع أبناء شرق أوروبا، فعلى سبيل المثال، أعربت دانييلا دراغومير، 33 عامًا، من رومانيا والتي عملت في مزارع بريطانية طيلة سبعة مواسم، إنها حريصة على العودة إلى المملكة المتحدة. وأضافت: «أحب إنجلترا والنظام الذي ينتهجه أبناؤها»، لكنها أقرت أن بعض أصدقائها أصبحوا أقل حماسًا حيال العودة إلى بريطانيا. وقالت: «البعض لا يرغبون في العودة بسبب وجود انطباع لديهم بأن الإنجليز لا يرغبون في أن يعمل بلغاريون ورومانيون لحسابهم».
خدمة صحيفة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
«بريكست» يهدد عمالة القطاع الزراعي في بريطانيا
شركات التوظيف شهدت تراجعًا في إقبال مواطني أوروبا الشرقية
«بريكست» يهدد عمالة القطاع الزراعي في بريطانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة