ارتفاع التضخم في منطقة اليورو يفوق التوقعات

سجل أعلى مستوى منذ سبتمبر 2013

ارتفاع التضخم في منطقة اليورو يفوق التوقعات
TT

ارتفاع التضخم في منطقة اليورو يفوق التوقعات

ارتفاع التضخم في منطقة اليورو يفوق التوقعات

تسارعت معدلات التضخم في منطقة اليورو في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بأسرع وتيرة منذ عام 2013، مدفوعة في الأساس بارتفاع تكاليف الطاقة وكذلك المواد الغذائية والمشروبات الكحولية والتبغ والخدمات. ورغم عدم اليقين السياسي في أنحاء متفرقة من المنطقة، فإن اقتصاد منطقة اليورو أنهى عام 2016 بمعدلات أقوى زخمًا في أكثر من 5 سنوات ونصف، في دلالة على نجاح إجراءات التحفيز المتبعة من قبل البنك المركزي الأوروبي.
وأظهرت البيانات الأولية الصادرة عن مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) - أمس الأربعاء - أن أسعار المستهلكين في دول التكتل الـ19 ارتفعت بصورة أكبر من المتوقع بنسبة 1.1 في المائة في ديسمبر الماضي بالمقارنة بـ0.6 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) و0.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين. وكان المحللون قد توقعوا ارتفاع أسعار المستهلكين بواحد في المائة فقط في ديسمبر الماضي.
وقدر «يوروستات» أن أسعار الطاقة قفزت 2.5 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر للمرة الأولى في أكثر من عام، بينما زادت أسعار المواد الغذائية والمشروبات الكحولية والتبغ 1.2 في المائة، وارتفعت أسعار الخدمات أيضًا 1.2 في المائة عن مستواها قبل عام.
وارتفعت أسعار السلع الصناعية بخلاف منتجات الطاقة 0.3 في المائة فقط على أساس سنوي دون تغيير عن مستواها في الأشهر الأربعة الماضية لتمثل بذلك العامل الذي أبقى على التضخم منخفضًا.
وقفز معدل التضخم في ألمانيا بشكل غير متوقع إلى 1.7 في المائة في ديسمبر الماضي، في أكبر زيادة منذ أن تم التنسيق مع الاتحاد الأوروبي على نشر البيانات للمرة الأولى في 1997. وارتفعت الأسعار في إسبانيا 1.4 في المائة، في حين شهدت إيطاليا وفرنسا على حد سواء ارتفاعا في معدلات التضخم للشهر الثاني على التوالي، وإن كان بوتيرة متباطئة.
وتسارعت الأسعار بشكل قوي وعلى غير المتوقع في كل من معدلات التضخم الإقليمية والوطنية في أعقاب زيادة بنحو 12.6 في المائة في «خام برنت» خلال ديسمبر الماضي.
ويسجل معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو الآن أعلى مستوى له منذ سبتمبر (أيلول) من عام 2013.
واستشرافًا للمستقبل، يتوقع بنك «سوسيتيه جنرال»، بقاء معدل التضخم في منطقة اليورو فوق 1.0 في المائة عام 2017، بمتوسط 1.5 في المائة. وعلى الرغم من ذلك، فإن التضخم لا يزال أقل بكثير من الحد المستهدف البالغ اثنين في المائة للبنك المركزي الأوروبي.
وسيقوم البنك المركزي الأوروبي بعقد اجتماعه المقبل للسياسة النقدية في 19 يناير (كانون الثاني) الحالي، فيما يتوقع أن تبقى أسعار الفائدة وإجراءات التيسير النقدي دون تغيير.
ومدد البنك المركزي الأوروبي في ديسمبر الماضي برنامج شراء السندات الحكومية عامًا إضافيا لیواصل بذلك سياسة الإقراض الرخيصة وضخ الأموال في الأسواق حتى نهاية 2017.
وأكد البنك أنه سيستمر في ضخ الأموال بالأسواق بهدف تحفيز النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، موضحًا أنه سيكتفي بضخ 60 مليار يورو في الأسواق بدلاً من 80 مليارًا ابتداء من أبريل (نيسان) المقبل.
وقال ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي في ديسمبر الماضي إن منطقة اليورو أظهرت قدرة على المرونة في مواجهة كثير من الصدمات خلال عام 2016 في ظل الغموض الناجم عن الأوضاع السياسية والاقتصادية، وإن إجراءات التحفيز الاقتصادي التي أقرها البنك المركزي كانت سببًا رئيسيا من أسباب هذه المرونة.
وتأتي بيانات التضخم المرتفعة في منطقة اليورو بعد أن أظهر تقرير أن الاقتصاد في المنطقة أنهى عام 2016 بمعدل أقوى زخمًا في أكثر من 5 سنوات ونصف، منذ عام 2011. وارتفع «مؤشر مديري المشتريات المركب» إلى 54.4 في ديسمبر من 53.9 في نوفمبر - وهذا هو أعلى مستوى في 67 شهرًا - في ظل التوسع في كل من التصنيع والخدمات بدعم جزئي من ضعف اليورو، وفقًا لشركة «آي إتش إس ماركت».



تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
TT

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار في الأسواق العالمية، خاصة بعد أن أحدثت تقلبات الين الياباني، في أغسطس (آب) الماضي، اضطرابات عبر الأصول المختلفة.

وانخفض اليورو بنحو 3.8 في المائة أمام الدولار، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الآن يقترب من مستوى 1 دولار الرئيسي، تحت ضغط عدة عوامل تشمل خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لفرض تعريفات تجارية، وضعف الاقتصاد في منطقة اليورو، وتصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تسهم رهانات النمو الأميركي في تقوية الدولار والأسواق الأميركية، وفق «رويترز».

ورغم ذلك، يبقى المستثمرون والمتداولون في العملات منقسمين حول المسار القادم للعملة الأوروبية، حيث يُعدّ الدولار نفسه مهدَّداً بتداعيات التضخم الناجم عن التعريفات وزيادة الديون الحكومية التي قد تُزعزع الثقة في الأسواق والاقتصاد الأميركي.

وقد تتصاعد حالة عدم اليقين إذا استمر اليورو في التراجع، مما يزيد من احتمالية حدوث تحولات مفاجئة قد تؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على الاستراتيجيات الاستثمارية المرتبطة بسياسات ترمب، مثل تلك التي تراهن على انخفاض اليورو وارتفاع الأسهم الأميركية، وفقاً لما أشار إليه المحللون.

في هذا السياق، قال كيت جاكس، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في «سوسيتيه جنرال»: «نحن نشهد تقلبات هائلة، حيث بدأ المتداولون التساؤل: هل نتجاوز سعر صرف اليورو مقابل الدولار أم يعود إلى مستوياته السابقة؟». وأضاف: «الخلاصة هي أننا سنرى مزيداً من المناقشات الساخنة في كلا الاتجاهين بشأن اليورو، وأنا شخصياً لا أعتقد أن هذه الارتباطات العالية بين الأصول سوف تستمر».

وبدأت أزمة السوق، في أغسطس، بتقلبات الين مقابل الدولار، والتي فاجأت صناديق التحوط التي كانت تراهن ضد العملة اليابانية، وتحولت إلى بيع الأسهم لتمويل طلبات الهامش.

وحذّرت الجهات التنظيمية من أن الأسواق قد تصبح عرضة لمثل هذه الأحداث، عندما تتغير الروايات الاقتصادية بسرعة، وخاصة في ضوء المستويات العالية من الاستدانة في النظام.

وأضاف جاكس: «إذا تجاوزنا نقطة تكافؤ اليورو مع الدولار، فسنبدأ مواجهة المخاوف التي شهدناها من قبل في الأسواق».

التداعيات المحتملة

يُعد زوج اليورو/الدولار الأميركي هو الزوج الأكثر تداولاً في الأسواق العالمية. والتغيرات السريعة في سعر صرفه يمكن أن تعطل أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، فضلاً عن التأثير على آفاق النمو والتضخم في البلدان التي تعتمد على استيراد أو تصدير السلع بالدولار.

وقال ثيموس فيوتاكيس، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي في «باركليز»، إن «اليورو هو معيار رئيسي»، مما يعني أن الدول الحساسة للتجارة مثل الصين وكوريا الجنوبية وسويسرا قد تسمح لعملاتها بالضعف مقابل الدولار، إذا استمر اليورو في الانخفاض؛ من أجل الحفاظ على قدرة صادراتها على المنافسة مقابل منتجات منطقة اليورو.

وأشار فيوتاكيس إلى أن الجنيه البريطاني، الذي انخفض بنحو 2 في المائة أمام الدولار في نوفمبر ليصل إلى نحو 1.26 دولار، سيكون حساساً جداً تجاه أي تقلبات في تحركات اليورو.

وأصبحت الأسواق أيضاً أكثر حساسية لتحركات اليورو/الدولار، بعد أن لاحظ خبراء استراتيجيات العملة تدفقاً من المتداولين على عقود الخيارات التي تجمع الرهانات على النتائج المرتبطة بسياسات ترمب، مثل ضعف اليورو، وارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز».

وقال فيوتاكيس: «لقد رأينا كثيراً من المستثمرين يحاولون الاستثمار في هذه النتائج المشروطة»، منوهاً بالارتباطات بين تحركات العملة والأسواق الأوسع.

انقسام الآراء بشأن المستقبل

في الوقت نفسه، يبدو أن مديري الأصول على المدى الطويل منقسمون بشكل كبير بشأن الاتجاه المستقبلي لليورو والدولار، مما يشير إلى أن هذا الزوج من العملات قد يشهد تقلبات ملحوظة في الأشهر المقبلة.

وقال ويليم سيلز، كبير مسؤولي الاستثمار في وحدة الخدمات المصرفية الخاصة والثروات ببنك «إتش إس بي سي»: «نتوقع أن يهبط اليورو إلى 99 سنتاً، بحلول منتصف العام المقبل».

في المقابل، اقترح كبير مسؤولي الاستثمار في «أموندي»، أكبر مدير للأصول في أوروبا، فينسنت مورتييه، أن انخفاض أسعار الفائدة في منطقة اليورو قد يعزز النشاط الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يساعد في رفع اليورو إلى 1.16 دولار، بحلول أواخر عام 2025.

وفي سوق خيارات العملة السريعة، كان المتداولون في أواخر يوم الثلاثاء يقدّرون احتمالات بنسبة 56 في المائة بأن ينتهي العام باستعادة اليورو بعض الأرض فوق مستواه الحالي عند نحو 1.047 دولار، على الرغم من أن البنوك الكبرى، مثل «جيه بي مورغان»، و«دويتشه بنك»، قالت إن التحرك إلى دولار واحد قد يحدث، خاصة إذا كان مرتبطاً بمزيد من التعريفات الجمركية.

وقد أدى ازدياد الرهانات على أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية إلى 2.75 في المائة، الشهر المقبل، إلى إضعاف اليورو بشكل كبير.

لكن الرواية السائدة بأن سياسات ترمب الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية، سوف تُبقي أسعار الفائدة مرتفعة والدولار قوياً، بدأت تتعرض لبعض الضغوط.

في هذا السياق، قال ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة «يوريزون إس جيه إل كابيتال»، إن الولايات المتحدة قد تواجه ما يسمى «لحظة يقظة السندات»، إذا قام المقرضون في سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 27 تريليون دولار، برفع تكلفة الديون؛ في محاولة للحد من التخفيضات الضريبية المموَّلة بالديون المفرطة. وأضاف: «من المحتمل أن يسمح هذا بالتيسير المالي، مما يسمح بهبوط هادئ للاقتصاد الأميركي، وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومن ثم جعل الدولار مُبالغاً في قيمته».