2016 عام بدأ فيه عباس ترتيب بيته... لكنه لم يحقق الأهم بعد

بعد 23 سنة على توقيع «اتفاق أوسلو» الذي كان يفترض أن يأتي بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، يمضي عام آخر من دون أن تأتي هذه الدولة التي تشظت منذ 10 أعوام إلى دولتين، واحدة في الضفة والثانية في غزة. الأولى مقطعة إلى «كانتونات» في حضن إسرائيل، والثانية تحاصرها إسرائيل برًا وبحرًا وجوًا وتحكمها سلطة ثالثة.
لقد أملت السلطة الفلسطينية في 2016 بخطوة صغيرة على الأقل تقرب الفلسطينيين من هذه الدولة، ودعمت بكل ما أوتيت مؤتمر سلام دوليًا كان يفترض أن يقام في باريس، لكنه لم يتحقق من ضمن أشياء أخرى، الدولة مثلا، والعضوية الكاملة في مجلس الأمن، ووقف الاستيطان، والمصالحة كذلك بين حركتي فتح وحماس.
أما الخطوة الأبرز التي أخذتها السلطة ويمكن الإشارة لها، فهي البدء بترتيب البيت الداخلي، بما يضمن انتقالاً سلسًا من حقبة إلى حقبة أخرى إذا ما غادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ناهز 82 سنة منصبه لأي سبب كان.
* ترتيب البيت
قبل شهر واحد على انتهاء العام أبصرت لجنة مركزية جديدة لحركة فتح النور إيذانًا ببدء مرحلة جديدة، من شأنها أن ترسم ملامح شخصية الرئيس القادم، وتسمح بانتقال سلس للسلطة، إذا ما عرفنا أن الانتخابات الفتحاوية التي جاءت بلجنة مركزية جديدة، سبقت انتخابات أخرى مرتقبة في منظمة التحرير الفلسطينية، قد تجرى بداية 2017، من أجل ترسيم لجنة تنفيذية جديدة.
ووفق منطق «فتحاوي» خالص، فإن أي رئيس قادم، بالضرورة يجب أن يكون عضوًا في لجنة مركزية فتح، وعضوًا في تنفيذية منظمة التحرير.
ويريد عباس الذي يسعى إلى تعزيز قبضته على السلطة وفتح، تعيين نائب له لتفويت أي فرصة على أعدائه، داخل حركة فتح - وأبرزهم القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان -، وكذلك خصومه السياسيين وأبرزهم حركة حماس، الانقضاض على الموقع الأهم في سلطة بلا سلطة.
ولقد استشعر عباس الخطر الداهم بعد تدخلات إقليمية من أجل مصالحة مع «العدو اللدود» دحلان، وهي التدخلات التي رفضها عباس، ورد عليها بعقد مؤتمر فتح الذي أخرج دحلان وأنصاره كذلك خارج فتح إلى الأبد، أو على الأقل على المدى المنظور والمتوسط. ويمكن القول إن عباس أخذ الخطوة الأولى فقط في طريق ترتيب البيت، وهو ما أطلق عليه بنفسه «الجهاد الأصغر» بعد انتخاب قيادة جديدة في فتح، بانتظار انتخاب نائب لعباس في فتح، ومن ثم إجراء انتخابات في منظمة التحرير واختيار نائب له في السلطة.
ويرى مراقبون أن اختيار نائب الرئيس داخل حركة فتح، وأمين سر منظمة التحرير سيحدد إلى حد بعيد الاسم المقترح الذي يؤمن به عباس لخلافته. وتبدو هذه معركة أخرى داخلية في ظل وجود أسماء قوية متنافسة، من بينها عضو مركزية فتح المعتقل في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، ومسؤول المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، وعضو اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب، وأمين سر منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات، إضافة إلى آخرين.
* البرغوثي في الصدارة
«الفتحاويون» صوتوا في هذا المؤتمر للأسير البرغوثي على رأس منتخبي اللجنة المركزية الجديدة، بعدما حصل على 930 صوتًا من أصل نحو 1100 صوت، في استفتاء على الحضور الذي يحظى به البرغوثي داخل حركة فتح. وتلا البرغوثي في ترؤس قائمة المنتخبين جبريل الرجوب، وهو مؤسس جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وحصل الرجوب على 878 صوتًا. والرجوب يعد أحد «صقور» الحركة والأسماء المرشحة بقوة في فتح ليصبح نائبا لعباس. ومن جهة أخرى، عاد إلى المركزية كذلك أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، والمفاوض السابق والاقتصادي محمد إشتية، ومسؤول الشؤون المدنية حسين الشيخ، ومسؤول العضوية جمال محيسن، ومفوض التعبئة والتنظيم محمود العالول، ورئيس جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي، ومسؤول ملف المصالحة، عزام الأحمد، وناصر القدوة ابن شقيقة عرفات والمندوب السابق في الأمم المتحدة، والمسؤول عن التواصل مع المجتمع الإسرائيلي محمد المدني، ومسؤول العلاقات الدولية عباس زكي.
* الوجوه الجديدة
ودخل إلى المركزية لأول مرة، الوجوه الجديدة، : وزير التربية والتعليم صبري صيدم وهو ابن أبو صبري صيدم عضو المركزية الذي قضى في الستينات، ومستشار عباس العسكري الحاج إسماعيل جبر، والقيادي الفتحاوي المعروف في غزة أحمد حلس، ورئيس المجلس التشريعي السابق روحي فتوح الذي شغل منصب الرئيس المؤقت بعد وفاة عرفات، وسمير الرفاعي المسؤول الكبير في إقليم سوريا، وامرأة واحدة هي دلال سلامة، النائب السابق في المجلس التشريعي من مخيم بلاطة في نابلس، وجميعهم تلقوا الدعم من عباس.
وتفيد النتائج بهذه الطريقة أن إرادة عباس انتصرت حتى داخل فتح وانتصرت كذلك على التدخلات.
وعمليًا قد ينتهي 2016 مع اختيار نائب لعباس في فتح ويبدأ 2017 مع اختيار نائب له في السلطة، وهو أمر بيد المجلسين الوطني والمركزي للمنظمة، ويكون عباس بذلك أوصل سفينة السلطة لنهاية مرحلة وبداية أخر، متجاوزًا عواصف داخلية ومشكلات، لكنه أبدًا لم يتجاوز الأهم، تحقيق مصالحة وإقامة الدولة.
وعلى الرغم من أن عباس وعد الفلسطينيين بالدولة في 2017، وقال بعد اختيار قيادة فتح الجديدة، إن القيادة الفلسطينية ستعمل على «حشد الجهود ليكون عام 2017 عام إنهاء الاحتلال الإسرائيلي»، فإن ذلك قوبل بتشكك كبير عززته وعود سابقة لم تتحقق.
* المؤتمر الدولي والمصالحة
تحدث عباس أيضًا عن أن الاتصالات مستمرة لعقد مؤتمر دولي للسلام بموجب المبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967. كما تطرق عباس إلى المصالحة مع حماس، قائلا: «الكرة الآن في ملعب حركة حماس» للقبول بالمبادرات العربية الرامية إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ منتصف عام 2007. وعمليًا حدد عباس بكلمته تلك أولوياته في العام الجديد، دون أن يتضح إذا ما كان سينجح في أي منها.
إذن، الذي تحقق فقط هو البدء في ترتيب البيت الداخلي لكن الأهم وهو إقامة الدولة وتحقيق مصالحة، ظل وعدًا في الهواء.
الذي لم يتحقق... المصالحة الداخلية. مثل سنوات أخرى سابقة اجتمعت وفود فتح وحماس أكثر من مرة، وأعلنوا في كل مرة أنهم اتفقوا أو أنهم قريبون من الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تمهد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال شهور، لكن بقي الوضع على ما هو عليه.
واختلف الوفدان في العاصمة القطرية مجددًا على برنامج الحكومة الفلسطينية وعَقْد المجلس التشريعي وموظفي حكومة حماس السابقة. إذ تريد حماس برنامجًا يقر المقاومة بينما تريد فتح برنامج المنظمة الذي يعترف بالاتفاقات. وتريد حماس أن تعرض الحكومة على «التشريعي» بعد أن يستأنف عمله، بينما تريد فتح إقرارها من الرئيس. وتريد حماس توظيفًا فوريًا لموظفيها السابقين في الحكومة الجديدة بينما ترفض فتح وتعرض توظيفًا جزئيًا بحسب الحاجة.
* المؤتمر الدولي للسلام
انتظر الفلسطينيون أن يعقد المؤتمر قبل نهاية العام، وكان ثمة توقع بأن يعرض في النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) بحسب اتفاق فرنسي فلسطيني، لكن أجلت فرنسا المؤتمر مرة أخرى، بسبب عدم رضا الأميركيين عنه ورفض إسرائيل الكامل له.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل المسبق رفض المؤتمر، يقول الفلسطينيون إن انعقاده مهم لأن رفض إسرائيل الحضور سيجعلها مكشوفة أكثر للعالم ويستوجب اعترافًا فرنسيًا فوريًا بالدولة.