«داعش» خلال مسيرة عام... بين التمدد والانهيار

تفسير بأطروحتين متناقضتين

عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)
عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)
TT

«داعش» خلال مسيرة عام... بين التمدد والانهيار

عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)
عناصر من «داعش» على أطراف مدينة كركوك العراقية (غيتي)

بدأت القوات العراقية، الخميس 30 ربيع الأول 1438ه 29 ديسمبر (كانون الأول) 2016م، مرحلتها الثانية لتحرير الموصل التي أجلت عدة مرات لأسباب لوجيستيكية ومناخية. وتأتي هذه العملية واسعة النطاق في الوقت الذي شهد فيه التحالف العسكري الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية لمحاربة الإرهاب انضمام سلطنة عُمان لتكون الدولة الـ41 المشكلة لهذا التكتل التاريخي. وتأتي هذا الجهود الإقليمية والدولية للقضاء على الإرهاب في العراق وسوريا وغيرهما، في زمن أصبح فيه النقاش العلمي البحثي المتخصص في التنظيمات الإرهابية المتطرفة منقسمًا على نفسه، من حيث تقييم حجم الانتصار الدولي على الحركات الإرهابية، وخصوصًا تنظيم داعش.
صحيح أن هناك شبه إجماع من طرف مراكز البحث والخبراء على حصول تقدم نوعي في محاربة الإرهاب، وأن تنظيم داعش الإرهابي المتطرف تلقى ضربات موجعة، وهزائم متتالية أضعفت قدرته على الإمساك بأرض «خلافته» المزعومة. فإن الاختلاف بين المتخصصين والباحثين في مسار «داعش» يتركز حول نوعية وأثر الهزائم في تشكيل وتحديد مستقبل هذا التنظيم الذي يقوده «أبو بكر البغدادي». وهو ما يفسر انتشار أطروحتين شبه متناقضتين من حيث التفسير واستعمال المؤشرات والأحداث التي وقعت عام 2016، الشيء الذي يسمح علميًا بالحديث عن أطروحة التراجع والانهيار، وأطروحة التكيف وإعادة الانتشار. ومن الخبراء الذين يدافعون عن هذا الطرح، الأميركية لويس ماكفيت مديرة الأبحاث في مركز أبحاث دراسات الحرب، المتخصصة في متابعة تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» بسوريا والعراق، وسبق للكونغرس الأميركي أن استضافها للإدلاء بشهادتها البحثية أمامه في موضوع الإرهاب.
أما الأطروحة الثانية التي تتبنى مقولة الانهيار، فهي تنطلق من الوقائع العملية لعامي 2015 و2016، معتمدة على مؤشرات دامغة تثبت تراجع ونكوص قوة هذا التنظيم. وأبرز ما تستدل به هذه الأطروحة على تحول «دولة الخلافة» المزعومة، من واقع يتمدد جغرافيًا، إلى واقع ينحسر ويفقد الأرض والقيادات العسكرية والإعلامية، والدينية.

* أطروحة التكيف
وإعادة الانتشار
تنطلق هذه الأطروحة من القدرة الذاتية للخط والعقيدة الآيديولوجية الداعشية على الصمود وإعادة الانبعاث بشكل متوالٍ ومتجدد. وتعتبر أن هذا الجانب هو روح تنظيم البغدادي الذي يجعله محافظًا على «تقديس» مطلب الخلافة، رغم تحوله إلى مربّع الدفاع. ومن هنا تدعونا هذه الأطروحة إلى الانتباه والأخذ بالحسبان أن «داعش» عدو مرن ويمتلك قدرة فائقة على التحرك والتكيف، الشيء الذي يعني أن الهزائم العسكرية التي جعلت التنظيم اليوم في موقف دفاعي، لا تؤشر على الضعف التنظيمي، ذلك أن استراتيجية «داعش» تشمل التوسع في أفريقيا ومناطق أخرى. وهذا التوسع لن يتأثر كثيرًا بالهزيمة المؤقتة في العراق وسوريا، لأن استراتيجية الانبعاث والتجدد، تجعل من القوة القتالية لـ«داعش» تهديدًا عنيفًا لمنطقة جغرافية واسعة توفر صراعاتها الطائفية والدينية الأرضية الخصبة للتعبئة، وكذلك للهروب من الهزيمة الكاملة لتنظيم البغدادي وآيديولوجيته القتالية.
وانسجامًا مع هذه الأطروحة، يدافع عالم السياسة الفرنسي أوليفييه روا (Olivier Roy)، الأستاذ الجامعي في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، عن الانتشار المخيف لـ«داعش» آيديولوجيًا مما يمكن التنظيم من التجنيد عن بعد، وخلق مناطق غير آمنة في عدة دول أوروبية. ولقد ساعده في ذلك ما راكمه من خبرة بحثية كبيرة، جعلت منه أكبر متخصص فرنسي في الحركات الإرهابية. وهو ينطلق من صلابة وانتشار البعد العقدي القتالي وتغلغله في صفوف الجيل الثالث للشباب المسلم المولود والمتعلم بالغرب.
ومن هذا المنطلق يسجل روا التقدم الداعشي في كسب العقول رغم ما يظهر من تراجع جغرافي لـ«دولته» المزعومة. ولذلك ينبه روا لدور تنظيم البغدادي في تثبيت ونشر الراديكالية الدينية، معتبرًا أن أوروبا وليس العالم العربي فقط تعيش ظاهرة جديدة ولدت مع «داعش»، وهي ظاهرة «أسلمة الراديكالية»، وتحويل الجيل الجديد من الشباب بالغرب إلى حامل قوي للعقيدة القتالية العالمية الداعشية.
هذا الانتشار السريع والشبكي لم يستطع تنظيم القاعدة تحقيقه في السابق. لأن آيديولوجية البغدادي تتمركز - وفق زعمه حول «الخلافة» وتجعل القتال تحت رايتها هو السبيل الوحيد لتحقيق الحلم العقدي. وربما هذا ما يفسر تحول الشباب المسلم بالغرب من عالم الجريمة إلى راديكاليين «إسلاميين» قادرين على شن هجمات في أماكن عدة وبطرق لم تكن معروفة زمن «القاعدة»، ومن ذلك هجوم برلين يوم 19 ديسمبر 2016 بالشاحنة الذي أسفر عن 12 قتيلاً وعشرات الجرحى. وقبله مجزرة نيس بجنوب فرنسا يوم 14 يوليو (تموز) 2016، واعتداء بالفأس قرب فورتزبورغ بوسط ألمانيا بتاريخ يوليو، واعتداء آنسباخ (ألمانيا أيضًا) يوم 24 يوليو، وذبح كاهن بمنطقة النورماندي الفرنسية في 26 يوليو.
ويبدو أن هذا الانتشار، الذي استقطب عددًا كبيرًا من المقاتلين وصل بحسب دراسة نشرتها «مجموعة سوفان» الأميركية إلى ما بين 27 ألفًا و31 ألفًا من نحو 86 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية، أنتج بدوره سياسة إعادة الانتشار، التي تعني نقل «داعش» للمعركة خارج سوريا والعراق، وفق تصور ومنهج يضمن له شن هجمات قوية في مختلف بقاع العالم، والظهور بمظهر التنظيم الشبكي القوي رغم فقدانه الأرض. وهذا ما يعزز من تشبث الشباب المقاتلين بالتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، كما شجع على تمدد ظاهرة «الذئاب المنفردة» في الغرب.
من جهة أخرى، حقق «داعش» تمددًا تنظيميًا وآيديولوجيًا في أفريقيا الشمالية بكل من ليبيا ومصر، وفي دول جنوب الصحراء، في مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد، والصومال، حيث استقطب التنظيم شخصيات دعوية وعسكرية مهمة، من «حركة الشباب» الصومالية قررت الانضمام لفرع تنظيم البغدادي بشكل جماعي. ووصل هذا التوسع ليشمل الجارة كينيا، في تطور آخر للتنظيم يمزج بين الآيديولوجية الدينية والانتماء العرقي والقبلي مما يسهل جلب التمويل والتجنيد، ويهدد ببناء شبكة أفريقية لـ«داعش».

* أطروحة الانهيار
بعكس التوجه السابق، ترى أطروحة التراجع والانهيار أن «داعش» لا يتراجع فحسب، بل هو في طريقه إلى الانقراض. فهو من جهة لم يعد قادرًا على الإمساك بالأرض التي سيطر عليها خلال السنوات القليلة الماضية، وتراجعت موارده الطبيعية والمالية، كما استنزفت موارده البشرية، إذ قتل أهم رجاله الإعلاميين والعسكريين، وبعض الدعويين. ومن جهة ثانية، لم يعد يحظى التنظيم بتلك الصورة الإيجابية لدى شباب العالم العربي والغربي، ذلك أن كشف وحشية ممارساته غيّر من قناعات الرأي العام الشعبي تجاهه، وهذا في الوقت الذي شدد فيه التحالف الدولي من إجراءاته العسكرية، وتبنى سياسة محكمة من التنسيق الأمني، وهو ما عرقل وصول المجندين من «داعش»، عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحات القتال في العراق وسوريا.
ومن الباحثين الذين يدافعون عن هذه الأطروحة، دانيال ميلتون من مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية - وست بوينت. فميلتون يعتبر أن هذه الحقائق جعلت «داعش» «يعاني كثيرًا من أجل الحفاظ على صورة دولة تعمل».. وفي الوقت نفسه استقطاب الأنصار والمتطوعين الجدد.
أكثر من ذلك، تدعونا هذه الأطروحة للرجوع للمسار التاريخي لـ«داعش» من يوم ولادته الرسمي بتاريخ 9 - 4 - 2013 وسيطرته على مدينة الرقّة، بشمال وسط سوريا، خلال صيف 2013، واعتبار هذه المدينة السورية عاصمة لـ«خلافته» المزعومة، وصولاً إلى سيطرة التنظيم على مدينة الموصل الاستراتيجية في شمال العراق 2014 وهو ما جعل من «داعش» أقوى وأغنى تنظيم إرهابي في العالم.
غير أن شعار «خلافة» البغدادي المزعومة الذي يدعي أنها «باقية وتتمدد» سرعان ما تلقى ضربات متوالية شلت من قدرته على التوسع والانتشار، وذلك منذ بدأ التحالف الدولي الذي أعلن عام 2014، في تطوير عمله وتنسيق عملياته. ومن هنا تعتمد أطروحة التراجع والانهيار على تاريخ فارق في المواجهة الدولية مع هذا التنظيم الإرهابي المتطرف وتعتبر استرجاع مدينة عين العرب (كوباني) التي بدأ «داعش» في 14 - 9 - 2014 هجومه للسيطرة عليها، تحولاً جوهريًا في مسار التنظيم. ذلك أن القدرة القتالية التي أبدتها الميليشيات الكردية - بدعم أميركي - داخل المدينة الصغيرة الحدودية (مع تركيا)، أظهرت لأول مرة منذ ظهور التنظيم أن هناك قوة محلية قادرة على الوقوف أمام قوة «داعش»، إذا ما حصلت على مساندة فعالة من طرف التحالف الدولي.
وعليه، فإن تحرير عين العرب بتاريخ 26 - 1 - 2015، أسقط أسطورة التنظيم الذي لا يقهر، وخلق جوًا جديدًا يعتمد على الطيف البشري المحلي لمواجهة «داعش»، في كلّ من سوريا والعراق، بتنسيق وتعاون مع التحالف الدولي ضد الإرهاب. وهذا المسار أنتج تراجعًا وانكسارات لصورة تنظيم البغدادي ومشروعه طيلة عامي 2015 و2016م، وأبرزها: تحرير مدينتي تل أبيض السورية والفلوجة العراقية، وكذلك تحرير البيشمركة لمدينة سنجار بشمال العراق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
وفي هذا السياق، تدافع أطروحة انهيار «داعش» عن «مزاعمها»، بمؤشرات عام 2016، وتجعل منها حقائق دامغة، لا يكتنفها اللبس. فخلال العام المنتهي فقدت «خلافة البغدادي» المزعومة، مدينتها «المقدسة» دابق. وهي اليوم على وشك فقدان الموصل بشكل تام بعد المرحلة الثانية من معركة تحريرها التي انطلقت يوم الخميس قبل أيام. ويأتي هذا التراجع ليؤكد هزائم «داعش» في مدينة الرمادي، عاصمة محافظة العراق بغرب العراق، وقاعدة القيارة الاستراتيجية (جنوب الموصل) وغيرها من المناطق بالعراق.
وفي الجانب السوري، أمكن تحرير مساحات ومدن وقرى قريبة من مدينة الرقة، عاصمة «داعش» هناك، وذلك بعدما تم تحرير مجينتي جرابلس ومنبج السوريتين الشماليتين. ويبدو أن الاستراتيجية الدولية نجحت في حشر التنظيم الإرهابي في الزاوية، خصوصًا بعد التقدم الذي حصل على أطراف مدينة الباب السورية، ونجاحات محاصرة الرقة، حيث سيطرت الميليشيات الكردية بدعم أميركي على نحو 140 قرية في سعيهم للوصول إلى حدود «عاصمة» البغدادي.
* مؤشرات تخدم الأطروحتين
عمومًا يمكن القول إن الأطروحتين تجدان من الناحية العلمية كثيرًا من المؤشرات التي تدل على صوابية طرحهما. غير أنه يمكن القول استنادًا لخبرة البحث العلمي وما راكمه الخبراء ومؤسسات ومراكز البحث في الظاهرة الإرهابية، أن قضية تراجع «داعش» وتمدده، لا يمكن عزلها عن السياق العام للآيديولوجية الدينية القتالية. ومن هنا، فإن الهزائم المؤقتة للتنظيم لا تعني بالضرورة الهزيمة الاستراتيجية لـ«الروح العقدية القتالية». وهذا حتمًا يعني تجدد التنظيم وانبعاثه بأسماء متجددة في زمن ممتد ينطلق من بؤرة عقدية موحدة للفكرة والتنظيم. ومن ثم، يجعل من الهزيمة انكفاءً مؤقتًا، ومجرد موجة من موجات إعادة تركيب «توحش» جديد في بنية تنطلق من الصراع الديني الطائفي والعرقي، الذي أصبح العراق وسوريا - للأسف - خزانًا له يسهل استثماره، سواءً من طرف القوى الدولية الكبرى أوالحركات الإرهابية المتعددة.. و«داعش» واحد منها.

* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».