مخاوف مهنية وقفزات {إلكترونية} للإعلام الأميركي عام 2016

في الأسبوع الماضي، أصدر معهد «نيمان» للصحافة، في جامعة «هارفارد»، تقريره السنوي عن الإعلام الأميركي. تحاشى تسجيل التغطية اليومية خلال العام، وقال إنه لا يوجد شخصان يختلفان في أن الذي سيطر عليها هو دونالد ترامب، منذ أول انتخابات تمهيدية في ولاية أيوا (بداية العام)، إلى أول مناظرة تلفزيونية مع مرشحين جمهوريين آخرين (بداية الصيف)، إلى مؤتمر الحزب الجمهوري (منتصف الصيف)، إلى أول مناظرة تلفزيونية ضد المرشحة الجمهورية هيلاري كلينتون (بداية الخريف)، إلى فوزه في الانتخابات (بداية الشتاء)، إلى الاستعداد للتنصيب (بداية العام الجديد).
ركز تقرير «هارفارد» على ما سماه «تطورات الصورة الكبيرة، تطورات تاريخ الإعلام الأميركي، تطورات الحياة أو الموت»:
أشاد التقرير بمواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة التطور التكنولوجي الذي يصاحبها، مثل «ستريم فيديو» (النقل المتواصل)، و«دايركت فيديو» (النقل الحي) الذي صار عاديا في كثير من هذه المواقع.
لكن، شابت هذا التطور تقارير بأن كثيرا من رسائل التواصل الاجتماعي مزورة، وبخاصة رسائل الحملة الانتخابية، بين مؤيدين ومعارضين للمرشحين.
لكن، قال مارك زوكربيرغ، مؤسس ورئيس شركة «فيسبوك»: «يمكن أن تكون فقط نسبة واحد في المائة من الرسائل غير صحيحة، أو غير أصلية. لكن، نحن ندافع عن نسبة 99 في المائة». وأضاف:
أولا: «يتبادل الناس أكثر من 5 بليون رسالة يوميا. نعم، يمكن أن تكون نسبة واحد في المائة فقط فيها غير أصلية».
ثانيا: «يجب اعتبار هذا سجلا ممتازا بالمقارنة مع الإعلام التقليدي. متى قال ناشر صحيفة إن واحدا في المائة فقط من أخبارها غير صحيح؟».
بعد فوز المرشح الجمهوري ترامب، واستمرار هجومه على «القوانين الحكومية المعرقلة»، قال الديمقراطي توم ويلار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية (إف سي سي)، التي تنظم الاتصالات الإذاعية والتلفزيونية واللاسلكية، إنه سيستقيل قبل يوم واحد من تولي ترامب رئاسة الجمهورية. لم تكن هذه الاستقالة مفاجئة، لكنها زادت الخوف وسط المشفقين على حرية الصحافة الأميركية في عهد ترامب.
لهذا، يتوقع مزيد من الهيمنة الرأسمالية الإعلامية في مجالات المعلومات، والتحقيقات، والترفيه.
ويتوقع قليل من الأخبار المحلية والاجتماعية التي تفرضها قوانين «إف سي سي». بعد فوز ترامب، فعلا، بدأت لوبيات تابعة لشركات اتصالات عملاقة، مثل «كومكاست»، و«فيريزون»، و«إيه تي آند تي» في رسم خطط لهزيمة «القوانين الحكومية المعرقلة».
في العام الماضي، فشل ملياردير الإعلام الأميركي الأسترالي روبرت ميردوخ، مرة أخرى، في شراء مزيد من الصحف. (يريد «شيكاغو تربيون» و«لوس أنجليس تايمز»). كان هذا نصرا للحريصين على حرية الإعلام، أمام المطامع والتوسعات الرأسمالية.
يملك ميردوخ شركة «فوكس القرن 20»، التي تملك 28 محطة تلفزيون محلية، في 17 مدينة كبيرة، وتصل إلى نسبة 40 في المائة من العائلات المالكة لتلفزيونات في الولايات المتحدة. تشمل هذه المحطات 7 من أكبر 10 مدن أميركية: نيويورك، ولوس أنجليس، وشيكاغو، ودالاس، وسان فرنسيسكو، وواشنطن العاصمة، وهيوستن.
فشل ميردوخ بسبب قانون منع «الملكية المشتركة». مثلا: في لوس أنجليس، إذا اشترى ميردوخ صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، فيجب أن يبيع تلفزيون «فوكس، القناة 11» هناك. لكن، ربما سيقدر، إذا قرر ترامب إلغاء «القوانين الحكومية المعرقلة».
مع نهاية العام الماضي، تقاعدت الإذاعية صاحبة أهم برنامج مقابلات يومية إذاعية في الولايات المتحدة، دايان رحيم (من عائلة هاجرت من لبنان). تقاعدت بعد 40 عاما من المقابلات المتواصلة. وصار تقاعدها رمزا لتحول تاريخي في البرامج الإذاعية (لا التلفزيونية)، من جيل قديم، إلى جيل جديد.
عن هذا قال تقرير جامعة «هارفارد»: «لن يكون تغيير الأجيال في الشخصيات، بقدر ما سيكون في المزاج. سيسيطر جيل (إكس)، (الجديد) على مقابلات الراديو، بعد أكثر من قرن من اختراع الراديو». ويتوقع أن يتقاعد، أيضا، غاريسون كايلور، مذيع راديو آخر عريق، من الإذاعة العامة في ولاية مينيسوتا. (رحيم كانت تذيع من الإذاعة العامة في واشنطن).
في الحقيقة، مستقبل الإذاعة العامة «إن بي آر» نفسه صار في خطر. هذه شبكة شبه حكومية (جزء من ميزانيتها من الكونغرس، وجزء من تبرعات). ولأعوام، ظل الجمهوريون في الكونغرس يريدون إلغاء دعم الكونغرس. ويمكن، مع ترامب، أن ينجحوا هذه المرة.
مع نهاية العام الماضي، انخفض سعر السهم في شركة «غانيت» للصحف إلى 10 دولارات، بعد أن كان 20 دولارا في بداية العام.
ماذا حدث لهذه الشركة الصحافية العملاقة؟
ربما نفس ما حدث لصحيفة «وول ستريت جورنال»، التي فقدت أكثر من خمس إيراداتها من الإعلانات فقط في الربع الثالث من عام 2016. (فقدت ثلث الإعلانات في كل العام).
وربما نفس ما حدث لصحيفة «نيويورك تايمز» التي شهدت انخفاض نسبة 20 في المائة من الإعلانات خلال العام.
في كل الحالات، استمر انخفاض توزيع الصحف الورقية، واستمر انخفاض الإعلانات فيها. تحاول بعض هذه الصحف التعويض بإعلانات في مواقعها في الإنترنت، لكن، مجرد محاولات. وانعكس هذا على الصحافيين. يعمل، من جملة 30000 صحافي أميركي تقريبا، 5000 في صحف مدن كبيرة. يعنى هذا انخفاض تغطية المدن الصغيرة والأرياف. ويرى تقرير جامعة «هارفارد» أن هذا «نذير شؤم تاريخي».
خلال العام الماضي، ارتفعت نسبة الذين يحصلون على الأخبار من التليفونات الجوالة 70 في المائة خلال عطلة نهاية الأسبوع (أقل قليلا خلال أيام العمل الأسبوعية) عما كانت عليه قبل عامين. (بالمقارنة مع الذين يفعلون ذلك من الصحف الورقية).
حتى الآن، يظل قراء الأخبار الاقتصادية ومؤشرات أسواق الأموال والبورصات، هم أغلبية الذين يعتمدون على الصحف الورقية. لكن، مع نهاية العام، أعلنت شركة «بلومبيرغ» (الإعلامية الاقتصادية) بداية التركيز على التليفونات. لا تريد «بلومبيرغ» التحول من الصحف الورقية؛ لأنها لا تملك صحفا ورقية. تريد التحول من كومبيوترات المكتب.