الاقتصاد السعودي على عتبة عام جديد من النمو

في ذكرى بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، يدخل الاقتصاد السعودي اليوم الأحد عامًا جديدًا، سيعتمد من خلاله على أكبر إنفاق حكومي يُرصد في ميزانية البلاد، حيث من المنتظر أن تنفق المملكة خلال هذا العام نحو 890 مليار ريال (237.3 مليار دولار)، بزيادة 6 في المائة عن الإنفاق الفعلي في العام 2016.
وعلى الرغم من أن أسعار النفط ما زالت دون مستويات الـ60 دولارًا، فإن السعودية نجحت بسبب السياسة الاقتصادية الناجحة في تجاوز أزمة انخفاض أسعار النفط، عقب أن أطلقت في وقت سابق من العام المنصرم رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وهي الرؤية الطموحة التي رسمت خريطة اقتصاد البلاد، عقب أن اعتمدها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين.
وتعتبر رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز التي أثمرت عن إنشاء مجلس للشؤون الاقتصادية والتنمية، نقطة تحول تاريخية للاقتصاد السعودي، حيث بدأ المجلس في عقد سلسلة طويلة من الاجتماعات، أثمرت عن الكثير من التوصيات، التي ساهمت في إصلاح الاقتصاد السعودي، من خلال حزمة من القرارات.
وتمثل رؤية المملكة 2030 حدثًا تاريخيًا بارزًا للاقتصاد السعودي، وهي الرؤية التي يندرج منها عدة برامج وطنية، منها برنامج التحول الوطني 2020، وهو البرنامج الذي بدأ العمل عليه، مما أنتج مجموعة كبرى من المبادرات التي يجري العمل على تنفيذها.
وأمام هذه التطورات، أعلنت السعودية قبل نحو 10 أيام عن ميزانيتها للعام 2017، وهي الميزانية التي أظهرت حيوية جديدة، ودقة في الصرف، حيث ساهم ارتفاع حجم الإنفاق المقدر في العام الجديد 2017، إلى رد فعل إيجابي لدى القطاع الخاص السعودي، وهو الأمر الذي يكشفه الأداء الإيجابي لسوق الأسهم السعودية خلال تعاملات الأسبوع المنصرم.
وسجلت تعاملات سوق الأسهم السعودية ارتفاعًا تبلغ نسبته 1.7 في المائة، وسط تحسن ملحوظ في معدلات السيولة النقدية المتداولة، حيث قفزت هذه السيولة بنسبة 29.2 في المائة، مما يعني أن المستثمرين في تعاملات السوق وأسهم الشركات المدرجة، متفائلون بمستقبل الاقتصاد، عقب أن أعلنت المملكة عن إنفاق ضخم في العام الجديد، على الرغم من استمرار انخفاض أسعار النفط.
ويعكس الحراك الكبير الذي قامت به السعودية خلال عام 2016 على صعيد منظمة دول الأوبك، ومنتجي النفط، والذي أثمر عن قرار تاريخي يقضي بخفض الإنتاج بنحو 1.7 مليون برميل يوميًا، يعكس ثقل المملكة العربية السعودية في سوق الطاقة العالمية، وهو الثقل الذي تستمده السعودية في الوقت ذاته من عضويتها في مجموعة دول العشرين، وهي مجموعة كبرى اقتصاديات دول العالم.
وساهم الحراك الكبير الذي قامت به السعودية على صعيد قرار خفض إنتاج النفط، في تماسك أسعار البترول فوق مستويات 55 دولارًا لخام برنت، و53 دولارًا للنفط الخام، وسط توقعات بأن يبلغ متوسط أسعار النفط خلال العام 2017 مستويات الـ60 دولارًا للبرميل.
وعلى صعيد السوق المالية السعودية، من المرتقب أن تطلق المملكة في 26 فبراير (شباط) المقبل سوقًا جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي السوق التي من المتوقع أن تنجح في استقطاب نحو 100 شركة حتى نهاية العام 2020، مما يجعل الشركات الصغيرة أمام فرصة جديدة من النمو والتطور.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تنقل فيه رؤية السعودية 2030 اقتصاد البلاد إلى مرحلة عملية تعتمد على كفاءة الإنفاق، وترشيد الاستهلاك، مع رسم أدوات تنفيذية أكثر دقة ومهنية، تجعل تحقيق أهداف الرؤية أمرًا مرتقبًا، فيما ينبثق من الرؤية برنامج التحول الوطني 2020 والذي يعتبر أحد البرامج المهمة للرؤية السعودية.
وبدأت رؤية السعودية 2030 مرحلة التنفيذ عبر حزمة من خطوات الإصلاح الاقتصادي التي تم العمل عليها خلال العام 2016، حيث أعادت المملكة هيكلة الوزارات الحكومية، من خلال دمج بعضها، وإلغاء البعض الآخر، وسط توجهات حثيثة نحو وضع بيئة عمل أكثر موضوعية.
ويمثل قرار إلغاء وزارة المياه والكهرباء، واعتماد وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، من أكثر القرارات التي من المتوقع أن ترفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث بدأت وزارة الطاقة والصناعة بإطلاق حزمة من المشاريع الصناعية الضخمة في شرق البلاد، وهي المشاريع التي من المنتظر أن تولّد آلاف فرص العمل للسعوديين، وتحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد.
ولم يتوقف قرار إلغاء وزارة المياه والكهرباء، عند مرحلة تحويل الكهرباء إلى مسؤوليات وزارة الطاقة، بل إن السعودية قررت اعتماد وزارة البيئة والمياه والزراعة، حيث تتشارك هموم الأمن المائي والغذائي، تحت مسؤوليات وزارة واحدة، في وقت تعتبر فيه الزراعة غير المقننة من أكثر المهددات للأمن المائي، مما دعا البلاد إلى وضع محددات لزراعة الأعلاف والقمح خلال الفترة القريبة الماضية.
وفي العام 2016، قررت المملكة في خطوة مهمة، إنشاء مكتب لإدارة الدين العام في وزارة المالية، وهو المكتب الذي يعتبر إحدى أبرز مبادرات الوزارة في برنامج التحول الوطني 2020، وهو البرنامج الذي ينبثق من رؤية السعودية 2030.
وقالت وزارة المالية السعودية حينها: «انطلاقا من توجهات الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية التي تضمنتها خطة التحول الوطني 2020 بهدف تطبيق وتحقيق رؤية المملكة 2030، فقد تم تنفيذ مبادرة إنشاء مكتب إدارة الدين العام بوزارة المالية، والذي يعد إحدى أهم مبادرات وزارة المالية، بهدف تأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، بحيث تكون المخاطر متوافقة مع السياسات المالية في المملكة».