روبرت دي نيرو يتحدث عن الدراما والكوميديا و«الناس المنسيين»

«هناك الكثير من القصص التي تستطيع هوليوود أن تحكيها»

روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»
روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»
TT

روبرت دي نيرو يتحدث عن الدراما والكوميديا و«الناس المنسيين»

روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»
روبرت دي نيرو.. أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر - روبرت دي نيرو في مشهد من فيلم «الكوميدي»

حين يقف روبرت دي نيرو لتأدية دور ما، يفضل - بحسب شهود المخرجين الكثيرين الذين تعاملوا معه - القيام بتمارين مسبقة. هو، وليس المخرج، من يحدد إذا ما أعجبته الطريقة التي سيلقي فيها بجملته أو يمثّـل فيها موقفه.
«عليه هو أن يكون راضيًا»، قال لي المخرج هارولد راميس قبل عدة سنوات عندما انتهى من تصوير «حلل ذلك» (Analyze That) ثم أضاف: «حتى حين تقول له إن المشهد أعجبك وإن تمثيله له لا مشاكل فيه، ينظر بعيدًا عنك ويهز رأسه ثم يقول: صحيح. لكنني أريد أن أعيد المشهد».
دي نيرو يعتبر أن ما يقوم به هو حماية للفيلم وللمشاهد. من ناحية يريد الأفضل للفيلم الذي يشترك في تمثيله، ومن ناحية أخرى يريد الأفضل للجمهور الذي جاء يشاهده أو جاء يشاهد الفيلم من أجله. وفي الناحيتين يكسب دي نيرو النقاش.
له في المجال السينمائي 60 عاما، ظهر خلالها على الشاشة في نحو 120 فيلما ما عدا حفنة من الأفلام القصيرة وأخرى لم تكترث لذكر اسمه في مطلع مهنته عندما كانت أدواره عابرة. بدأ التمثيل لأول مرّة عام 1965 ولم يكن ذلك في فيلم أميركي، كما يُـعتقد اليوم، بل في فيلم فرنسي لمارسيل كارنيه بعنوان «ثلاث غرف في مانهاتن» من بطولة آني جيراردو وموريس رونيه. وعليك اليوم أن تتخيل كيف كان شكل ذلك الشاب، ابن الثانية والعشرين حينها، وأن تنتبه جيدًا لمشهد المطعم الصغير قبل أن تطرف عينك فتمضي اللقطة التي يظهر فيها دي نيرو وهو ينتظر طعامه من دون أن تنتبه.
ولد، كما هو معروف، في نيويورك (في السابع عشر من أغسطس (آب) 1943). ما هو غير معروف بأن الشاب ترك المدرسة وهو في سن السادسة عشرة مؤمنًا بأن ما ستوفره له مقاعد الدراسة ليس ما يريده لنفسه. في سن السابعة عشرة التحق بمعهد ستيلا أدلر للتمثيل. ستيلا أدلر كانت ممثلة ومدرّسة تمثيل تعلّـم المنتمين الأسلوب الدرامي المعروف بـ«المنهج»، ذاك الذي ابتدعه ستانيسلافسكي وهضمه مخرجون وممثلون كثيرون من مارلون براندو وإيليا كازان إلى كارل مالدن ومارتن شين وجيمس دين. رغبة دي نيرو في مجال التمثيل لم تكن وليدة فكرة طارئة. فوالده، واسمه روبرت دي نيرو أيضًا، كان رسامًا وشاعرًا. وأمه فرجينيا أدميرال، كانت أيضًا رسامة. وروبرت الأب كان يأخذ روبرت الابن، حين كان لا يزال في العاشرة من عمره، إلى صالات السينما عدة مرات في الأسبوع ليشاهدا معًا الأفلام.
أمر آخر شاع من دون أن يكون واقعًا: المخرج الأول الذي عمل روبرت دي نيرو تحت إدارته أكثر من مرّة لم يكن مارتن سكورسيزي بل برايان دي بالما، الذي كان يجرّب خطواته في السينما سنة 1968 عندما التقى بدي نيرو وضمّـه إلى ممثلي فيلمه «تحيات». بعد خمس سنوات انتقل دي نيرو من عهدة دي بالما (الذي لاحقًا أخرج فيلمين من بطولة آل باتشينو هما «ذو الوجه المشوه» و«طريقة كارليتو») إلى عهدة سكورسيزي الذي كان يبحث عن نبض واقعي لعصابات نيويورك الإيطاليين عندما اختار دي نيرو للمشاركة في بطولة «شوارع منحطة» (1973).
من دي نيرو إلى «شيخ الشباب» فرنسيس فورد كوبولا الذي أسند إليه دورًا تمناه كثيرون هو دور مارلون براندو في شبابه، وذلك في الجزء الثاني من «العراب». بعده تبناه سكورسيزي في عدة أفلام بدءًا من «تاكسي درايفر» إلى «كازينو» (1995) مرورًا بأربعة أخرى هي «نيويورك، نيويورك» و«ملك الكوميديا» و«ثور هائج» و«صحبة طيبة».
بين هذه المجموعة من الأفلام تبرز أخرى مثلها دي نيرو تحت إدارة بعض أهم الأسماء الأخرى في السينما من بينهم برناردو برتولوتشي (في تحفته «1900») وسيرجيو ليوني («ذات مرة في أميركا») وآلان باركر («أنجل هارت» و«الرسالة») كما اختاره دي بالما لدور آل كابوني في «الشرفاء» (The Untouchables).
إنها الفترة التي غربت وغربت معها حقبة نيّـرة. بعدها ظهر دي نيرو ولا يزال في مجموعة كبيرة من الأفلام العابرة. وعلى الرغم من ظهوره في بعض الأفلام التي لا تتساوى مع خلفيته، فإنه نجا من الفشل. لم يسقط في حفرته بل تجاوزها وما زال بكل ثبات.
* التمثيل تعبير
أحد أفلامه الأخيرة، التي على أساسها تمّـت هذه المقابلة، هو «الكوميدي» (The Comedian) للمخرج تايلور هاكفورد ومع داني ديفيتو ولسلي مان وهاررفي كايتل من بين آخرين. هو سعيد بأن يلعب دور الأب وهي ليست المرّة الأولى في السنوات الأخيرة وسبق أن شاهدناه أبًا لجنيفر لورنس في «حبور» في العام الماضي.
* أنت الممثل الرئيسي في «الكوميدي»، هو عنك أولاً ثم عن باقي الشخصيات ثانيًا. كيف تشعر حيال حقيقة أنك لا زلت تجد أدوارًا أولى تقوم بها على الرغم من سنوات مهنتك الطويلة؟
- أشعر بأنني ما زلت أقوم بما قررت القيام به قبل ستين سنة أو أكثر عندما بادرت إلى تعلم التمثيل حبًا بالتمثيل. أن تجد أنك ما زلت مطلوبًا بعد كل هذه السنوات يدفعك لأن تدرك صحة خطواتك التي قمت بها حتى الآن. لا أقول: إن الطريق دائمًا سهل هكذا، لكن في اعتقادي أن الممثل عليه أن يجد الأسلوب والصورة التي يريدهما لنفسه وعليه أن ينجح فيهما إذا ما أراد الاستمرار.
* كيف تصف أسلوبك إذن؟
- لا أدري كيف يمكن وصفه. أعلم أنني أمثل كما أرتاح وكما اعتدت أن ألعب أدواري جميعًا. أعتقد أن جزءًا من الأسلوب يكمن في كيفية فهم دورك في الحياة. ماذا تريد أن تحقق ولماذا.
* قلت ذات مرّة إنك اتجهت للتمثيل لأن التمثيل هو الفرصة التي يستطيع الشخص فيها التعبير عن نفسه كما لا يمكن له أن يفعل في أي سبيل آخر. هل لا زلت تؤمن بذلك؟
- هناك وسائل تعبير كثيرة، لكنني لا بد أنني، حين قلت ذلك، كنت أقصد الحديث عن نفسي وخبرتي. البعض يعبر عن نفسه بالرسم أو بالموسيقى وهذا أيضًا تعبير مناسب. لكن في التمثيل قدرة مختلفة تجعلك قادرًا أن تدخل شخصية أخرى قد تكون بعيدة عنك تمامًا وتترجم ما فيها للآخرين. هذا لا يقع في أي سبيل تعبيري آخر.
* الكوميديا دوما ساخرة
* بدأت في أدوار درامية ثم اتجهت للكوميديا قليلاً في التسعينات ثم باتت اليوم قاسما مشتركًا لأفلامك. هل تحب الكوميديا أكثر من أي نوع تمثيلي آخر؟
- هناك حدود لما تستطيع أن تقوم به وهذه الحدود ترسمها سنوات عمرك. بالنسبة لي ملاحظتك صحيحة لكن دوافعي اليوم للكوميديا لم تعد من أجل التنويع. هي ما زالت تعبيرًا عن الذات بأسلوب مختلف ومطلوب أكثر. الممثل الكوميدي يتعلم من آلامه. دوري في هذا الفيلم هو دور الكوميدي الذي يقدم «نُـمَـرًا» منفردة على المسرح كل ليلة. يحاول البقاء على سدّة الحياة الفنية وأن يمارس عمله ككوميدي لفترة أطول بعد كل هذه السنين.
* هل في مقدور كل الممثلين الموهوبين أداء الأدوار الدرامية والكوميدية بالإجادة ذاتها؟
- لا أدري إذا كنت أعرف جوابا على هذا السؤال. بالنسبة لي أخذت دروسًا في الكوميديا لكي أؤدي أدوارا كوميدية.
* كوميدي المسرح يعتمد كثيرًا على رد فعل الجمهور. صحيح؟
- صحيح. إذا ألقى نكتة ولم يتجاوب معها الجمهور كان ذلك وبالاً عليه. سيحاول إنقاذ الوضع بإلقاء نكتة أخرى وعليها أن تنجح هذه المرّة وإلا أدرك أنه فشل فشلاً ذريعًا. إنها نهايته.
* هذه هي المرّة الثانية التي تلعب فيها دور «الستاند أب كوميدي»..
- نعم. «ملك الكوميديا» الأول.
* يخيل لي أن جدية الفيلم السابق، الذي أخرجه مارتن سكورسيزي، هي التي جعلته عملاً متميّـزًا لليوم. هل تعتقد أن «الكوميدي» يحمل الخصال ذاتها؟
- عندما قمنا بتقديم «ملك الكوميديا» سنة 1982 أو 1983 لم نكن نعلم مصير الفيلم ناهيك أنه سيكون عملاً متميزًا إلى اليوم كما تقول. هذا شيء متروك للزمن ولخبرة المخرج. أعتقد أن هذا الفيلم الجديد جيد كفيلم كوميدي وسعادتي فيه تنبع من أنني أمثل دورًا كوميديًا يحمل قلبًا إنسانيًا.
* ما رأيك بالكوميديا الساخرة؟ هل هناك كوميديا غير ساخرة؟ هل تنجح الكوميديا بلا سخرية؟
- نعم هناك كوميديا غير ساخرة. هناك كوميديا الحركة المحضة. لكن حتى هذه محكوم عليها بأن تكون ساخرة. ما هو مثير في الكوميديا هو أنها تشمل مواقف جادة وعناصر دراماتيكية وكلما فعلت ذلك كلما نجحت أكثر.
* كوكب هوليوود
* لقد أخرجت حتى الآن فيلمين متباعدين. أولهما في سنة 1993 وهو «حكاية برونكس» والآخر سنة 2006 بعنوان «الراعي الصالح». هل تفكر بالإخراج مرّة ثالثة؟
- نعم.
* لكن أعمالك متباعدة جدًا في هذا النطاق…
- منذ البداية تخيلت أنني لن أنجز أكثر من خمسة أفلام في حياتي المهنية. إذا أنجزت ثلاثة فإن ذلك سيكون من حسن حظي.
* لكن لماذا حددت لنفسك خمسة أفلام فقط؟
- الإخراج يأخذ وقتًا طويلاً والمخرج عليه أن ينصرف كليًا لما سيقوم به ولأشهر أطول بكثير من الفترة التي يقضيها الممثل في تصوير فيلمه. ربما لسنوات وليس أشهر. أيضًا علي أن أجد المشروع الذي أقول لنفسي إنني أحب القيام به.
* ما الذي عليه أن يستهويك؟
- قائمة طويلة من الأمور كل منها عليه أن يتحدث إليك بنبرة شخصية. أقصد أن عليك أن تدرك أن مثل هذا المشروع من الفرادة بحيث لا يمكن لك تفويته.
* هل يعيش أهل هوليوود على كوكب آخر غير هذا الكوكب؟
- (يضحك). ربما. أنا أعيش في نيويورك.
* أسأل لأن العالم ستيفن هوكينز مؤخرًا ذكر أننا نعيش في زمن خطر وأن على النخبة فيه، بمن فيهم نخبة هوليوود، فعل شيء لردم الهوّة بينهم وبين الآخرين.
- هذا صحيح. أعتقد أن هناك الكثير من القصص التي يمكن لهوليوود أن تحكيها حول الناس المنسيين. هناك الكثير مما يقع حاليًا ما يجعل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية كبيرة. كثيرون يخسرون أعمالهم بسبب التكنولوجيا. التكنولوجيا هي التي تدير شؤوننا اليوم ما يفرض على الكثيرين منا أن يتعلموها ويعملون بمقتضاها وإلا لخسروا أعمالهم. هذا واحد من قضايا كثيرة اعتبرها ملحة وعلينا أن نتطرق إليها.
* في «الكوميدي» هناك رغبة في طرح مسائل مهمّـة. في أكثر من مشهد لك هناك طرح جاد لموضوع ربما لا يهم الحاضرين بقدر ما يهم الشخصية التي تقوم بها.
- تمامًا. هذا سؤال مهم. الكوميدي عليه أن يقترب من المواضيع التي تهم القطاع الأكبر من الناس وليس فقط من يحضره للضحك والترفيه. هذا ما يفعله الكوميديون التلفزيونيون مثل جون ستيوارت وجون أوليفر. هؤلاء يتحدثون في السياسة لأن السياسة مهمة.
* ما هو الفن الآخر الذي يستهويك اليوم لجانب التمثيل؟
- أستطيع أن أقول الموسيقى. أحب الموسيقى جدًا. لقد سألتني عن الفيلمين اللذين قمت بإخراجهما وهما بالمناسبة مليئان بالموسيقى. حاولت أن أجعل الموسيقى جزءًا من العناصر الرئيسية في هذين الفيلمين.
* هناك أفلام بلا موسيقى…
- نعم، لكن عندي الموسيقى هي كل شيء. مهمة جدًا لي وأنا أسمعها دائمًا.
* مؤخرًا حصلت على جنسية إيطالية. هل هذا مهم لك؟
- في هذه الأيام هذا مهم جدًا… إنها حصانة (يضحك)...



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».