حالات موت غريبة

حالات موت غريبة
TT

حالات موت غريبة

حالات موت غريبة

> بعد يوم واحد على وفاة الابنة ماتت أمها. كاري فيشر رحلت يوم الثلاثاء وأمها ديبي رينولدز لحقت بها يوم الأربعاء. هذا أمر قليل الحدوث إجمالاً حول العالم ولم يقع مثيل له في هوليوود من قبل.

> إذا ما كانت كاري فيشر حملت راية أفلام «ستار وورز» الأولى، فإن الأم حملت راية الترفيه الخفيف لسنوات حياتها الفنية. لم تفز بأي «أوسكار»، بل رشحت في الواقع مرّة واحدة وذلك سنة 1965 عن دورها في فيلم «مولي براون غير الممكن إغراقها» (The Unsinkable Molly Brown). حينها كانت مشهورة ومعروفة وبطلة أفلام موسيقية وكوميدية كثيرة من بينها «هذا الشعور السعيد» و«أحبائي الستة» و«ماري - ماري» و«طلاق على الطريقة الأميركية».‪ ‬

> في عام 2015 قامت الأكاديمية بتخصيص جائزة لها عن دورها في الأعمال الخيرية التي انشغلت بها منذ خمس عشرة سنة أو أكثر. وألقت في المناسبة ميريل ستريب وجين فوندا كلمتين ذكرتا فيهما بعض تاريخ رينولدز في السينما، ولو بكلمات عابرة. رينولدز بدورها كانت وجلة في ذلك العمر المتقدّم وذات وهن، من المناسبة، لكنها انتعشت حالما وصلت إلى المنصّة وحيت جمهورًا غفيرًا مختلط الأجيال.

> الغرابة هنا هي، كما ذكرت، في أن الأم وابنتها انتقلتا إلى الآخرة بفارق ساعات. لكن هناك مفارقات موت أغرب بكثير في مراحل شتّى في تاريخ هوليوود. مثل تلك التي وقعت سنة 1981 عندما لبّى البوليس نداء استغاثة الممثلة نتالي وود التي وُجدت ميّتة عن 43 سنة، ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان الشجار الذي وقع بينها وبين زوجها روبرت واغنر هو السبب أو النسبة العالية من الكحول هي التي أودت بها.

> الممثل جورج ساندرز، أحد أزواج زازا غابور المعروفين، كان نجمًا بين أصحاب الأدوار المساندة، لكن في مطلع العقد الستيناتي من حياته بدأ يشرب بكثرة. في عام 1972 كتب رسالة موجزة تبدأ بقوله: «أغادرك أيها العالم العزيز لأني مصاب بالضجر» ثم انتحر.

> على الأقل ساندرز اختار أن يموت، لكن هناك من كان أقل حظًا فمات قتلاً ومنهم الممثل الصامت رامون نافارو (قتله اثنان من معارفه)، والشاب سال مانيو (قتله صديق). وبراندون لي، ابن بروس لي، توفي بطلق ناري خلال التصوير.

> واحدة من أعجب القضايا في هذا المجال حكاية الممثل جورج ريفز الذي كان أول من لعب شخصية «سوبرمان» على الشاشة. في عام 1959 وُجد مقتولاً برصاصة. قيل إنه انتحر، لكن لاحقًا ما أثيرت الشبهات حول هوية القاتل: عشيقته أو زوجها.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).