لم يكن عام 2016 في تركيا عامًا انتخابيًا كسابقه عام 2015، الذي شهد إجراء الانتخابات البرلمانية مرتين بفاصل زمني يبلغ أقل من 5 أشهر. إذ أجريت الانتخابات في 7 يونيو (حزيران)، لكنها لم تمنح أي حزب الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة منفردة، وفشلت الأحزاب في التوافق على تشكيل حكومة ائتلافية، وبالتالي، أجريت انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) استعاد فيها حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الحاكم، بقيادة رجب طيب إردوغان، الأغلبية لتشكيل الحكومة.
ولكن مع أن عام 2016 خلا من الاستحقاقات الانتخابية فإنه شهد تغييرات مفصلية في حزب العدالة والتنمية الحاكم، عكست في أوضح صورة حالة الاستقطاب السياسي في تركيا بسبب سعي الرئيس إردوغان إلى إعادة هيكلة النظام السياسي في البلاد، لتتحول إلى النظام الرئاسي بديلاً عن النظام البرلماني، وليضمن بقاءه زعيمًا لحزب العدالة والتنمية وعدم الانفصال عنه بحكم توليه منصب الرئيس.
خلافات في القمة
وفي أول خروج على طبيعة حزب العدالة والتنمية منذ ظهوره على الساحة السياسية في تركيا عام 2001، وبقائه في السلطة منذ عام 2002 وحتى الآن، طفت للمرة الأولى بوضوح على السطح الخلافات بين رئيس الحزب رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو والرئيس إردوغان. إذ اعترض الأول على نزع بعض سلطاته ونقلها إلى رئيس الجمهورية، وعبر داود أوغلو عن الغضب صراحة في اجتماعات الحزب، رافضًا مبدأ ترؤس إردوغان اجتماعات مجلس الوزراء، معتبرًا أن الحكومة «أصبحت تدار برأسين».
ومن ثم، انتهى الجدل باستقالة داود أوغلو في الخامس من مايو (أيار) لاعتراضه على التحول فعليًا إلى النظام الرئاسي. وقوله في مناسبات أخرى عن رأيه إن هذا النظام لا يناسب تركيا على الرغم من محاولته عدم شق الصف في الحزب. وبالتالي، غادر منصبَي رئيس الحزب ورئيس الوزراء اللذين لم يمكث فيهما لعامين شكل خلالهما حكومتين متعاقبتين.
يلدريم خلفًا لداود أوغلو
وفي 22 مايو عقد مؤتمر عام استثنائي للحزب الحاكم اختير فيه رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم رئيسًا للحزب والحكومة التركية. وكان أول ما أعلنه من موقعه الجديد أن حكومته جاءت لتنجز مشروع تعديل الدستور وإقرار النظام الرئاسي الذي تسبب في حالة الاستقطاب السياسي الواسع في البلاد منذ طرحه بقوة عام 2015 وأدى إلى خسائر شديدة للحزب في انتخابات 7 يونيو.
ومع التغيير الذي حدث في حزب العدالة والتنمية انفتح الطريق أمام النظام الرئاسي، وعلى الرغم من إعلان الرئيس رجب طيب إردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا في منتصف يوليو (تموز) 2016 أن تركيا ستكمل طريقها بالنظام البرلماني، عاد النقاش فتجدد مرة أخرى مع مناقشة مشروع تعديل الدستور. وهنا حدث انقسام بين الأحزاب، إذ رفض حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي بشكل قاطع مناقشة النظام الرئاسي، بينما أيده حزب الحركة القومية، وانتهى الأمر بتقديم مقترح تعديل الدستور متضمنًا النظام الرئاسي إلى البرلمان في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ومن المتوقع الآن أن تطرح التعديلات الدستورية شاملة النظام الرئاسي على الاستفتاء الشعبي في ربيع عام 2017، ليبدأ العمل بالنظام الرئاسي في 2019.
الهاجس الكردي
من ناحية أخرى، في العشرين من مايو أيضًا، أقر البرلمان التركي بغالبية كبيرة إصلاحًا دستوريًا مثيرًا للجدل يرمي إلى رفع الحصانة عن نواب مهدّدين بإجراءات قانونية بحقهم، مما أثار القلق في تركيا وأوروبا حيال مصير النواب الموالين للأكراد من حزب الشعوب الديمقراطي. ومن بين 138 نائبًا استهدفهم التعديل الجديد، هناك أكثر من 10 نواب من حزب الشعوب الديمقراطي. وبالفعل ألقي القبض على الرئيسين المشاركين للحزب و8 من نوابه وجرى حبسهم احتياطيًا بتهمة تقديم الدعم لمنظمات إرهابية. كذلك أقالت الحكومة 24 رئيس بلدية منتخبًا من حزبي الشعوب الديمقراطي والمناطق الديمقراطية، وفصلت أكثر من 11 مدرسًا من وظائفهم بسبب تقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية.
وأثار هذا الوضع انتقادات واسعة من الغرب لتركيا التي شهدت أيضًا واحدًا من أسوأ أعوام القضية الكردية في تركيا، حيث تصاعدت من جديد حدة الاشتباكات بين الجيش وقوات الأمن التركية ومسلحي «العمال الكردستاني»، في جنوب شرقي البلاد، مما أدى إلى مغادرة أكثر من نصف مليون مواطن من قراهم إلى بلدات أخرى، في حين أطلقت الحكومة حزمة مشاريع في محاولة لتأمين الاستقرار في المنطقة بتكلفة نحو 3 مليارات دولار، وإعلانها أن المشكلة الكردية في تركيا قد انتهت، وأنه لا عودة للمفاوضات بشأنها.