كيف ستنتهي اندماجات الفصائل «الإسلاموية» وانشقاقاتها؟

تطورات حلب سرّعت المسار

عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
TT

كيف ستنتهي اندماجات الفصائل «الإسلاموية» وانشقاقاتها؟

عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)

تشهد الساحة السورية تقلبات كثيرة في أوساط الجماعات المسلحة ذات التوجهات الإسلامية بعد إسقاط مدينة حلب وفي خضم تعدد مشاريع الاندماج بين مختلف الفصائل - ولا سيما الراديكالية منها. إذ يرى متابعون يرصدون الجماعات الإسلامية والحقائق على الأرض أن تمكين نظام بشار الأسد، بدعم من حلفائه، من السيطرة على حلب التي تُعد إحدى أكبر مدينتين في سوريا وعاصمتها الاقتصادية، لا بد أن يعني أن الصراع في سوريا المستمر منذ قرابة 6 سنوات يتجه نحو مرحلة جديدة عنوانها اندماجات وارتباطات جديدة على الجماعات التي ترفع شعارات إسلامية و«جهادية».
بدأت الانقسامات على ساحة التنظيمات المسلحة «الإسلاموية» أو ذات الشعارات الإسلامية، وبالتحديد على مستوى «جبهة فتح الشام» منذ الصيف الماضي، عندما أعلنت «جبهة النصرة» حينذاك فك ارتباطها بـ«القاعدة».
وقد حددت المنظمة الوليدة - في ذلك الوقت - رؤيتها العقائدية والسياسية والعسكرية، بحيث أعلنت: «نستمد عقيدتنا ومنهجنا وفقهنا من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ومن سار على دربهم من الأئمة والعلماء الربانيين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم». وشدد البيان على «دفع العدو الصائل على الدين وعلى حرمات المسلمين»، مؤكدًا أن هدف الجبهة هو تحكيم الشريعة «وإقامة دين الله في الأرض»، إلى جانب رفع الظلم عن «كل المظلومين». كذلك أكد البيان على «نبذ الفرقة والاختلاف»، داعيًا إلى «جمع الكلمة والائتلاف»، ومشددًا على وجوب الاجتماع تحت راية واحدة، «لتكون كلمة الله هي العليا».
لم يحظ فك الارتباط هذا بدعم عدد من المقاتلين والقياديين من بينهم الكوادر المؤسِّسة للجبهة داخل الجناح الأكثر تشددًا في التيار الراديكالي، مثل الأردنيين عماد الطوباسي المعروف بـ«أبو جليبيب الأردني»، وبلال خريسات المعروف بـ«أبو خديجة الشرعي» اللذين أعلنا انشقاقهما عن «جبهة فتح الشام»، فضلاً عن القائد العسكري للجبهة سمير حجازي الملقب بـ«أبو همام الشامي». ولقد عبّر التيار الأردني عن رفضه الشديد لفك الارتباط هذا.
إلا أن فك الارتباط ليس السبب الوحيد لانقسام صفوف هذه التنظيمات، ذلك أن تسارع الأحداث مع إسقاط حلب وتراشق الاتهامات لعبا دورًا أيضًا، أضف إلى ذلك المشاريع الجديدة كمفاوضات التوحّد بين «جبهة فتح الشام» وفصائل أخرى في الشمال السوري، وهي مشاريع لا شك أثرت أنها على قرار انفصال الجناح الأكثر تشددًا في الجبهة. من الواضح إذن أن تزامن هذه الانشقاقات، أو الإعلان عنها في الوقت الحالي، إنما هو تعبير واضح عن رفض أصحابها مساعي التوحد أو التشارك في كيان سياسي وتنظيمي موحد، يجمع «جبهة فتح الشام» بفصائل من المعارضة، وهي مساعٍ تكتسبُ حتى الآن زخمًا كبيرًا. وبحسب موقع «السورية نت» (Alsouria.net) بدأت فكرة الانشقاق، مع مشروع اندماج يضم كلاً من «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، وحركة نور الدين الزنكيّ، والحزب الإسلامي التركستانيّ، وجبهة أنصار الدين، وأجناد الشام، ولواء الحقّ، كما كانت حركة «أحرار الشام» الإسلامية تجري مباحثات مع الفصائل الثورية الأخرى للوصول إلى صيغة اندماج مع مشروع الاندماج الأول.
وفي هذا السياق، ذكر مصدر مسؤول في «جيش الفتح» لـ«السورية نت» - طالبًا عدم الكشف عن اسمه، أن «أحرار الشام التقت مع فتح الشام بحضور الزنكي، وأجناد الشام، واتفقوا بعد مشاورات على أن يرأس أبو عمار العمر، القائد الجديد لأحرار الشام التشكيل المزمع تشكيله، وكان مقترحًا أن يُطلق عليه اسم الهيئة الإسلامية السورية، على أن يكون أبو محمد الجولاني القائد الحالي لفتح الشام قائدًا عسكريًا، وتوفيق شهاب الدين القائد الحالي لحركة الزنكي رئيسًا لمجلس الشورى».
وأضاف المصدر ذاته أنه «تم وضع أسماء الفصائل المتوقع دخولها وهي 14 فصيلاً عسكريًا في الشمال السوريّ، إضافة إلى تشكيل لجنة شرعية مبدئية مكونة من أبو محمد عطون المسؤول الشرعي في فتح الشام، وأبو الصادق الحموي المسؤول الشرعي في أحرار الشام، إضافة إلى الشيخ أبي الحارث المصري وهو مستقل».
يقول المتحدث باسم «جبهة فتح الشام» على التلغرام: «لقد حان الوقت اليوم أن تصدر ساحة الشام عن كيان واحد يمثلها سياسيًا وعسكريًا، يشارك فيه جميع المسلمين من أبناء البلد ومن إخواننا المهاجرين، إذ إن المرحلة المقبلة تعد لنا جميعًا ولن تفرق بين أسود وأبيض. وبعد أن قطعنا شوطًا كبيرًا نحو تحقيق أمل أهل الشام، بدأت أقلام الشياطين تخوف الفصائل من أن مشروع الاندماج ستبتلعه الجبهة وتقوده، وينشرون الأكاذيب والأباطيل ليصدوا عن الواجب الشرعي بالاندماج والتوحد. وإننا ننكر هذا الكلام، فليس المشروع مشروع بيعة للجبهة، بل مشروع تكاملي يترأس مفاصله كل الجماعات، كل بما تميز به وبرز، ونؤكد أنه ليس مشروع محاصصة كذلك فضمن الجناح الواحد ستلتقي كفاءات الفصائل أجمع وسيقدم الأكفأ وصاحب التجربة».
غير أن هذا المشروع أدى إلى انقسامات داخل حركة «أحرار الشام». وقد تبعه مشروع آخر دائمًا حسب «السورية نت» قضى بالاندماج مع فصائل أخرى، وتضمنت مسودة المشروع تشكيل مجلس شورى من قادة الفصائل، وقيادة عسكرية مشتركة، ومجلس سياسي موحّد، إضافة إلى توحيد الإدارة المدنية والقضاء والحواجز وغيرها، قبل أن تنضمّ فصائل جديدة للمشروع كـ«جيش النصر وتجمع فاستقم جيش الإسلام، وصقور الشام، وفيلق الشام، وأهل الشام، والجبهة الشامية، وجيش المجاهدين، وشهداء الإسلام (من داريا)».
ولكن على الرغم من تعدد هذه الأجندات والمشاريع الانفصالية، فإن الخسائر الميدانية الأخيرة قد تعكر المشهد العام. فوفقًا لموقع «سيريان أوبزرفر» (Syrian Observer)، قد يشكل «الصقور» - أي المتشددين - المنفصلون عن جبهة «فتح الشام» أو (تنظيم جفش) منظمة جديدة تدعى «طالبان الشام». هذا المشروع الذي حسب المصدر ذاته حظي بدعم رمز أردني متشدد بارز هو «أبو محمد المقدسي»، المرشد السابق لزعيم تنظيم القاعدة «أبو مصعب الزرقاوي». وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير في الحركات الإسلامية مروان شحادة أن قرار هؤلاء «الصقور» تعليق مشاركتهم في «جفش» لا يبدو أنه يحظى بتأييد المرجعيات، مثل «أبو محمد المقدسي»، الذي اعتبر أن قرار هؤلاء القادة بالانفصال عن الجبهة، يعتبر قرارًا خاطئًا، وأن «المقدسي» طالب المستقيلين، أو من ينوون الاستقالة من «جبهة فتح الشام» بالتراجع عن هذا القرار من منطلق معارضته «تشتيت الساحة الجهادية»، وفق المصدر.
في المقابل، لا يبدو واضحًا حتى الآن أي مستقبل يُقبل عليه المستقيلون، بالنظر إلى قلة عددهم وعدم توفر دعم قوي لهم، يؤهلهم لتشكيل فصيل مستقل. غير أن بعض المصادر تعتبر أن المتشددين ضمن «جبهة فتح الشام» يمكنهم أن يتوحدوا مع العناصر الفارة من تنظيم داعش المتطرف، الذين يبدو أنهم يتغلغلون الآن في الشمال السوري. وبالفعل، ذكرت مواقع معارضة أن 5 قياديين على الأقل من قيادات «داعش» توجهوا إلى محافظة إدلب، إلا أن هذه المعلومات نفاها الشيخ حسن الدغيم، معتبرًا أنه «ليست من معلومات أكيدة حتى الآن عن مكان وجودهم». ولكن أحد عناصر «داعش» الفارين، الذي يُعتقد أنه توجه إلى إدلب ويعرف باسم «أبو ثائر التونسي» - وهو قيادي عسكري سابق في «جبهة النصرة» - يقال إنه الآن موجود مع 4 «أمراء» من التنظيم بينهم بلال شاويش، الذي هو أيضًا عضو سابق في «جبهة النصرة» التحق بصفوف داعش خلال عام 2014.
كلمة أخيرة. وفي الوقت الراهن يبدو أن ساحة الفصائل المقاتلة في سوريا تواجه تغيرات جذرية في كثير من الاتجاهات، والوقت هو وحده كفيل بإظهار أي من القوى سينتصر في النهاية.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».