كيف ستنتهي اندماجات الفصائل «الإسلاموية» وانشقاقاتها؟

تطورات حلب سرّعت المسار

عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
TT

كيف ستنتهي اندماجات الفصائل «الإسلاموية» وانشقاقاتها؟

عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الفتح» تستخدم داخل روسية الصنع من طراز «تي 55» حصلوا عليها من قوات النظام (أ.ف.ب)

تشهد الساحة السورية تقلبات كثيرة في أوساط الجماعات المسلحة ذات التوجهات الإسلامية بعد إسقاط مدينة حلب وفي خضم تعدد مشاريع الاندماج بين مختلف الفصائل - ولا سيما الراديكالية منها. إذ يرى متابعون يرصدون الجماعات الإسلامية والحقائق على الأرض أن تمكين نظام بشار الأسد، بدعم من حلفائه، من السيطرة على حلب التي تُعد إحدى أكبر مدينتين في سوريا وعاصمتها الاقتصادية، لا بد أن يعني أن الصراع في سوريا المستمر منذ قرابة 6 سنوات يتجه نحو مرحلة جديدة عنوانها اندماجات وارتباطات جديدة على الجماعات التي ترفع شعارات إسلامية و«جهادية».
بدأت الانقسامات على ساحة التنظيمات المسلحة «الإسلاموية» أو ذات الشعارات الإسلامية، وبالتحديد على مستوى «جبهة فتح الشام» منذ الصيف الماضي، عندما أعلنت «جبهة النصرة» حينذاك فك ارتباطها بـ«القاعدة».
وقد حددت المنظمة الوليدة - في ذلك الوقت - رؤيتها العقائدية والسياسية والعسكرية، بحيث أعلنت: «نستمد عقيدتنا ومنهجنا وفقهنا من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ومن سار على دربهم من الأئمة والعلماء الربانيين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم». وشدد البيان على «دفع العدو الصائل على الدين وعلى حرمات المسلمين»، مؤكدًا أن هدف الجبهة هو تحكيم الشريعة «وإقامة دين الله في الأرض»، إلى جانب رفع الظلم عن «كل المظلومين». كذلك أكد البيان على «نبذ الفرقة والاختلاف»، داعيًا إلى «جمع الكلمة والائتلاف»، ومشددًا على وجوب الاجتماع تحت راية واحدة، «لتكون كلمة الله هي العليا».
لم يحظ فك الارتباط هذا بدعم عدد من المقاتلين والقياديين من بينهم الكوادر المؤسِّسة للجبهة داخل الجناح الأكثر تشددًا في التيار الراديكالي، مثل الأردنيين عماد الطوباسي المعروف بـ«أبو جليبيب الأردني»، وبلال خريسات المعروف بـ«أبو خديجة الشرعي» اللذين أعلنا انشقاقهما عن «جبهة فتح الشام»، فضلاً عن القائد العسكري للجبهة سمير حجازي الملقب بـ«أبو همام الشامي». ولقد عبّر التيار الأردني عن رفضه الشديد لفك الارتباط هذا.
إلا أن فك الارتباط ليس السبب الوحيد لانقسام صفوف هذه التنظيمات، ذلك أن تسارع الأحداث مع إسقاط حلب وتراشق الاتهامات لعبا دورًا أيضًا، أضف إلى ذلك المشاريع الجديدة كمفاوضات التوحّد بين «جبهة فتح الشام» وفصائل أخرى في الشمال السوري، وهي مشاريع لا شك أثرت أنها على قرار انفصال الجناح الأكثر تشددًا في الجبهة. من الواضح إذن أن تزامن هذه الانشقاقات، أو الإعلان عنها في الوقت الحالي، إنما هو تعبير واضح عن رفض أصحابها مساعي التوحد أو التشارك في كيان سياسي وتنظيمي موحد، يجمع «جبهة فتح الشام» بفصائل من المعارضة، وهي مساعٍ تكتسبُ حتى الآن زخمًا كبيرًا. وبحسب موقع «السورية نت» (Alsouria.net) بدأت فكرة الانشقاق، مع مشروع اندماج يضم كلاً من «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، وحركة نور الدين الزنكيّ، والحزب الإسلامي التركستانيّ، وجبهة أنصار الدين، وأجناد الشام، ولواء الحقّ، كما كانت حركة «أحرار الشام» الإسلامية تجري مباحثات مع الفصائل الثورية الأخرى للوصول إلى صيغة اندماج مع مشروع الاندماج الأول.
وفي هذا السياق، ذكر مصدر مسؤول في «جيش الفتح» لـ«السورية نت» - طالبًا عدم الكشف عن اسمه، أن «أحرار الشام التقت مع فتح الشام بحضور الزنكي، وأجناد الشام، واتفقوا بعد مشاورات على أن يرأس أبو عمار العمر، القائد الجديد لأحرار الشام التشكيل المزمع تشكيله، وكان مقترحًا أن يُطلق عليه اسم الهيئة الإسلامية السورية، على أن يكون أبو محمد الجولاني القائد الحالي لفتح الشام قائدًا عسكريًا، وتوفيق شهاب الدين القائد الحالي لحركة الزنكي رئيسًا لمجلس الشورى».
وأضاف المصدر ذاته أنه «تم وضع أسماء الفصائل المتوقع دخولها وهي 14 فصيلاً عسكريًا في الشمال السوريّ، إضافة إلى تشكيل لجنة شرعية مبدئية مكونة من أبو محمد عطون المسؤول الشرعي في فتح الشام، وأبو الصادق الحموي المسؤول الشرعي في أحرار الشام، إضافة إلى الشيخ أبي الحارث المصري وهو مستقل».
يقول المتحدث باسم «جبهة فتح الشام» على التلغرام: «لقد حان الوقت اليوم أن تصدر ساحة الشام عن كيان واحد يمثلها سياسيًا وعسكريًا، يشارك فيه جميع المسلمين من أبناء البلد ومن إخواننا المهاجرين، إذ إن المرحلة المقبلة تعد لنا جميعًا ولن تفرق بين أسود وأبيض. وبعد أن قطعنا شوطًا كبيرًا نحو تحقيق أمل أهل الشام، بدأت أقلام الشياطين تخوف الفصائل من أن مشروع الاندماج ستبتلعه الجبهة وتقوده، وينشرون الأكاذيب والأباطيل ليصدوا عن الواجب الشرعي بالاندماج والتوحد. وإننا ننكر هذا الكلام، فليس المشروع مشروع بيعة للجبهة، بل مشروع تكاملي يترأس مفاصله كل الجماعات، كل بما تميز به وبرز، ونؤكد أنه ليس مشروع محاصصة كذلك فضمن الجناح الواحد ستلتقي كفاءات الفصائل أجمع وسيقدم الأكفأ وصاحب التجربة».
غير أن هذا المشروع أدى إلى انقسامات داخل حركة «أحرار الشام». وقد تبعه مشروع آخر دائمًا حسب «السورية نت» قضى بالاندماج مع فصائل أخرى، وتضمنت مسودة المشروع تشكيل مجلس شورى من قادة الفصائل، وقيادة عسكرية مشتركة، ومجلس سياسي موحّد، إضافة إلى توحيد الإدارة المدنية والقضاء والحواجز وغيرها، قبل أن تنضمّ فصائل جديدة للمشروع كـ«جيش النصر وتجمع فاستقم جيش الإسلام، وصقور الشام، وفيلق الشام، وأهل الشام، والجبهة الشامية، وجيش المجاهدين، وشهداء الإسلام (من داريا)».
ولكن على الرغم من تعدد هذه الأجندات والمشاريع الانفصالية، فإن الخسائر الميدانية الأخيرة قد تعكر المشهد العام. فوفقًا لموقع «سيريان أوبزرفر» (Syrian Observer)، قد يشكل «الصقور» - أي المتشددين - المنفصلون عن جبهة «فتح الشام» أو (تنظيم جفش) منظمة جديدة تدعى «طالبان الشام». هذا المشروع الذي حسب المصدر ذاته حظي بدعم رمز أردني متشدد بارز هو «أبو محمد المقدسي»، المرشد السابق لزعيم تنظيم القاعدة «أبو مصعب الزرقاوي». وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير في الحركات الإسلامية مروان شحادة أن قرار هؤلاء «الصقور» تعليق مشاركتهم في «جفش» لا يبدو أنه يحظى بتأييد المرجعيات، مثل «أبو محمد المقدسي»، الذي اعتبر أن قرار هؤلاء القادة بالانفصال عن الجبهة، يعتبر قرارًا خاطئًا، وأن «المقدسي» طالب المستقيلين، أو من ينوون الاستقالة من «جبهة فتح الشام» بالتراجع عن هذا القرار من منطلق معارضته «تشتيت الساحة الجهادية»، وفق المصدر.
في المقابل، لا يبدو واضحًا حتى الآن أي مستقبل يُقبل عليه المستقيلون، بالنظر إلى قلة عددهم وعدم توفر دعم قوي لهم، يؤهلهم لتشكيل فصيل مستقل. غير أن بعض المصادر تعتبر أن المتشددين ضمن «جبهة فتح الشام» يمكنهم أن يتوحدوا مع العناصر الفارة من تنظيم داعش المتطرف، الذين يبدو أنهم يتغلغلون الآن في الشمال السوري. وبالفعل، ذكرت مواقع معارضة أن 5 قياديين على الأقل من قيادات «داعش» توجهوا إلى محافظة إدلب، إلا أن هذه المعلومات نفاها الشيخ حسن الدغيم، معتبرًا أنه «ليست من معلومات أكيدة حتى الآن عن مكان وجودهم». ولكن أحد عناصر «داعش» الفارين، الذي يُعتقد أنه توجه إلى إدلب ويعرف باسم «أبو ثائر التونسي» - وهو قيادي عسكري سابق في «جبهة النصرة» - يقال إنه الآن موجود مع 4 «أمراء» من التنظيم بينهم بلال شاويش، الذي هو أيضًا عضو سابق في «جبهة النصرة» التحق بصفوف داعش خلال عام 2014.
كلمة أخيرة. وفي الوقت الراهن يبدو أن ساحة الفصائل المقاتلة في سوريا تواجه تغيرات جذرية في كثير من الاتجاهات، والوقت هو وحده كفيل بإظهار أي من القوى سينتصر في النهاية.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟