النظام السوري يستدرج الأكراد لمعركة داخل حلب... وميليشياتهم ترفض رفع علمه في حي الشيخ مقصود

روسيا تنشر مقاتلين من الشيشان من الشرطة العسكرية داخل المدينة

مواطنان سوريان يمران أمام أبنية مدمرة في حلب (أ.ف.ب)
مواطنان سوريان يمران أمام أبنية مدمرة في حلب (أ.ف.ب)
TT

النظام السوري يستدرج الأكراد لمعركة داخل حلب... وميليشياتهم ترفض رفع علمه في حي الشيخ مقصود

مواطنان سوريان يمران أمام أبنية مدمرة في حلب (أ.ف.ب)
مواطنان سوريان يمران أمام أبنية مدمرة في حلب (أ.ف.ب)

فعّل النظام السوري أمس مادة خلافية مع أكراد مدينة حلب، حين تسربت معلومات عن طلبه من المقاتلين الأكراد الذين ينتشرون في 11 حيًا من أحياء مدينة حلب، رفع علمه فوق الإدارات الرسمية وإعادة تشغيلها، فضلاً عن السماح بنشر قوات الشرطة في الأحياء، وهو الطلب الذين قوبل برفض الأكراد. وتزامنت هذه المعطيات مع إعلان روسيا نشر كتيبة من الشرطة العسكرية مساء الخميس «لضمان الأمن في حلب»، بعد خروج مقاتلي المعارضة السورية منها، وفق ما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمس (الجمعة).
شويغو أعلن أمس في بيان صادر عن الكرملين خلال اجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين «منذ مساء الأمس نشرنا كتيبة من الشرطة العسكرية في الأراضي المحررة (في حلب) بهدف الحفاظ على الأمن». وتضم الكتيبة الروسية ما بين 300 و400 جندي. والشرطة العسكرية الروسية متفرعة عن الجيش وتعمل على الحفاظ على النظام والانضباط فيه. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الكتيبة تضم عسكريين شيشانيين (القوى الخاصة). وفي حين لم تحدد موسكو مناطق انتشار تلك القوة، نفى مصدر كردي في داخل مدينة حلب أن تكون تلك القوة انتشرت في مناطق خطوط التماس بين قوات النظام والميليشيا الكردية في أحياء حلب الشرقية، مؤكدة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «التوزع الميداني في المنطقة لا يزال على ما هو عليه، ولم نرَ مقاتلين روسا في خطوط التماس مع النظام». جدير بالذكر، أن المسلحين الأكراد كانوا قد سيطروا على أحياء عدة داخل أحياء حلب الشرقية، بموازاة الحملة العسكرية التي قادها النظام لإبعاد مقاتلي المعارضة السورية منها، وعززوا لاحقًا نقاط سيطرتهم ووسعوها من حي الشيخ مقصود، وهو أكبر الأحياء التي تسكنها غالبية كردية، إلى أحياء الهلّك وعين التل، والحيدرية وبعيدين والجندول والأشرفية والسكن الشبابي وبستان الباشا، رغم أن بعض الأحياء تتقاسم فيها قوات النظام مع ميليشيا الأكراد السيطرة. ولقد فتح النظام مادة سجالية جديدة في داخل أحياء حلب، حين طالبت سلطات النظام بنشر عناصرها في حي الشيخ مقصود، وإعادة تفعيل المؤسسات الحكومية، كما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وقال مديره رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن النظام «طلب أيضًا نشر عناصر شرطة رسمية في تلك المناطق، ورفع علم النظام على الدوائر الحكومية في الداخل»، مؤكدًا أن الأكراد «رفضوا ذلك، وأكدوا أنهم يقومون بإدارة الحي منذ خروجه من سيطرة قوات النظام قبل سنوات عدة».
التجاذب الميداني، خضع له الطرفان في غير مكان في شمال سوريا، وكان آخرها في مدينة القامشلي (أقصى شمال شرقي سوريا) في الصيف الماضي. وقتها، أنجز النظام والأكراد، اتفاقات محلية، لم ترتقِ إلى مستوى الاتفاقات الاستراتيجية، ساهمت في منع امتداد المعارك بينهما، ويرجح الآن أن يتوصلا إلى تسوية، بالنظر إلى أن النظام يستعد لخوض معارك أخرى في ريف محافظة حلب الشرقي، كما تقول مصادر سورية في الشمال.
وفي حلب، كان المقاتلون الأكراد قد رسموا خطوط تماس إثر تقدمهم إلى مناطق كانت تسيطر قوات المعارضة، وبسطوا سيطرتهم عليهم بعد أن غادرها المقاتلون المعارضون. وبحسب مصادر كردية في داخل حلب، فإن تقدمها إلى تلك الأحياء «دفع النظام إلى التهديد بتوسيع رقعة عملياته العسكرية لطرد الميليشيات الكردية منها، قبل أن يتدخل الروس ويحسموا الأمر بمنع النظام من مهاجمة الأكراد».
الآن، ثمة نقاط تماس يُشاهد فيها علم النظام السوري، كما علم ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، لكن لا وجود بتاتًا لأعلام النظام السوري في داخل الشيخ مقصود، كما قال المصدر الكردي، مشددًا على أن القيادات الكردية في الشيخ مقصود «لم تتلقَ طلبًا رسميًا من النظام برفع علمه أو إنزال علم وحدات حماية الشعب أو (ميليشيا) قوات سوريا الديمقراطية وما يجري لا يخطى مسألة الأنباء التي تتداولها وسائل إعلام».
غير أن النفي، تدحضه مؤشرات أخرى، يرى فيه الأكراد على أنه «محاولة من النظام لجسّ النبض»، وأنه «مناورة عبر التسريب الطلب من خلال مسؤول لا يذكر اسمه»، بحسب ما قال المسؤول الإعلامي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في أوروبا إبراهيم إبراهيم لـ«الشرق الأوسط». وقال: «لم تصل أي مطالب رسمية. ثمة عملية جس نبض، لكن النظام يدرك أن مهاجمة الشيخ مقصود ليست نزهة، بالنظر إلى أن (قوات سوريا الديمقراطية) تتمتع بقوة لافتة في المنطقة، وهي باتت قوة إقليمية ومدعومة من دول كبرى»، معربًا عن قناعته بأن الوضع متشابك «والضمانة هي قوتنا، وهو ما قد يدفع روسيا إلى أنها لا تسمح للنظام بخوض مغامرة مشابهة».
وتابع إبراهيم «النظام يدرك أن فتح معركة على الأكراد في حلب، من شأنها أن تفتح عليه جبهات أخرى في الحسكة والقامشلي، حيث تتواجد مناطق متداخلة، ويوجد النظام على نقاط تماس مع الأكراد، فضلاً عن أن هناك حاضنة شعبية لقوات سوريا الديمقراطية في شرق حلب»، لافتًا إلى أن مواجهة مشابهة «من شأنها أن تشغل النظام عن أولوياته الميدانية في تدمر وإدلب وغيرها».
وعما إذا كانت المعركة مؤجلة مع النظام، قال إبراهيم «بعد التضحية (!) التي قدمناها، يفترض أن تكون المواجهة منتهية، وليس مؤجلة، رغم أن النظام لا يفكر بهذه العقلية»، مضيفا: «بالنسبة لنا نحن لا نرغب في الحرب، لكن إذا فرضت علينا، فإننا سنقاوم النظام كما قاومنا (داعش)».
على صعيد آخر في أحياء حلب الشرقية، واصلت قوات النظام وحلفاؤها عملية تمشيط المباني وتفكيك الألغام من حيي الأنصاري والمشهد وأجزاء من أحياء الزبدية وسيف الدولة وصلاح الدين والسكري التي غادرتها الفصائل الإسلامية والمعارضة قبيل الساعة التاسعة من مساء الخميس. وكانت قوات النظام استعادت، بدعم من روسيا والميليشيات التابعة لإيران، السيطرة على كامل مدينة حلب باستثناء نقاط تسيطر عليها الفصائل وتتمركز فيها في حي جمعية الزهراء عند الأطراف الغربية لمدينة حلب، وحي الشيخ مقصود ومناق سيطرة الميليشيات الكردية في الجزء الشمالي من المدينة، وذلك بعد 4 سنوات و5 أشهر من سيطرة الفصائل المعارضة والإسلامية على القسم الشرقي منها.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.