مهام «انتخابية» وتشكيلة خارج التمثيل للحكومة الجديدة

وزير البيئة: ترشّحي للنيابة لا يتناقض مع مهمتي

السفيرة الأميركية لدى لبنان إليزابيث ريتشارد ومسؤولون أميركيون ولبنانيون خلال حضورهم حفل تسلم الجيش اللبناني طائرة حربية في بيروت أمس (إ.ب.أ)
السفيرة الأميركية لدى لبنان إليزابيث ريتشارد ومسؤولون أميركيون ولبنانيون خلال حضورهم حفل تسلم الجيش اللبناني طائرة حربية في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

مهام «انتخابية» وتشكيلة خارج التمثيل للحكومة الجديدة

السفيرة الأميركية لدى لبنان إليزابيث ريتشارد ومسؤولون أميركيون ولبنانيون خلال حضورهم حفل تسلم الجيش اللبناني طائرة حربية في بيروت أمس (إ.ب.أ)
السفيرة الأميركية لدى لبنان إليزابيث ريتشارد ومسؤولون أميركيون ولبنانيون خلال حضورهم حفل تسلم الجيش اللبناني طائرة حربية في بيروت أمس (إ.ب.أ)

بعد انتظار أكثر من شهر ونصف الشهر لتشكيل الحكومة لم تأت التشكيلة الوزارية مفاجئة بالنسبة إلى اللبنانيين الذين باتوا معتادين على «صور مشابهة» لحكومات سابقة على أكثر من صعيد. من تعيين شخصيات في وزارات لا تمت إلى اختصاصها بصلة، إلى استحداث وزارات لإرضاء الأطراف السياسيين إضافة إلى اختيار سيّدة واحدة من أصل 30 وزيرا، رغم كل الشعارات التي ترفع من قبل السياسيين الداعمة لتفعيل عمل وحضور النساء.
وفي حين بات معروفا أن مهمة «الحكومة الانتقالية» شبه محصورة بالتحضير للانتخابات النيابية التي يفترض أن تجرى بعد نحو ستة أشهر، لا يخفي المسؤولون عبر تصريحاتهم عدم تعويلهم على إنجازات قد يقوم بها الوزراء الذين يبدو أنّ عددا كبيرا منهم سيكون أيضا مرشّحا للانتخابات النيابية.
ويصف الخبير القانوني ومدير مؤسسة «جوستيسيا» غير الحكومية، بول مرقص، حكومة الرئيس ميشال عون الأولى بـ«حكومة ترقّب» بحيث تم تشكيلها بطريقة تفي بالغرض المطلوب للتحضير للانتخابات النيابية إذا تم الاتفاق على قانون جديد وتكون جاهزة، من الناحية السياسية، إذا لم تجر هذه الانتخابات ومدّد للمجلس النيابي للمرّة الثالثة، فيما يؤكّد وزير البيئة المحسوب على «تكتل التغيير والإصلاح»، «والمرشّح المحتمل» لمقعد نيابي عن منطقة إقليم الخروب، طارق الخطيب «أنّ من لديه النية للعمل سيقوم بواجبه ويصل إلى نتيجة في ستة أيام أو ستة أشهر أو حتى سنوات، والعكس صحيح». ويقول الخطيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت ولاية الحكومة قصيرة وسيتركز عملها على الانتخابات لا يعني أننا سنقف مكتوفي الأيدي أمام واجباتنا الأخرى»، ولا ينفي أن مهمته في وزارة البيئة المثقلة بالمشكلات بعد سنتين حافلتين بملف النفايات وتعقيداته الذي لم تتمكن الحكومة الماضية من حلّه لغاية اليوم، قائلا: «المهمة صعبة إنما ليست مستحيلة، أملك الإرادة والعزم على مقاربة المشكلات والوصول إلى حلّها، والتعقيدات التي تحيط بهذه الوزارة بشكل عام والملف بشكل خاص، تشكّل بالنسبة لي سببا تحفيزيا لاستنباط الحلول ولا تحبطني». ولا يرى الخطيب حرجا في تعيينه وزيرا في حكومة التحضير لانتخابات سيكون هو مرشّحا فيها، معتبرا أن هناك فهما خاطئا لدى الناس لهذا الأمر، انطلاقا من اعتبارها فرصة للاستفادة من موقعه لحملته الانتخابية. وأوضح «ترشّح الوزير للانتخابات النيابية لا يتناقض مع مهمته، بحيث عليه أن يقوم بواجباته ولا ينتظر في المقابل».
وفي هذا الإطار، يرى مرقص، أنه وبناء على مهمة الحكومة المعروفة وعمرها القصير، كان يفترض أن يتم تشكيلها من اختصاصيين وذوي الخبرة لإدارة العملية الانتخابية، لكن شكلها الحالي الفضفاض بحقائبها وتمثيلها والتي توحي وكأنها «حكومة ترقّب» تطرح علامات استفهام عدّة خاصة عما إذا كان يراد منها إطالة عمر عملها وإرجاء الانتخابات النيابية، أو إجرائها وفق قانون «معلّب»، إضافة إلى أن أي وزير، إذا قرّر العمل على ملف معين، فيحتاج لدراسة مشكلاته وحلوله ومن ثم بدء العمل عليها فترة لا تقل عن الفترة المرتقبة لعمر هذه الحكومة.
ويوضح «من الناحية الدستورية، تتألف هذه الحكومة من وزارات عدّة من دون حقائب، وبالتالي يبدو واضحا أنها لا تعدو كونها إرضاء للقوى السياسية، أي أنها فخرية أكثر منها تنفيذية، بحيث إن الوزير يكون مولجا بملف في غياب الجهاز الإداري أو العناصر البشرية له ولا حتى الموازنة اللازمة للقيام بأعباء وزارته، وبالتالي تكون مهمته، متابعة الملف من الناحية المعنوية التنسيقية من دون القدرة على اتخاذ القرارات». ويعطي مرقص مثالا على ذلك، وزير الدولة لشؤون النازحين، التي منحت للنائب في تيار المستقبل، معين المرعبي، موضحا «في الشكل هناك خطأ في التسمية، على اعتبار أن في لبنان لاجئين وليسوا نازحين، وفي المضمون، هذا الملف يرتبط بالدرجة الأولى بوزارة الشؤون الاجتماعية وبالدرجة الثانية بسياسة الدولة اللبنانية بشكل عام وفي طريقة مقاربتها لهذا الموضوع، وبالتالي لا يمكن للوزير المرعبي أن يتخذ أي قرار على هذا الصعيد».
وإضافة إلى «وزارة الدولة لشؤون النازحين»، تضمّنت الحكومة الحالية خمس وزارات أخرى، مستحدثة حملت كلّها «صفة وزارة دولة»، مع اختلاف في «المهمات الشكلية» بحسب توصيف مرقص، الذي كان الهدف منها إرضاء الكتل السياسية في حكومة ثلاثينية بدل حكومة من 24 وزيرا، وهي: «وزارة دولة لشؤون التخطيط» و«شؤون حقوق الإنسان» و«شؤون رئاسة الجمهورية» و«شؤون مكافحة الفساد» «وشؤون التنمية الإدارية» و«شؤون المرأة». وقد لاقت هذه الوزارات بشكل خاص والتشكيلة الحكومية بشكل عام، استياء وسخرية من الشعب اللبناني، لأسباب عدّة، أبرزها، غياب التمثيل الصحيح في معظم الوزارات لجهة الاختصاص، والابتعاد عن كل ما يمت بصلة إلى شعار «الشخص المناسب في المكان المناسب». وهو ما ينطبق على عدد كبير من الوزراء، منهم، جان أوغاسبيان المحسوب على تيار المستقبل، الذي تولى، وزارة دولة لشؤون المرأة، وعناية عز الدين، المرأة الوحيدة في الحكومة، المحسوبة على «حركة أمل»، الحاصلة على شهادات عدّة في العلوم ودكتوراه في الطب لكن اختيارها جاء لتولي وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية.
ويرى مرقص أن هذا التوزيع يثبت عدم إدراك المسؤولين أهمية إسناد الوزارات للاختصاصيين ومؤشر فاضح إلى أن الطائفية والمناطقية والزبائنية هي التي لعبت المعيار الأساسي في توزيع الحصص بعيدا عن الموضوعية أو الكفاءة في اختيار الأشخاص، رغم أنّ هناك وزراء يتمتعون بخبرات جيدة ويملكون شهادات تخولهم، إذا وضعوا في المكان المناسب الاستفادة منهم ومن تجربتهم.
وقد ردّ الوزير أوغاسبيان على منتقديه بالقول: «لو طلب مني الاختيار لاخترت أيضا هذه الوزارة فالمرأة أكثر من نصف المجتمع ولها الدور الأبرز في بناء هذا المجتمع وأرى في وزارة الدولة لشؤون المرأة تحديا كبيرا»، مشددا على أنه أصبح من «المفترض مقاربة شؤون المرأة بطريقة مختلفة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.