باريس تريد من قرار مجلس الأمن أن يفضي إلى العودة للمسار السياسي

مصادر فرنسية رفيعة: هذه مخاوفنا من «مناورات» روسية

باريس تريد من قرار مجلس الأمن أن يفضي إلى العودة للمسار السياسي
TT

باريس تريد من قرار مجلس الأمن أن يفضي إلى العودة للمسار السياسي

باريس تريد من قرار مجلس الأمن أن يفضي إلى العودة للمسار السياسي

بيانان رئيسيان متشابهان صدرا عن رئاسة الجمهورية الفرنسية ووزارة الخارجية بعد نحو نصف ساعة على تبني مشروع القرار الفرنسي المعدل بالإجماع في مجلس الأمن الدولي، بعد ظهر أمس، والخاص بنشر مراقبين تابعين للأمم المتحدة للإشراف على خروج المدنيين ومقاتلي المعارضة من حلب.
وجاء في بيان قصر الإليزيه أن النص الذي صوت عليه يستعيد المطالب التي رفعها العاملون في الحقل الإنساني في حلب وهي ثلاثة رئيسية: الخروج الآمن للمدنيين تحت إشراف وتنسيق الأمم المتحدة، وتمكين الأمم المتحدة من الوصول الحر للمدنيين «الباقين في حلب» لغرض إيصال المساعدات الإنسانية والطبية، وأخيرا توفير الحماية للجسم الطبي وللمؤسسات الصحية على كامل التراب السوري. بيد أن الإليزيه يرى في القرار أبعد من ذلك؛ إذ يعتبره خطوة من أجل «فرض احترام القانون الدولي الإنساني» في سوريا وبابا يفتح الطريق لوقف شامل لإطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، وصولا إلى الحل السياسي الذي تريده باريس بموجب منطوق القرار الدولي رقم 2254.
قد تكون باريس بصدد تحميل القرار الدولي أكثر مما يحتمل، لكن الدبلوماسية الفرنسية تعتبر أنها «حققت إنجازا» مع توصلها إلى دفع موسكو ليس فقط للتخلي عن استخدام حق النقض «الفيتو» كما فعلت ست مرات في السنوات الخمس الماضية، أو الامتناع عن التصويت، بل التصويت لصالحه ما أتاح الفرصة لتبنيه بالإجماع مقابل تعديلات قبلتها. وقد اعتبرت الدبلوماسية الفرنسية أنه «من الأجدى» القبول بتعديلات لا تفرغ القرار من مضمونه على الإصرار على صيغة ستدفع موسكو للجوء مجددا إلى استخدام الفيتو، الأمر الذي ستنعكس نتائجه على سكان حلب. وكان المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فرنسوا دولاتر قد نبه، في حال الفشل في تبني القرار، من حصول «سربرنيتسا جديدة» في سوريا في إشارة إلى المدينة البوسنية التي شهدت مجازر مروعة في عام 1995. وبحسب دولاتر، فإن القرار الجديد «ليس سوى البداية»، مؤكدا أن بلاده ستتحلى بـ«اليقظة الشديدة» بخصوص التزام النظام بتنفيذ مضمونه. وعمليا، فإن المقصود تحديدا معرفة ما إذا كانت قوات النظام وتلك التابعة لها ستتيح لـ«المراقبين» الدوليين الذين هم في الواقع العناصر الموجودة ميدانيا والتابعة للصليب الأحمر الدولي ولمنظمة الصحة الدولية من الوصول الحر إلى أحياء المدينة. وتعول فرنسا على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي تنتهي ولايته بعد أيام معدودة أن يبلغ مجلس الأمن عن مدى التزام الأطراف بتطبيق مضمون القرار الأخير.
بيد أن باريس أخذت تتطلع لما بعد القرار وما بعد إخلاء حلب الذي وصفته مصادرها أكثر من مرة بأنه أقرب ما يكون لـ«التهجير القسري». فالدبلوماسية الفرنسية، من جهة، تنظر وتراقب بكثير من الحذر ما سيحصل ميدانيا أي ما ستعمد إليه قوات النظام ميدانيا بدعم روسي - إيراني ومن الميليشيات الحليفة في مرحلة ما بعد حلب. ومن جهة أخرى، فإنها تتابع عن كثب «المناورات» السياسية التي تقوم بها روسيا وأولها الاجتماع الوزاري وربما العسكري أيضا الذي ستستضيفه موسكو اليوم والذي سيضم وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، وثانيها سعي روسيا لإعادة إطلاق «مفاوضات» بين النظام والمعارضة السورية في أستانة، عاصمة كازاخستان. وحتى الآن، لم يعرف الكثير عن النوايا والخطط الروسية باستثناء ما قاله الرئيس بوتين خلال زيارته لليابان، حيث أعلن أن المفاوضات يمكن أن تجرى بين النظام و«فصائل مسلحة».
يكمن مصدر قلق العاصمة الفرنسية، في أمرين: فهي تتخوف، من جهة، أن يستغل النظام والروس وحلفاؤهما سقوط حلب و«الانتصار» الذي حققه هؤلاء من أجل «تهميش» المعارضة المعتدلة في أي مفاوضات مقبلة، وتحديدا الهيئة العليا للمفاوضات لصالح معارضات تزكيها موسكو ويقبلها النظام. أما التخوف الثاني فمرده للشكوك التي تدور حول نوايا موسكو لابتداع «مرجعية» جديدة للمفاوضات «تنأى» عن بيان جنيف لعام 2012 وللقرار الدولي رقم 2254 وكلاهما شكل مرجعية جولات المفاوضات الثلاث التي استضافتها جنيف هذا العام ولكن دون التوصل إلى أي نتيجة ملموسة بسبب رفض النظام لمبدأ العملية السياسية الانتقالية. وقالت مصادر من المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» أمس إنها «سترفض» المشاركة في أي مفاوضات لا تستند إلى المرجعية المشار إليها، معتبرة أن مفاوضات بين النظام وبين «معارضات موسكو» ستعني عمليا أن النظام «يحاور نفسه» وبالتالي ستكون عديمة القيمة.
يبقى أن العلامة الفارقة في التحركات الحالية بحسب المصادر الفرنسية أن موسكو تفضل اليوم وبعكس ما فعلته في السنوات الخمس الماضية التعامل مع الأطراف الإقليمية على التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية الغائبة عمليا عن المشهد السياسي والدبلوماسي. والدليل على ذلك أن تركيا قد استحوذت إلى حد بعيد في الأسابيع الأخيرة على الدور الأميركي في موضوع الهدنات وإخلاء سكان الأحياء الشرقية في حلب. وفي أي حال، فإن كثيرًا من العواصم أوروبيا وإقليميا، يترقب ما ستأتي به الإدارة الجديدة من خطط وسياسات عندما ستتسلم مسؤولياتها والترتيب الذي ستحتله الأزمة السورية في سلم أولويات البيت الأبيض.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.