هل هو زمن السرد بلا حكاية ؟

«الخيمة البيضاء» لليانة بدر و«حذاء فليني» لوحيد الطويلة نموذجاً

غلاف «حذاء فليني» - غلاف «الخيمة البيضاء»
غلاف «حذاء فليني» - غلاف «الخيمة البيضاء»
TT

هل هو زمن السرد بلا حكاية ؟

غلاف «حذاء فليني» - غلاف «الخيمة البيضاء»
غلاف «حذاء فليني» - غلاف «الخيمة البيضاء»

كنت أريد عنوانًا يقول «زمن الرواية بلا حكاية»، لكني لقيت هنا تناقضًا بين كلمة «رواية» ومفهومها المباشر بالعربية، مشتقة من «روى» وتعني رواية الحديث، نقله وذكره «مختار الصحاح».
منذ أيام الحكاء الأكبر والأعظم والأقدم هوميروس كانت هناك الحكاية.. وهذا هو اختلاف أساسي بين البشر الناطق بالكلام والحيوان غير الناطق.. أي حكي ما حدث بشكل ما. مثلما اخترع هوميروس إعادة «رواية» الميثولوجيا الإغريقية الشفاهية التي ظهرت قبل وجوده بكثير، وهبط بالآلهة من جبل الأوليمب وجعلهم يخادنون البشر.
ولم تتطور الحكاية كثيرًا حتى وصلت إلينا ألف ليلة وليلة، وهي كما معروف عن الجن والجنيات والجبال المسحورة والمدن النحاسية والرخ ... إلخ.
أي مزج الأسطورة بالواقع اليومي لذلك الزمان، زمن التجار والشطار.
وأسس هيكل في «زينب» للحكاية المصرية، وبنى محفوظ على تأسيسه، وقرأنا لمبدعين مثل حنا مينا وسهيل إدريس ومنيف والعجيلي كمؤسسين لفعل روائي به طزاجة وحكمة وجنس وخديعة وحب لا يخرج كثيرًا عن القواعد المطلوبة في الحكي التقليدي، وأهمها التشويق والحبكة.
وظهرت أخيرًا أعمال إبداعية غربية وعربية تتجاهل الحكي وتؤسس سردًا مختلفًا ليس به من تشويق سوى ما يتسرب منه كواقع يومي عن الحياة، مثل الاستيقاظ اليومي واحتساء القهوة والحب والجنس والموت والانتقام. لكنه أضاف ثيمة أساسية أو لعلهما ثيمتان هما التوق إلى العدل الجماعي والرغبة في العدل والانتقام الشخصي، وأضاف أسئلة الوجود الكلاسيكية البشرية المتعلقة بالقصاص المجتمعي أو الانتقام الفردي، أي المتعلقة أيضًا بتأسيس العدل على الأرض بدلاً من انتظار عدالة الآخرة.
التوق إلى العدل والرغبة في الانتقام وهاجس القصاص امتلأت بها كتابات المؤسسين كما ازدحمت بها حواديت ألف ليلة وليلة التي كانت ذريعتها رغبة الزوج المخدوع شهريار في الانتقام من كل النساء (!)
أمامي عملان إبداعيان عربيان حديثان هما «الخيمة البيضاء» للفلسطينية ليانة بدر و«حذاء فليني» للمصري وحيد الطويلة، وكلاهما له باع في كتابات إبداعية متنوعة. لكنهما في هذين العملين (كنت أقرأهما متزامنين) لاحظت بعدهما عن الحكي المألوف في الرواية التقليدية العربية واقتحامهما بجرأة (مبيتة ومختلفة في كليهما) عالمًا روائيًا «جديدًا» إلى حد ما سأطلق أنا عليه «زمن السرد بلا حكاية».
وقد سبقهما الشاعر المصري إبراهيم داود في كتابه النثري البديع «الجو العام»، وهو سرد لحكي مبتسر وناقص بالتعمد لذلك.. وحبكاته بسيطة باعتبارها بورتريهات وقد تكون هناك حبكات.
«الجو العام» ليست رواية ولا تمت إلى القصص القصيرة أيضًا.. إنها حكاوي يسردها الحكائون في قعدات خاصة لا يؤمها سوى العارفين من أهل الإبداع (!)
إنها إنجاز شفاهي فاتن استطاع أن يصل إلى زمن السرد مؤسسًا قواعده الخاصة به!
نعرف أن ليانة بدر تقصد بالخيمة البيضاء «النهار» وهي نهارات من المؤكد ومن الممكن أن تكون عادية إلا في نهارات «السلطة الفلسطينية» التي تفصلها عن إسرائيل نقاط العبور المختلفة والحائط الشهير، كما ينفصل الفلسطينيون بعضهم عن بعض بجدران من صنعهم هي: التقاليد والعشيرة والعائلة وسمعة البنات والدولارات والهجرات إلى غير عودة. تفصلهم عن بعضهم أواصر ممزقة لمن بقي في «الأرض» ومن خرج منها.. من انضم إلى المنظمات ومن لم ينضم.
من عاد خائبًا سياسيًا ومن لم يعد من الأصل!
بدر استغنت عن الكلاشنيكوف هنا وحولت النضال الفلسطيني المسلح بمواجهة إسرائيل الذي وصل إلى نقطة التجمد بعد اتفاقية أوسلو وأكده رحيل عرفات - حولته في معظمه إلى «نشاط نسوي» فلسطيني ضد العشيرة والتقاليد القاسية ضد ذكورية المخيم.
كذا.. حولته إلى «نشاط» مدني إبداعي من أغاني راب ووقوف صابر أمام حواجز التفتيش الإسرائيلية.. صامت وإصراري على استخدام حق دخول القدس ولو بذرائع بسيطة، بهدف ألا تضيع بيوت الفلسطينيين المقدسيين ويستولي عليها المستوطنون..
لا بأس فهذا حقها ولن نجرؤ على المزايدة عليها هي المقيمة بين الرمضاء والنار.
بل إن رؤيتها السياسية هذه تخصها نتيجة تجربتها الطويلة في السياسة الفلسطينية. لا أنوي أن أصادر عليها أو أرحب بها فهذا لا يعنيني هنا (!)
لكني مهتم بالسرد فيها، وهو كما قلت يؤسس اهتمام الكاتبة على اليومي المعتاد في لقطات ذكية خاصة، تلك التي تتعامل مع «العائدين والفدائيين السابقين» بمواجهة «القاعدين».
وإذا أتينا إلى «حذاء فليني» فسنجد أنها تتعامل مع شخوص لهم علاقات بفعل التعذيب الجسدي والنفسي.. وقع عليهم أو مارسوه على آخرين.
ومنذ كتب عبد الرحمن منيف «شرق المتوسط»، وتبعه أو زامنه آخرون مثل يوسف إدريس في «العسكري الأسود» ونجيب محفوظ في «الكرنك» وآخرون كثيرون كتبوا روايات وتقارير عن التعذيب، جاءت رواية الطويلة، لا لتضيف ما لا يمكن إضافته، بل لتأخذ منحى جديدًا حينما يتحول القائم بالتعذيب إلى ضحية، والضحية تجد الفرصة أن ترد الصاع صاعين..
الجديد هنا هو منولوجات طوال يسردها علينا ضحيتان لوحش بشري. فالطويلة يحاصر ضحاياه سرديًا أيضًا كما حاصرهم الوحش. ضحية أنثوية وضحية ذكورية يتماثلان أحيانًا في «خطابهما» عن التعذيب وأحيانًا يختلفان.
في الروايتين نجد شخصيات جاهزة قد تمت صياغتها بفعل ظروف لا علاقة للسرد بها. لم تتطور عبر السرد.. وهذا يجعل القارئ - مثلي - يشعر ببعض الغربة المطلوبة في التعامل مع سرد من نوع خاص لا يزال غير مألوف بعد في السرد العربي «الروائي».
لكن الإجابة المطلوبة هنا هي لسؤال سألته لنفسي عن «الإمتاع والمؤانسة» في العملين، وهل شعرت بهما أم لا؟
إجابتي كانت: «لم يعد من المطلوب على المبدع أن يمتعني أو يؤنس وحدتي ووحشتي واغترابي.. المبدعون من هذا صنف خاص يريدون أن يقولوا قولهم (هذا) ولا يعنيهم كثيرًا تصنيفهم، أكثر مما يعنيهم التعامل مع إنتاجهم هذا باعتباره إنجازًا جديدًا وعلى الأقل خاصًا بهم تحديدًا».
من المؤكد يشعر القارئ هنا بقدر كبير من التماهي في العملين.
التماهي هنا هو كشف الوهم المتعلق بالثورة - أي ثورة - وكشف الوهم المرتبط بالرغبة البشرية في الحب والعدل والقصاص. كشف الوهم بأن لا شيء بإمكانه الآن في زمننا هذا أن يروينا ويشفي عطشنا.
أخلص هنا إلى نتيجة إيجابية في العملين: أن التجريب الروائي السردي أصبح من متطلبات الإبداع العربي، لكي يعبر عن التحديات الجديدة في عالم ما بعد الربيع العربي.. عالم لا يزال يختمر ويتأهب لينفجر في الوقت المناسب له!
ثانيًا أن المبدعين العرب أمامهم اختيارات محددة، إما أن يغامروا ويجربوا، أو يتحولوا إلى «معلقات» في المكتبات الخاصة، نتعامل معهم برفق خوفًا من الكسر.
أو أنهم يكفون عن التواصل مثلما فعل الطيب صالح حينما توقف عن إتمام روايته «ضو البيت» قبل رحيله بسنوات، حينما شعر بصدق وشجاعة بضرورة التوقف لأسباب تخصه. هنا أجد أن وحيد الطويلة يتحدى ذاته الإبداعية التي أنتجت لنا روايته الفاتنة «أبواب الليل» ليدخل في تجربة إبداعية جديدة وصعبة. لكنها مشوقة!



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.