قراءة في انقسامات حركة «أحرار الشام»

مع تسارع الأحداث بعد مفصل حلب

عنصر من حركة أحرار الشام في حالة تأهب خلال اشتباكات مع قوات النظام في المرجة بالقرب من حلب (أ.ف.ب)
عنصر من حركة أحرار الشام في حالة تأهب خلال اشتباكات مع قوات النظام في المرجة بالقرب من حلب (أ.ف.ب)
TT

قراءة في انقسامات حركة «أحرار الشام»

عنصر من حركة أحرار الشام في حالة تأهب خلال اشتباكات مع قوات النظام في المرجة بالقرب من حلب (أ.ف.ب)
عنصر من حركة أحرار الشام في حالة تأهب خلال اشتباكات مع قوات النظام في المرجة بالقرب من حلب (أ.ف.ب)

في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) أعلنت مجموعة من قادة حركة «أحرار الشام» في سوريا إنشاء فصيل جديد داخل الحركة أطلقت عليه اسم «جيش الأحرار» بقيادة الزعيم السابق لـ«أحرار الشام» المدعو أبو جابر الشيخ. وأكدت المجموعة أنه سيعمل تحت اسم «حركة أحرار الشام الإسلامية» أيضًا، ليعود القائد العام الحالي للحركة علي العمر ويُعرِب عن جهله بهذه الخطوة ورفضه لها بحسب موقع «الدرر الشامية». ولعل هذا الانفصال ينبئ عن خلافات كامنة داخل المنظمة المتشددة الأكبر في سوريا، وقد يكون له تأثير على مسار المعارضة مع الخسائر الكبيرة التي تتكبدها وسقوط مدينة حلب بأيدي النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين.
قبيل الانتخابات القيادية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تقدّم الجناح المتشدد في حركة «أحرار الشام» المدعوم من أبو جابر هاشم الشيخ لولاية ثانية، بينما فضّل أعضاء التيار البراغماتي تأييد كنان نحاس، شقيق لبيب نحاس مسؤول العلاقات السياسية في المنظمة. وعندما أدرك المتشددون أنهم لا يستطيعون حشد الدعم الداخلي والحصول على نحو ثلث مجلس الشورى علقوا عضويتهم في المجلس، بمن فيهم أبو جابر وأبو محمد الصادق.
بيان تعليق العضوية المقتضب، وقع عليه بحسب موقع «المدن» 8 من أعضاء «مجلس الشورى» (م. أبو جابر الشيخ، وأبو صالح الطحان، وأبو محمد الصادق، والدكتور أبو عبد الله، وأبو علي الشيخ، وأبو أيوب المهاجر، وأبو عبد الله الكردي وأبو خزيمة الفلسطيني). وحسب البيان جاءت هذه الخطوة «بعد الوصول إلى طريق مسدود لحل الأزمات المتراكمة داخل الحركة مما دفع على الأرجح إلى انتخاب علي العمر ظاهريًا مرشحًا كحل وسطي، ولاحقًا إلى تأسيس (جيش الأحرار)».
وفي السياق نفسه، ولكن نقلاً عن موقع «الدرر الشامية» طالب 12 شيخًا وداعية القائمين في الحركة على تشكيل «جيش الأحرار» إلى العودة عن الخطوة محملينهم مسؤولية ما وصفوه بـ«إثم شق جماعة» من أكبر الجماعات المقاتلة في الشام «وأقربها إلى قلوب الناس»، داعين كل الفصائل والقادة إلى النظر بعين الرحمة إلى الشعب السوري وترك خلافاتهم جانبًا والاجتماع يدًا واحدة ضد قوى الشر.

القيادة الجماعية
يقول الباحث آرون لوند، من مركز كارنيغي، إنه خلافًا لكثير من الجماعات الثائرة السورية «لطالما وضعت حركة أحرار الشام اهتمامًا كبيرًا على الحفاظ على القيادة الجماعية من خلال مجلس الشورى لديها، وغيره من المؤسسات المشابهة». هذا النهج الذي ظهر - بحسب المحلل - بشكل خاص بعد وفاة زعيم «أحرار الشام» حسن عبود، الذي قتل إلى جانب عدد كبير من قياديي الحركة في انفجار غامض في سبتمبر (أيلول) 2014، والذي بعد ساعات قليلة فقط من وفاته، تم تعويضه بهاشم الشيخ الذي بدوره أبعد عن المنظمة بعد سنة واحدة من توليه منصبه. ثم تولى محمد المصري القيادة عام 2015 وبقي هو أيضًا في منصبه لعام واحد لا غير، إلى أن استعيض عنه بعلي العمر الذي بذلك بات القائد الثالث لأحرار الشام.
لوند، معلقًا على هذا الموضوع، يرى أن تمكن حركة «أحرار الشام» من تخطي «كارثة سبتمبر» 2014 يُعزى في جزء منه إلى تدفق الدعم الخارجي إليها من تركيا وإحدى الدول الخليجية، بجانب أسباب داخلية منها أن الجماعة تعاطت مع خسارة قياديها من خلال التشديد على القيادة الجماعية، وتمركز السيطرة على الفصائل المحلية.

علاقة «فتح الشام»
ولكن لوند يضيف: «على الرغم من أن هذه الاستراتيجية كانت ناجحة، فإنها جاءت على حساب مأسسة المنافسات الآيديولوجية داخل المجموعة، مع إضعاف القيادة على مستوى عالٍ». فضلاً عن أنه رغم انضباط «أحرار الشام» ثمة خلافات آيديولوجية متراكمة، ناهيك بتبدل مواقف البلدان الداعمة منها تركيا، والاختلاف حول عملية الاندماج مع جبهة «فتح الشام» التي كان لها كلها تأثير في عملية الانفصال.
فأولاً أعلن التيار المحافظ المحسوب على الراديكاليين المحافظين المواجهة المباشرة مع التيار «الثوري». وهنا يشير موقع «المدن» إلى أنه «برزت إشارة واضحة منذ عام تقريبًا من جانب أصحاب البيان إلى فترة رئاسة مهند المصري، التي شهدت حراكًا غير مسبوق وباتجاهات مختلفة داخل (أحرار الشام)، وكانت السبب الرئيسي في حدوث هذه الخلافات الحادة، التي يخشى الكثيرون أن تؤدي إلى انقسام الحركة. وسعى التيار الذي يمثله قائد الحركة الحالي إلى تعزيز دور الجناح السياسي فيها، والانفتاح بشكل أكبر على بقية قوى الثورة ودول العالم. فاتهم التيار المحافظ أصحاب هذا التوجه بتقديم تنازلات تمس مبادئ الحركة وبناءها الفكري». ويركز هؤلاء المحافظون على أن الطرف الآخر بات تحت سيطرة «الإخوان المسلمين» وتوجهاتهم، ويتهمونه بتنفيذ أفكار «الجماعة»، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول الداعمة للثورة.

«صقور».. و«حمائم»
ثمة أسباب أخرى تفسر الخلافات والتصعيد المتزايد بين تيار «الصقور» وتيار «الحمائم» داخل «أحرار الشام». وتقول المصادر إن هذا التقسيم نجم على الأرجح عن إعادة تنظيم الجناح البراغماتي مع التحولات في السياسة التركية. ففي الأشهر الماضية سمح اتفاق بين تركيا وروسيا بظهور عملية «درع الفرات» المدعومة من تركيا، التي تشارك ضمنها قوة تتألف من جماعات المعارضة السورية بما في ذلك التركيز على الحرب على تنظيم داعش الإرهابي والميليشيات الكردية الانفصالية بدلاً من استهداف نظام بشار الأسد مباشرة.
والسبب الآخر لهذه الانقسامات تمثل في الاختلاف في وجهات النظر حول بعض المسائل التي واجهت الحركة خلال العام الماضي، ولم ينجح الطرفان في التوافق عليها، مثل سعي البعض إلى استغلال فشل مفاوضات الاندماج بين «أحرار الشام» وجبهة «فتح الشام». وللعلم، فإن هذا الانفصال الجديد للحركة ليس الأول من نوعه، ففي 16 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أدى انقسام داخل «أحرار الشام» إلى خلق «جيش الشام».

عدد المقاتلين
وتفاخر «جيش الشام» يومذاك في فروع حلب وإدلب وحماة. وقيل إنه يضم نحو 5000 مقاتل، في حين أشارت بعض المعلومات إلى أن الرقم الصحيح أقرب إلى 1000 مقاتل، جُنِّد معظمهم من مجموعات صغيرة وبقيادة بعض من مؤسسي حركة «الأحرار» الذين كانوا في السابق أعضاء «تجمع أحرار الشام» مثل محمد طلال بازرباشي (أبو عبد الرحمن السوري) وأبو حمص رتيان ويامين الناصر (أبو بكر الديري) ومحمد أيمن أبو توت (أبو عباس الشامي).

تحديات البقاء
يبقى أن الانفصال الجديد، الذي حصل في هذا الوقت بالذات، وإنشاء «جيش الأحرار» قد يكون الأدق في تاريخ الجماعة. وعلى الرغم من أن «تجمع أحرار الشام» اجتاز محطات مصيرية، وتمكن من البقاء على قيد الحياة، فإنه يبدو أنه اليوم مهدد أكثر من أي وقت مضى في ظل الخلافات الداخلية في قيادته. الأمر الذي لن يؤدي فقط إلى إضعاف الحركة التي تمثل أكبر فصيل عسكري معارض، بل سيؤثر أيضًا - في حال استمراره على جميع قوى الثورة والمعارضة، التي تواجه اليوم أخطر مرحلة في تاريخها على الإطلاق.
بالنسبة إلى آرون لوند قد تكون جبهة «فتح الشام» المستفيد الأكبر من الانقسامات الإضافية المحتملة ضمن حركة «أحرار الشام» مع المتشددين من «الأحرار» الذين قد يفضلون الانضمام إليها. مع ذلك يبقى إعلان الانفصال الذي قام به جيش «الأحرار» خبرًا سيئًا بالنسبة إلى الثورة السورية بشكل عام. فمع سيطرة قوات الأسد على شرق حلب بالكامل تقريبًا، وتقدمها السريع في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، قد تكون عملية تسوية الحسابات الداخلية هذه بين الأطراف المتنافسة ضمن «أحرار الشام» مكلفة جدًا، وفق لوند.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.